لنفترض أنكَ مسؤول كبير هام في القيادة السياسية أو الامنية عندنا، ويلح عليك أن تورط أحدا في المحيط. مثلا، نصرالله، احمدي نجاد او بشار الاسد ولكن غير مناسب لك أن يخرج التلوث في احدى وسائل الاعلام في البلاد صحافي نشط أكثر مما ينبغي لا بد سينبش فيكتشف بصمات اصابعك. توجد أيضا حالات المادة التي تريد أن تنشرها تستدعي رفعها الى الرقابة العسكرية، وهذه، دون معرفة ما الذي يقف خلف القصة، من شأنها أن تشطب المعلومة 'السرية' أو ان تقصقص من مضمونها اللذيذ. قبل سنوات نجحوا في البلاد في تحويل صحف هامشية ومجلات في اوروبا (الوطن العربي مثلا) الى سلة قمامة لمحافل مغفلة الاسم. وهذا بالضبط ما حصل قبل عشرة ايام ل'الجريدة' الكويتية. من سمع عنها قبل أن احتلت العناوين الرئيسية مع 'التحقيق' في محاولتين اسرائيليتين لتصفية نصرالله، واللتين قطعتا تماما في اللحظة الاخيرة، وضغط الاسد على قيادة حماس بان تعقد أخيرا (لم يحصل على الاطلاق) الصفقة لتحرير غلعاد شاليط؟ هكذا حصل هذا: لما كانت الصحف الحكومية في العالم العربي لا تحلم بالتعاون، فيختارون صحيفة خاصة هامشية، لا يمكن أن تسمح لنفسها بان يكون لها مراسلون في القدس. وعندها، بالسر والكتمان، يهبط على طاولة المحرر الرئيسي نبأ مصاغ على نحو رائع، يتضمن عنوانا رئيسيا حصريا ترفعه الى وكالات الانباء العالمية. ما الضير؟ ثمة شرط لازب: عدم لمس المادة التي تصل من المصادر المغفلة لا يضاف اليها، لا يجادل فيها، وبالتأكيد لا يجرى تحقيق ذاتي فيها. الطرفان يعرفان أيضا ان في كل نبأ من هذا النوع توجد نواة من الحقيقة، ويضاف اليها الخيال الذي يأتي ليخدم مصلحة المرسل. وها هي تخرج الى النور الصفقة، لخلق الفضيحة. الهيئة التي نقلت النبأ تطوي ذاتها في الكتمان. فهي لا تريد حظوة لنفسها. وهي تحتاج فقط الى الا يتم تشخيص بصمات اصابعها. إذن هذا ما حصل قبل عشرة ايام مع النبأ عن الفوضى في مكتب نتنياهو. لكل من سأل نفسه كيف، بحق الجحيم، 'الجريدة' من الكويت بالذات، التي ليست لها آذان وعيون في الساحة الساخنة، نجحت في أن تكشف النقاب عن ارسال موظفي مكتب رئيس الوزراء الى فحص آلة الكذب هذه هي القصة. لأحد ما كانت ملحّة تصفية الحسابات، وهذا ذاته خمن بان القصة ستطل عندنا في نهاية المطاف في صفقة دائرية. الان اذهب لتفحص ما الذي حصل بالفعل داخل المكتب. لقد سبق أن قلنا بأنهم يسربون نواة حقيقة، ويضخمون حولها قصة ممجوجة عديمة البصمات. حسب 'الجريدة' اشتبه نتنياهو في ان محافل أجنبية تقتبس عن رجاله، استدعى اليه رئيس المخابرات ديسكن، فأوصى هذا بالتنصت الى كل الهواتف النقالة والارضية لكبار مسؤولي المكتب. وفقط على أنه بدلا من (حسب النشر الكويتي!) اكتشاف تجسس دولي، اكتشفت المتابعة ربطا محظورا بين مسؤولين كبيرين في المكتب (نير حيفتس المستشار الاعلامي وتسفي هاوزر سكرتير الحكومة) وبين صحافي معين. نتنياهو جن جنونه (اقتباس دقيق من الكويت) وبعث الجميع الى آلة الكذب. حسب 'الجزيرة' فان حيفتس وهاوزر لم يظهر أنهما يقولان الحقيقة. فطلب نتنياهو من حيفتس الاستقالة، فطلب هذا البقاء الى أن يجد مكان عمل جديد. والتقط نتنياهو الفرصة، كي يعفي نفسه من هجوم الصحافة على مكتبه المتفتت، وهاوز يبحث لنفسه عن أرباب عمل جدد. ومع اليد على القلب، هذه قصة لا بأس بها. ومع اليد الثانية على القلب لا أمل في أن تكتشف صحيفة هامشية في الكويت القضية الساخنة في حوض السباحة لرئيس الوزراء دون مساعدة من الداخل. الصحيفة مغفلة جدا، لدرجة انه مرت عدة أيام الى ان اكتشفوا القضية عندنا. وكما شرحنا، توجد دوما نواة حقيقة تحاك حولها القصة وهناك من يعرف كيف يلقي بها الى المكان الاكثر بعدا. الايادي تلتقط، والطريقة تنجح دوما. يديعوت 10/1/2011