هذيان ! بعد عودته من صلاة العيد ، ألقى كوفيته فوق الطاولة القريبة من شرفة شقته المطلة على نهر السين ؛وأمسك بالريموت كنترول وأخذ يقلب القنوات الفضائية برتابة ٍ بالغة ؛بعد برهة وجيزة توقفت أصابعه عن العزف على أزرار الريموت كنترول وأخذ يشاهد الموقف بصمت . تذكّر شوارع بغداد التي تركها هربا ً من إنشوطة خيط العنكبوت القابع خلف كل من يتخلف عن الالتحاق بالخدمة العسكرية وتذكّر شوارع الرشيد وحيفا وأبا نؤاس المتخفية بصمتها خلف الصور واللافتات المبتورة . ألقى بمنفضته نحو التلفاز ثم شرع يركله تارة تلو أخرى عله ينفض من سلة عقله ما علق بها من قمامات الأمس الدامي ، التي باتت تسكنه حتى بعد مرور كل هذه الفترة، وبعد انتهائه من طقسه الهذياني التفت إلى جهة باب الغرفة، فاذا بأشخاص قد اجترحوا عليه خلوته ، كانوا يلبسون الملابس السوداء نفسها الملوثة بغبار الحروب وتراب المقابر، سحبوا كوفيته من على طاولته القريبة من شرفته وعلقوها في عنقه .. وتقدم الواحد منهم تلو الآخر ليشنق بها نفسه . هلوسة انتخابية ! لم يعد هسيس الوقت يربك حصان الذاكرة ، فالمسافة التي قطعها في مشواره الطويل ، تنطوي على ارث سياسي و معرفي ثقيل – هكذا كان يتصور – تتوارى المشاهد وراءه مطوية بين شعارات ناءَ عن حملها جيل ٌعقيم حتى خُيل له ، أنه سيتمكن من تعديل دفة واقع لم يعد يخلو من الغرائبية في تموجاته ، اعتلاه هاجس الصمت ، وهو يلوك الصوت الوافد من بين الجمع المحتشد في منتصف القاعة ، فالسيد ( ف ) قد حصد مقعدين ، والسيدة ( ف ) قد حصدت سبعة . ظل يتأمل المشهد المتواثب في جمجمته وسط ضياع لايمكن تدجينه .. انخرط فجأة في بكاء مرير ، وهو يمسك الصندوق بالمقلوب سأله الواقف بصفه عن الأمر فقال:- -قائمتي ... -مابها ؟ -قائمتي .. هي الوحيدة التي لم يصوت عليها .. أحد !