* منذ القرن الثاني عشر غاب دور العرب الريادي في صناعة المعرفة ، وتلك القطيعة شكلت فجوة كبيرة وهوة لا سبيل إلى ردمها إلا بجهود جبارة وهي اختصاص المترجم ..!! وهذه المهمة العظيمة تجعل من المترجم صانع حضارة ومشيداً لما يعجز البناؤون عن تشييده جسور تمد بين الحضارات وليس فرداً لمؤلف النص كما يردد وكما قد يُظن .. هنا وفي هذه المساحة لنا وقفة وحوار خاص مع أديب ومترجم فذ اسمه من الأسماء الريادية في عالم الترجمة والأدب اليمني الأستاذ محمد أحمد عثمان.
حوار / هايل علي المذابي * لنبدأ من النهاية ...حدثنا عن آخر عمل قمت بترجمته؟ - أخر عمل قمت بترجمته كان حوارا مع المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي يتحدث فيه عما تقوم به وسائل الإعلام المعاصرة من غسيل لأدمغة الناس لصالح القوى المتسيدة في عالم اليوم وقد نشرت الترجمة في العدد الرابع من مجلة "صيف" التي كنت أدير تحريرها. * كيف أصبحت مترجماً؟ - في سياق تعلمي للغة الفرنسية. فليس من المجهول أن الانكباب على ترجمة بعض النصوص يساعد على تطوير لغة دارسي اللغة لاسيما إذا كان الدارس يمتلك مستوى ما عن اللغة التي يترجم عنها.
استفزاز واثارة * برأيك الترجمة خيانة أم تواطؤ؟ - لا هذه ولا تلك... أظنها تقف على مسافة وسط بين الاثنتين إن لم تكن اقرب إلى التواطؤ منها إلى الخيانة. ولا تلجأ إلى خيانة النص إلا في أضيق الحدود. أنا مع خيار أن يحافظ النص الأصلي على غرابته واختلافه في إطار اللغة التي ينقل إليها، فبهذا وحده نضمن للترجمة أو للنص المترجم مغايرته وقدرته على الاستفزاز وإثارة الأسئلة والحوار... * أيهما أهم في وجهة نظرك الترجمة للآخر أم الترجمة عنه ؟ - لا توجد هناك أفضلية مطلقة لهذا الجانب على ذاك أو العكس، فهذا أمر تحدده الحاجات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمجتمع في وقت ما. إذا نظرنا إلى الأمر من هذه الزاوية سنجد أن حاجة مجتمعاتنا العربية إلى ردم الهوة التي تفصلها عن المجتمعات الأخرى في غالبية الميادين تقريبا تجعل الحاجة إلى الترجمة إلى العربية هي الأكثر إلحاحا...الترجمة في الاتجاه المعاكس ما يزال الآخر هو من يقوم بها حتى الآن ومادام الأمر كذلك فهو يقوم بها بناء على حاجاته هو وليس على حاجاتنا..
طقوس خارقة * على اعتبار أن للمترجم طقوساً..حدثنا عن طقوسك أثناء ممارسة الترجمة؟ - إذا قرأت نصا ما وأعجبني فإنني حينئذ احتفظ به إلى أن يحين المزاج المناسب لترجمته. ماعدا ذلك ليس لدي أي طقوس خارقة للعادة أمارسها أثناء الترجمة. * المترجم هل هو ناقل للنص أم صانعٌ له؟ - أحبذ النظر إلى المترجم بوصفه ناقلا للنص أكثر من كونه صانعا له، لكن طبعا ضمن بلوغ مستوى معين من مراعاة شروط السلامة النصية التي تفرضها الثقافة واللغة اللتان ينقل إليهما النص. غياب الجهود المنسقة * ما العوائق والإشكاليات والتحديات لحركة الترجمة في اليمن تحديداً والوطن العربي عموماً؟ - أظن أن العوائق هي نفسها في كل البلدان العربية مع فوارق في الدرجة وليس في النوع ويمكن إجمالها في التالي: - غياب الإدراك المجتمعي وبشكل خاص لدى الطرف الرسمي بأهمية الترجمة، ما يعني غياب السياسات الثقافية القائمة على أساس تحديد الحاجات المجتمعية، ما يعني بدوره غياب المؤسسات التي يفترض أن تضطلع بمسؤولياتها التنفيذية لهذه السياسات. ويترجم ذلك نفسه من خلال ظواهر عدة ابتدء من الطرائق الضعيفة وغير الملائمة للتأهيل اللغوي الذي تنتهجه أقسام اللغات في الجامعات العربية، إلى غياب التقدير المادي والمعنوي لمن يوظفون قدراتهم اللغوية في مجال الترجمة إضافة إلى غياب الجهود المنسقة بين المشاهد الثقافية العربية المختلفة في هذا المجال..
ممارسة ضغوط * في العادة هل تكون راضٍ عما تترجمه ؟ - لا طبعا. والسبب واضح كما أظن. لا يوجد في اليمن سوق للكتاب المحلي والعربي فما البال بالكتاب الأجنبي. والحال كذلك فالمترجم في اليمن لا يترجم ما يعجبه من كتب لكن مما يقع بين يديه من كتب قليلة .. * القطيعة التي حصلت لترجمة العلوم والآداب والفلسفات والفنون منذ القرن الثاني عشر تسببت في فجوة كبيرة وهائلة تقتضي جهوداً جبارة لردمها ... ماذا نتوقع من المترجمين العرب حيال ذلك ؟ - ما يستطيعه المترجمون هو تشكيل الروابط التي سيقع على عاتقها ممارسة بعض الضغوط والتقدم ببعض المبادرات الثقافية والمساهمة في صياغة السياسات. ما عدا ذلك فأظن أن المؤسسة الثقافية (الرسمية بشكل خاص) هي المعنية وهي التي يجب أن نتوجه إليها بتوقعاتنا...
اكتشاف متواصل * هل من الممكن استشراف مستقبل الترجمة في اليمن والوطن العربي عموماً من خلال معطيات الواقع ؟ - للحديث في هذا الموضوع أظن أن علينا أولا التمييز بين رغبة وقدرة.فإن نمتلك الرغبة في القيام بشيء لا يعني بالضرورة أننا نمتلك القدرة على القيام به. نعم، في ضوء الاكتشاف المتواصل لفداحة الهوة التي تفصلنا عن بقية العالم، يتعاظم في الدوائر العلمية والثقافية العربية الشعور بأهمية الترجمة. هذا يعني أن لدى هذه الدوائر اليوم رغبة في الترجمة، أي في الاطلاع على ما يوجد لدى الآخرين. ولكن هل نمتلك بالمقابل القدرة على الترجمة. أقصد هل نمتلك ما يكفي من الكوادر المؤهلة للقيام بذلك على نطاق واسع ومستمر. تلك مسألة أخرى. وهي لن تعد متعلقة بالأماني بل بمستوى التأهيل والإعداد وبسياسة الابتعاث إلى الخارج وبمكانة العلم والعمل في سلم القيم الاجتماعية وبالسياسات الثقافية المتبناه إذا كان ثمة سياسات ثقافية من الأصل.. إذا نظرنا إلى الأمر في ضوء هذه المفردات فلا يوجد هناك ما يدعو إلى التفاؤل على الأقل في ما يتعلق بالواقع المحلي اليمني...