بسقوط النظام المصري وتنحي مبارك عن الرئاسة مضطراً أصبح الشارع العربي أكثر سخونة من ذي قبل.. في بلادنا عادت القبائل لتخيم في ميدان التحرير بدعوى مناصرتها للرئيس وخوفاً من توافد المطالبين بإسقاط النظام إليه. بعد تنازلات عدة للرئيس علي عبدالله صالح ودعوة المشترك بالعودة إلى طاولة الحوار تلاها اتفاق غير كامل هدأ الشارع اليمني لكن سقوط مبارك عاد ليثوره ويفتح شهية البعض لإسقاط صالح ونظامه. الآلاف يتجمعون كل صباح للسير في الشارع مجتمعين وغالباً ما يكون التجمع مقسوماً على فريقين أحدهما يسعى لإسقاط النظام والآخر يؤيد الرئيس ويدعو له بطول البقاء..، رقعة المظاهرات اتسعت لتشمل عديد مدن يمنية عدن، تعز، الحديدة، وربما ستكون ثمة مدن جديدة في قادم الأيام، لم يعد الأمر مقتصراً على صنعاء التي بات الكثيرون يطلقون عليها عاصمة القبائل بعد ان احتل المتظاهرون المؤيدون للنظام بخيامهم وطبولهم ميدان التحرير.. في الوقت ذاته بدأت الدعوات تتصاعد لإيجاد عاصمة جديدة يطلق عليها عاصمة التغيير على المظاهرات فيها تجدي نفعاً خصوصاً بعد أن أدمن المؤتمر الشعبي العام – باعتباره الحزب الحاكم – تسيير متظاهرين مناهضين للمطالبين بالتغيير بل واعتبار الفريق الأول أداة للتخريب وخلق الفوضى!! الأدهى والأمر من كل ذلك أن الصدامات بين الفريقين – المناهضين للنظام ومؤيديه – باتت السمة الغالبة للمتظاهرين وللشارع اليمني فالهراوات والقوارير الزجاجية والسلاح الأبيض "الجنابي" حضارة بقوة بأيدي مؤيدي النظام. هناك من يرى أن النظام بهكذا إجراءات – وإن لم يكن هو فمناصريه – يسعى من تلقاء نفسه إلى إسقاط ذاته بل ويحث الخطى معجلاً بالرحيل خصوصاً في عملياته الاستباقية لإغراق الشوارع بالمؤيدين له والاعتداء على المطالبين بالتغيير وإسقاط النظام والذين لا يتجاوزون الآلاف في أحسن التجمعات، لكن حماقة مؤيدي النظام وأفعالهم الصبيانية تدفع الفريق الآخر للتكاثر والتناسخ وتدفع بالمواطنين الغير مهتمين بالتعاطف والالتحاق بركب التغييريين والسير في مواكبهم التي قد تعد بالملايين في حال ظل النظام مهووساً بخطواته الاستباقية وما يرافقها من عنف وبلطجة للحد من نشاط الساعين إلى التغيير. اللافت للانتباه ورغم تأكيد معظم المطالبين بالتغيير أنهم ليسوا مدفوعين من أية جهة أو طرف سياسي داخلي وأنهم يسعون لانتزاع حقوقهم التي لم يبادر النظام والسلطة لتمكينهم منها.. وانهم خرجوا للشارع بملء إرادتهم، إلا أن حزب المؤتمر الشعبي العام "الحاكم" وأعلامه يطلق على المتظاهرين المطالبين بالتغيير بالمخربين والبلاطجة معتبراً أن أنصاره الذين يخرجون للتظاهر إنما يخرجون بدافع التمسك بحفظ الأمن والاستقرار ورفضاً منهم لدعوات الفوضى والتخريب واستغلال الغوغاء لإشعال الفتن وتعريض المصالح العامة والحقوق الخاصة لبلاطجة أحزاب الفوضى بدعوى النضال السلمي – بتلميح إلى أحزاب اللقاء المشترك. الأمر ذاته ينطبق على أحزاب اللقاء المشترك المعارضة وإعلامها حيث تصف أنصار النظام بالبلاطجة وأعمالهم بالهمجية وفيما يبدو فأن المتظاهرين أياً كان توجههم ليسوا إلا بلاطجة في نظر فرقاء السياسة اليمنيين ناسين أو متناسين أن صوت الشعب هو الأعلى والأقوى وأن قوله هو الفصل والحكم وأن إرادته هي المنتصرة دوماً، ولن نذكر هنا بما حدث في تونس ومصر. أحدهما كان مراسلها في أفغانستان "الجزيرة" توفد مراسلين جدد لتسخين الشارع تباينت آراء الشارع العربي حول مهنية قناة الجزيرة وتغطيتها للأحداث منذ انطلاق الشرارة الأولى لثورة اليامسين في تونس التي انتهت برحيل الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وامتداد الثورة إلى مصر وتنحي مبارك وظهور بوادر متطابقة لثورات قادمة في عدة بلدان عربية وشرق أوسطية قد تطيح بأنظمة تراها الشعوب مستبدة ويتوجب عليها الرحيل قبل الترحيل. انقسم الشارع العربي وخصوصاً اليمني ما بين مؤيد ومعارض لسياسة الجزيرة الإعلامية وتناولها للأحداث التي تدور هنا وهناك، البعض يراها متحاملة وتسعى لتأجيج الشارع العربي وتسخر كل جهودها لإثارة القلاقل ويد الغرب الطولى والأقوى لخلق الفوضى في المنطقة وتغيير وجه الخارطة الشرق أوسطية بطريقة ناعمة، والبعض الآخر يرى فيها عين الحقيقة ومصدرها الأول وناصرة الضعفاء. فيما يتعلق باليمن فأن الجزيرة في اليومين السابقين أوفدت إلى بلادنا عدد من المراسلين الإعلاميين لمتابعة المستجدات في الشارع والمثير في الأمر أن أحد الموفدين – هو الصحفي أحمد زيدان المعروف بنزعته الإخوانية – كان يعمل مراسلاً للجزيرة في أفغانستان. البعض تساءل هل الجزيرة بهكذا إجراء تسعى لنقل الحقيقة من مصدرها وبعيون أمنية وأمينة في الوقت ذاته ومتدربة على نقل الأحداث – المصاحبة للفوضى والنزاعات – بمهنية أم أنها جاءت بموفديها الجدد لإتمام ما بدأته في تونس ومصر. الرئيس اليمني أجرى أمس الاثنين اتصالاً مع أمير دولة قطر المالكة لقناة الجزيرة والموجهة لسياستها الإعلامية ويرى البعض أن من أطراف الحديث الذي تبادله الزعيمان الشقيقان تغطية الجزيرة للأحداث في المنطقة.. ولا يستبعد المحللون أن يكون الرئيس صالح قد طرح ذلك صراحة على الأمير القطري خصوصاً أنه – أي صالح – كان قد انتقد قبل أسابيع تناول الجزيرة للأحداث في مصر واتهمها بعدم الحيادية وإثارة الفوضى. من "التحرير" إلى "شارع أبو الأحرار" تشتد حدة المظاهرات والمسيرات المعارضة للنظام من جهة والمطالبة برحيله من جهة أخرى وزاد من لهيبها أمران الأول سقوط النظام المصري الذي كان يعتبره كثيرون (نمبر ون) والآخر استعانة النظام بالقبائل وحشدهم إلى ميدان التحرير. ففي الوقت الذي امتلأ فيه ميدان التحرير بالمؤيدين للنظام من القبائل التي وجدت نفسها مرغمة على أن تظهر ولائها من خلال الخيام داخل الميدان مما دفع بالبعض إلى اعتبار ذلك بمثابة احتلال والتظاهر بشكل دائم أمام المخيمات لإرسال رسائل ذات مغزى قد تهدف إلى إيصال رسالة القبيلة إلى المعارض الأبرز للنظام الذي يحتمي بنفسه بقبيلته وإرعاب الآخرين ممن لا يؤمنون بالقبيلة خصوصاً أصحاب (الفيس بوك) مما اعتبره آخرون استفزازاً لهم ولمشاعرهم.. في الوقت نفسه تظاهر عدد من الأشخاص قد لا يتعدى عددهم الألف على أكثر حال بأمانة العاصمة مطالبين بإسقاط النظام ومع ان المتظاهرين ضد النظام بأمانة العاصمة قليلون إلا أنهم من ذوي الأعمار أقل من المتوسط (عشرونيون) وأحياناً أقل.. ورغم دهاء المخططين للمواليين عندما أقدموا على السيطرة على ميدان التحرير باعتباره الرمز الأهم إلا أنهم نسو الرمز الأكثر تعبيراً (شارع أبو الأحرار) حيث يتظاهر المنددون بالنظام يومياً جوار جامعة صنعاء ثم يقومون بجولتهم المعتادة حتى شارع الزبيري.