بالمقارنة مع حركات التغيير في مصر وتونس والاحداث الحالية في ليبيا فأن اليمن كدولة ومجتمع تمتلك خصوصيات اجتماعية وسياسية واقتصادية تختلف تماما عن تلك الدول التي سقطت فيها فعليا رؤوس للانظمة وليست الانظمة نفسها التي بقيت تدير الاوضاع مستجيبة بمرونة فائقة للضغوط الشعبية في تغيير القيادات وتعديل الدساتير والقوانين الخاصة بتوسيع الحريات والغاء قوانين الطوارىء ..الخ. هذا مايحدث تماما في مصر وتونس اما بالنسبة لليبيا فالأحداث فيها تمثل انتفاضة شعبية ضد قواعد الحكم الليبي حيث انه من الصعب ان نطلق على اسلوب الحكم في ليبيا بنظام سياسي فلا دستور ولا انتخابات بل ان ادارة البلاد كانت تتمحور حول شخص الرئيس الليبي معمر القذافي وتوجهاته الفكرية المعروفة وبالتالي اعتبر القذافي ملكا غير متوج يدير البلاد وثرواتها بطريقته الخاصة حيث نجد ان لاصوت يعلوا على صوت القذافي وبالتالي مايحدث الان في ليبيا من صدام واشتباكات مسلحة يومية بين قوات القذافي ومؤيديه وبين المناهضين لحكمة شبيه بحرب اهلية تدور رحاها بين ابناء البلد الواحد عسكر كانوا او مدنيين طالما وان مصطلح المقاومة السلمية قد ذاب وتلاشى بعد استخدام الجميع للسلاح والمواجهة المسلحة مما قد يؤدي الى تعرض الشعب الليبي لأزمات وتدخلات خارجية قد تشكل عامل الحسم النهائي في ظل مانسمعة يوميا من تصريحات لقادة الولاياتالمتحدة واوروبا حول الاوضاع وخيارات الحلول ومن ضمنها التدخل العسكري المباشر . اليمن دولة توحدت حديثا ولديها دستورها وقوانينها وانتخبت المجالس التشريعية والمحلية بصورة حددتها الدول المانحة ومنظماتها التي راقبت انتخاباتها بأنها نزيهة وناجحة . واليمن لم ولن تدار بقوانين طوارىء وليس هناك قمع منظم للحريات كما ان التعددية السياسية تمثل ركيزة اساسية يقوم عليها النظام السياسي في اليمن وبالتالي فهو في تركيبته ومنظومة حكمة يختلف كليا عن الدول التي رفعت شعوبها شعارات التغيير والرحيل . كما ان ارتباط القبائل في اليمن ودورها في التأثير السياسي والاجتماعي يأتي كونه جزء رئيسي ضمن تركيبة المجتمع اليمني عبر عصورة المختلفة. أن الاخطاء السياسية والفساد والاقصاء ونمو سطوة القبيلة على حساب المجتمعات المدنية وكذا ضعف تطبيق القانون على النافذين وانشغال الاحزاب السياسية عن الشارع وصراعها مع السلطة, كل هذا ادى الى ظهور مطالب الانفصال في الجنوب وتنامي الفكر الشيعي المتطرف في الشمال بالاضافة الى ارتفاع حدة نشاط تنظيم القاعدة الذي يتخذ اليمن مركزا لادارة عملياته في دول شبة الجزيرة العربية . وتماشيا مع موضة التغيير التي تمر بها المنطقة ظهرت لدينا تلك التظاهرات والاحتجاجات المطالبة بشكل متطرف بإسقاط النظام ورحيله وبالتالي ظهر كرد فعل طبيعي في الطرف الاخر تظاهرات الموالاة والمؤيدين للنظام والرئيس اليمني . كلا الطرفين يدار ويوجه ويحفز من قبل الاحزاب السياسية سواء الحاكم او المعارضة في حين نرى الصورة معكوسة تماما في مصر وتونس حيث طغت اصوات الشباب الثائر للتغيير على العمل الحزبي والاحزاب التي اصبحت تستجدي دورها تحت مظلة ثورات التغيير التي قادتها الشعوب لا الاحزاب التي ظهرت ضعيفة باهته امام ماقدمه الشباب المصري والتونسي من شهداء ودماء واصرار . في اليمن قد يتناسب شعار (الاصلاح لاجل التغيير) مع طبيعة المكونات السياسية والاجتماعية والاقتصادية للنظام السياسي كما ان المرونة التي يتعامل بها الرئيس علي عبدالله صالح مع معارضيه تعزز من اهمية العودة الى طاولة الحوار والتعلم من حيث انتهى الاخرين لا من حيث بدئوا . ان ثورات التغيير الحقيقية في القرن الواحد والعشرين هي التي تقودها الشعوب وشبابها الواعي وليس الاحزاب التي كفر بها المواطن ولم يعد يرى فيها وسيلة لتحقيق غاياته وطموحاته نحو الحرية والتنمية . الاصلاح لأجل التغيير يمثل دعوة العقلاء والحريصين على امن واستقرار ووحدة اليمن حيث وان المواقف المتطرفة المتصلبة من اي طرف كان لن تؤدى الا الى تحقيق هدف واحد فقط وهو الفوضى والتي بالطبع لن تكون خلاقة .