كما هي العادة في جميع البطولات الكروية ، يكون للمحللين دور كبير في إيصال الصورة لما يمكن أن تحدث من نتائج وتوقعات للفرق المشاركة تستند على معطيات خاصة تفرزها نظرتهم المهنية أولا وقراءتهم لحجم الاستعدادات لتلك الفرق إضافة إلى امتلاكها نوعية اللاعبين وما يتصفون من مهارات فنية وهناك من يمنح التاريخ أولوية كبيرة في أحاديثه ، بل ويصر على أن الفرق التي لها بصمة مؤثرة في أية بطولة دائما يكون لها حصة الأسد من الترشيح للظفر بالدورة. ومع تزايد القنوات الفضائية والقنوات الإعلامية الرياضية وكثرة البطولات الكروية التي باتت تشكل أهمية في حياة المشاهدين عطفاً على التأثير الذي تمثله الساحرة المستديرة في الحياة العامة ، أصبحت مسألة تضييف المحللين الكرويين تمثل ظاهرة مميزة ودعاية من اجل استقطاب اكبر عدد من المشاهدين كنوع من الإثارة ومحاولة تلبية حاجة المتابع من الاقتراب أكثر من أجواء المباراة فنيا على أمل أن يجد في تلك النخبة من الخبراء الرأي السديد لكل ما يجول في نفسه من تساؤلات تقربه من الحدث وتشرح له أسباب النجاح أو الإخفاق. ولأن كل عملية موجهة من اجل الفائدة العامة لابد أن تؤسس على قواعد وضوابط ترتقي بها الى حيث غايتها الحقيقية ، فان الخروج عن تلك المبادئ لابد أن يفرز فوضى وعشوائية فكرية قد تطيح بمهنة المحلل بعد أن تهرب من المشاهد القدرة على الموازنة بين الطروحات فتختلط عليه الرؤية وتصبح الآراء ديكوراً مكملا للبرامج وروتيناً مملاً! إن ما نشاهده الآن وخاصة خلال أجواء خليجي 20 من انتقائية غير محسوبة في تضييف المحللين خالية من الدراسة العلمية للشخصيات مع كل الاحترام لهم قد تؤدي إلى هجرة المشاهد في متابعة ما يطرح أو الوثوق بآرائهم الفنية وربما قد لاحظ الكثير أن اغلب تلك الشخصيات تستند في تحليلاتها إلى الانجرار وراء العاطفة ومحاولة الانتصار لبلده متناسياً ان مهنة التحليل عندما تبتعد عن الحيادية فإنها تصبح اقرب إلى لقاء عادي يعبر عن وجهة نظر شخصية مجردة وموجهة إلى جهة واحدة ، أما المسألة المهمة فان هناك ممن لا يمتلك الخبرة في تحليل المباريات بشكل احترافي ودائما تراه يكرر في كلماته بين الكيل بالمديح للمدرب أو انتقاده حتى يضع خططاً غير منطقية ويشخّص الأخطاء بسياق واحد ممل وكأنه كان يتابع مباراة أخرى. أن خليجي 20 سوف تكشف بلا شك الكثير من التناقضات والآراء غير الدقيقة بعد أن انقسم المحللون في رؤيتهم الفنية في ترشيح الدول الثمان المشاركة للظفر بكأس الدورة وكل منهم طرح ما يراه ثوابت دقيقة ومنطقية تأييد ما ذهب إليه وحال انتهاء دور المجموعات سينتقل ذات المحلل الذي اخطأ في تقديراته إلى إيجاد بديل آخر، وهكذا لحين اعلان البطل ليتفاجأ كل المتابعين وبطريقة دراماتيكية إن المحللين قد اتحدوا بآرائهم وتناسوا ما صرحوا به منذ بداية الدورة من دون أن يجدوا من يقول لهم مهلا كنتم غير دقيقيين وفشلتم في قول الرأي الفني الصحيح. لذلك فان مهنة التحليل لابد أن ترتقي إلى حيث المسؤولية الحقيقية في احترام فكر المشاهد ومحاولة تزويده بكل ما يلبي طموحه من معلومات فنية تسهم في تنمية الثقافة العامة وتؤسس لمشروع النهوض بمستوى الوعي الجماهيري في كيفية تشخيص الأخطاء بموضوعية بعيداً عن التعصب الذي دائما ما يكون سبباً في إيجاد الحلول الصحيحة لأية معالجة للإخفاق. لقد حان الوقت كي تنتبه المحطات الفضائية والقنوات الإعلامية إلى تلك المعضلة التي ربما تسبب في خسارة خبرات كروية تغرق وسط الكم الهائل من أفواج المحللين غير القادرين على إجادة تقمّص شخصية المرشد والباحث الفني في شؤون الكرة، كما ان تلك العملية سوف تعود بنتائج عكسية على تلك القنوات من خلال تناقص أعداد المتابعين لها ويفقدها رصيد الثقة التي تسعى إلى تثبيته لدى الجماهير في كل أنحاء المنطقة، بنظرة واقعية وعملية فان ما حظي به الإخطبوط (بول) من متابعة واهتمام عطفا على دقة توقعاته سيكون مفيداً في محاولة تكرار تلك التجربة بإيجاد بديل عنه اختصاراً للجهد والوقت وكسباً للشهرة ورحمة بأعصاب المشاهدين التي لم تجنِ من آراء وتوقعات اغلب المحللين غير الإثارة الكلامية البعيدة عن حقيقة ما يجري على ارض ملعب المباريات.