محمد الباشا : تصنيف اليمن بالدولة الفاشلة ربما كان الرأي الأصوب في خضم الأحداث المضطربة والدامية في عام 2011 المنصرم. خرج آنذاك آلاف من الشباب للاحتجاج والتظاهر مطالبين بإيجاد حلول للمظالم المشروعة في ظل جيش منقسم، على وشك انقضاض كل طرف منه على الآخر. وفي الجنوب، استغلت عناصر تدين بالولاء للقاعدة الاضطرابات، ووسعت من تواجدها. لا شك أن الاضطرابات المذكورة ضخمت من مشاكل اليمن، وقذفت بالبلاد إلى قلب دائرة الأضواء الدولية. اليوم، وبعد مرور أكثر من عام، حدثت تغييرات إيجابية عديدة في اليمن. طرأ تحسن طفيف في مسألة استقرار الأوضاع الأمنية، والحكومة بصدد إعادة هيكلة قواتها، واليمن لم يعد يترنح على حافة حرب أهلية. في السياق ذاته، صعدت اليمن من وتيرة حملتها على القاعدة، وأخرجت المتشددين من المساحات الشاسعة التي كانوا يسيطرون عليها. والأهم من ذلك كله، لا يزال نسيج المجتمع اليمني المعروف بصموده متماسكاً. أطلق الرئيس عبد ربه منصور هادي، بعد فترة وجيزة من توليه سدة الحكم في 25 فبراير، الخطوات الضرورية للإعداد إلى مؤتمر وطني لحوار شامل وشفاف خلال الأشهر القليلة القادمة. ولمح ناشطون بارزون من جنوب البلاد، وكذلك قادة الحركة الحوثية في شمال الوطن، إلى رغبتهم واهتمامهم بالمشاركة. لدى كافة الأطراف اليمنية المعنية من الشباب والنساء ومنظمات المجتمع المدني وغيرهم، فرصة ثمينة للمشاركة بالحوار. القيام بإصلاحات جذرية في تركيبة الهيكل السياسي، وتعديل نصوص الدستور في عملية يقودها اليمنيون، ستعزز بلا شك من الخطوات المرجوة لتطبيق الإصلاحات العاجلة. على سبيل المثال، الانتقال إلى السلطة اللامركزية قد يستوعب التحديات القائمة بسبب الاستقلالية القبلية وتنوع المجتمع اليمني، ولكنها ستجعل من القيادات المحلية عرضة للمساءلة. ومكافحة الممارسات الفاسدة ستتم عبر بناء دولة المؤسسات وتطبيق الحكم الرشيد وفرض آليات الخضوع للمساءلة والمحاسبة. على الرغم من النجاحات المبكرة المشار إليها آنفاً، يظل اليمن بلداً مضطرباً يعاني من مجموعة تحديات غير اعتيادية في المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية والاجتماعية والتنموية. كما يعاني اليمن من ثقافة فساد مستشرٍ، وسوء إدارة للموارد الطبيعية التي هي في الأصل شحيحة. واتسع نطاق إدمان الشعب على مضغ نبتة القات التي تستنزف الموارد المائية المخصصة أصلاً للزراعة وتؤثر سلباً على الثروة الوطنية. القلاقل القبلية والعمليات الإرهابية استهدفت وأحدثت ضرراً بالغاً في البنية التحتية للنفط والغاز اليمني، تاركة الاقتصاد الوطني في وضع حرج. ثلث القادرين على العمل في اليمن اليوم عاطلون، ونصف مليون يمني نازحون جراء حركة تمرد محلية المنشأ في شمال البلاد، وعمليات القاعدة التوسعية في الجنوب. وحذرت الوكالات الإنسانية مؤخراً بأن أزمة مجاعة في اليمن تلوح في الأفق. التحديات والمعوقات المتلاحقة تهدد المكاسب الأخيرة، وربما تتسبب في انهيار الأوضاع داخل اليمن، خاصة إذا لم تتم معالجتها بشكل صحيح. نحن أمام لحظة فاصلة، وإذا تركناها تمر قد لا تعود الفرصة مجدداً. يحتاج اليمن إلى أن يكون موقف المجتمع الدولي موحداً وفاعلاً، وذلك هو الأهم. تبنى مؤخراً الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وكذا مجلس الأمن الدولي، قرارات تدعم إرادة وتصميم الرئيس هادي في الولوج باليمن إلى المستقبل. تشيد اليمن بالجهود المتواصلة لمجموعة "أصدقاء اليمن" في تعزيز قدرات البلاد بُغية معالجة التحديات المتشابكة والمتراكمة ذات الجذور العميقة، ذلك عبر تشجيع الاستثمار الخارجي، وتبني سياسات واقعية للمساعدات الأجنبية، وتعزيز روح المبادرة في القطاع التجاري، وتطوير البرامج التعليمية. الجدير ذكره أن ملايين من اليمنيين يترقبون ويتطلعون إلى نتائج مؤتمر المانحين المزمع عقده في الفترة القادمة بالمملكة العربية السعودية. يتطلع اليمن إلى شركائه الدوليين، خاصة وهو يخوض مرحلة انتقالية تصب في مصلحة بناء دولة قوية وموحدة وديمقراطية ومزدهرة. ولكن أولاً وقبل كل شيء، يحتاج اليمن إلى مواصلة خطوات إعادة ترتيب أوضاعه الداخلية. لن تحقق مصفوفة الإصلاحات نتائج مؤثرة قبل أن تتمكن الحكومة من تحقيق الأمن والاستقرار. (مجلة السياسة الخارجية الأمريكية)