يا ولدي: أنا التبع.. أنا قحطان.. أنا ذويزن..أنا من ولى وجهه شطر صنعاء وطاف حول عدن.. أنا من صلة صلاة فرضها الوطن، فكنت أول من آمن بها من الوطنيين.. يا ولدي: أنا من جاب القفار يبحث عن وطن يحميه،أن من تسلق الجبال، ونحت ذكرياته على قممها التائهة في كبد السماء،أنا من انتحر على حدود دول الجوار بحثا عن فرصة مغادرة من زمان غابر،كان عمك فيه مهاجرا في نصف الوطن، وانا في النصف الآخر، محرما على كلينا ان نتنفس من هواء واحد، او نجتمع على مائدة واحدة في قريتنا الضائعة بين أحضان جبال "العود" الشامخة.. أنا من فرضت عليه الصراعات السياسية والسلطوية ان يدون في جواز سفره المهنة فلاح،ليُظلم بذلك تاريخ وحضارة أسلافي وأسلافك الذين شيدوا ناطحات السحاب،في قمم الجبال وبطون الهضاب والقفار، وإرثهم الذي نحت نفسه على جبين العملات وأعناق وصدور القطع الأثرية التي تنوعت بين البرونزية والذهبية، مغتنما تناحرنا وتصارعنا متحف "اللوفر" الفرنسي محتضنا اياها. يا ولدي: مزقننا الأزمات.. بعثرت شحومنا خناجر الطامعين في الداخل والخارج.. دنس قدسية ارضنا تجار الأرض والإنسان، فاحتللنا من قبل الأتراك والأحباش والبريطانيين وغيرهم.. سبوا الأرض.. فضوا بكارتها.. استغلوا ثرواتها.. فرقوا بين الأخ وأخيه..دفع الشعب والوطن ثمن ذلك غالياً من الأرواح والأفراح.. من الثروات والسنوات.. ومع كل ذلك يا ولدي لم نتعظ، فخضنا حروباً عدة ضد بعضنا، حينا نتناحر تحت شعار الملكية والجمهورية، وأخرى الرجعية والماركسية، وثالثة الزيدية والشافعية، ورابعة الشعرية والانفصالية، ..الخ يا ولدي: ارتوت الأرض من سيول دماء أجدادك وأعمامك، فصار لون الأرض أحمر، والزرع أحمر، والبشر أحمر، والجبال حمراء، حتى صارت ثرواتنا مخصصة للحمر فقط.. فتحولت بشرة البشر الى حمراء تفوح منها روائح الاقتتال والتناحر،والحقد البغيض على الآخر.. أصبحت يا ولدي أبحث عن فرصة أقتنصها لاغتال عمك، شقيقي الذي ترعرت معه في بطن واحدة ورضعنا من ثدي واحد، حتى اني صرت أكره والدتك بعد ولادتك واخوانك، وانشغالها بنظافتكم وتربيتكم أثناء وبعد تمرغكم بين فضلاتكم، ورعايتها لكم،وزادت كراهيتي لها حينما اقتنعت ان كل ذلك الحب والرعاية اللذان كانت تغسلني وتدثرني بهما وفيهما كل دقيقة،أصبحا موزعين بيني وبينكم، أحاول بين الحين والآخر وبأنانية مفرطة ان افرض سلطتي الذكورية عليها لسلبكم ذلك الحب وتلك الرعاية، حينا تمنحني إياهما،وآخر تحاصرني بأهمية المساواة في إرساء عائلة خالية من الإقصاء والحقد، حتى وجدت انه لا مناص من ذلك، من اجل تثبيت تلك النظرية وحرصا على عدم تهيئة بيئة خصبة للحقد والكراهية اللذان يقودان الى التمزق والضياع، بدءا من الأسرة وانتهاء بالمجتمع ككل.. وحينها عرفت ما أهمية المساواة في المحبة وغيرها، ان ثبت ذلك وتفشى في أرجاء الأسرة والمعمورة حل الخير وعم السلام، وان أفل ساد الخراب،وحلت الكراهية، وتأججت الصراعات، وتملك البشر الإقصاء.. يا ولدي: لم نعد بحاجة الى تجديد دروس الأيام الغابرة الملبدة سماؤها بأدخنة "البارود"، وما نحتاجه هو الاحتكام الى عقل راجح، ورأي سديد، خاليان من التشريع للذات،يؤمنان بأن حق الذات جزء من ملكية الآخرين، وان إقامة العدل وإرسائه رهن ذلك، وان القوة تولد الضغط، وان الضغط يولد الانفجار، وان الانفجار يجتث الأخضر واليابس، تاركا وراءه الخراب.. ونحن في غنى تام عن ذلك، فما يعمر في مائة سنة يُهدم في أسبوع ان لم يكن في يوم واحد.. يا ولدي: تعلم كيف تبني، فأن معول الهدم يدمّر أكثر مما يصلح.. يا ولدي: علمتني الحياة ان أحب، وان الحب لا يأتي بالإكراه.. فتعلم كيف تحب، ليعلمك الحب كيف تعالج الخطأ بالصواب..فإن في الحب النجاة، وفي الكراهية الهلكة..