مثل كل عام، يتجدد الحديث عن القلاقل في موسم الحج، من دون تحديد الجهة الناوية بالتخريب؛ "القاعدة"، "الحوثيين"، إيران، أو غيرهم من الذين لا يحملون وداً للمملكة. والمشهد في المشاعر المقدسة، بعشرات آلاف الجنود والأسلحة والآليات ومثلهم المخبرون، يعزز النظرة القائلة بخطر يحدق بأهم الأيام التي تعيشها السعودية سنوياً. فتخريب موسم الحج بقنبلة أو انتحاري أو غيرهما لا يزول أثره سريعاً. فالمشاغبون يعلمون جيداً أن قنبلة واحدة في موسم الحج تحدث دوياً يتجاوز عشرات القنابل في غيره. لذا لا مبالغة في هذا الكم الأمني الظاهر والمخفي لحماية الموسم السعودي الأغلى. وزير الداخلية تحدث صريحاً عن قلق أمني في موسم الحج، وقلقه ليس وليد اللحظة، فهو متكرر منذ عدة مواسم، تعالجه الوزارة بهذا الحضور الأمني الطاغي على المشهد، والذي من أسبابه ما حدث في حج العام 1987 من الحجاج الإيرانيين، وما خططوا له قبل ذلك بعامين، وما تخطط له "القاعدة" منذ سنوات قريبة. ولعل اللافت في المشهد الأمني الكامل لموسم الحج الحالي، التعليق السريع الصادر من تنظيم "القاعدة" في اليمن، إذ زعم التنظيم أن الحكومة السعودية تتهمه ظلماً، بالتخطيط لاستهداف الحج. ومن نص ما قاله: "نبين لأمتنا المسلمة: بأن طليعتها المجاهدة تبرأ إلى الله من كل من يقوم بالتعدي على الكعبة المشرفة، وعلى حجاج بيت الله الحرام، وأن الحج هو فريضة من فرائض الإسلام، وأننا أحرص الناس على دماء المسلمين في أي مكان كانوا". حقيقة، لا أعلم من أي برج يتحدث القائمون على التنظيم ومن خلفهم؟! فالقول بحرمة دماء المسلمين تنفيه سيرتهم، وسيرة من قبلهم، فلا أحد ينسى عهدهم السابق بقيادة جهيمان وما فعله في قلب الحرم المكي وعلى منابره وفي صحن كعبته المشرفة. وإذا أتينا إلى الزمن الحاضر، فلا يمكن حصر عدد المساجد المستهدفة في العراق وباكستان، والبيانات الرسمية التي تتبنى العمليات، وآلاف الضحايا، الذين راحوا وهم سجّد وركوع. فعن أية حرمة دماء يتحدث التنظيم؟ والصورة القريبة في مكةالمكرمة تكشف عن تفخيخ المصاحف وتجهيز الانتحارية اليمنية، لاستهداف أحد الشخصيات الدينية أثناء أحد دروسه في قلب الحرم المكي العام ألفين وثلاثة. فعن أية حرمة دماء يتحدث التنظيم؟! هناك شيء ثابت، تؤكده "القاعدة" بفعلتها المعلنة، وغيرها من المشاغبين بأفعالهم الخفية، أن الأمن المكثف في المشاعر المقدسة، هم من أسبابه.