المعارك تشتد سعيرا والتسوية ما زالت حلما مؤجلا ، هذا عنوان الأوضاع الدائرة في اليمن علي وقع نزيف الدم وزيادة وتيرة المواجهات العسكرية بين قوات الشرعية وبين ميليشيات الحوثي والقوات الموالية للرئيس السابق علي صالح ، في الوقت الذي لم يتمكن المبعوث الأممي في اليمن من تحقيق أي إختراق للسلام أو حتي الإتفاق علي موعد جديد لمفاوضات جنيف 2 نتيجة التشدد والشروط المسبقة. وتشير المعلومات الواردة من مواقع المواجهات إلي أن القوات الحكومية المدعومة بالمقاومة الشعبية وتحت مظلة قوات التحالف العربي بدأت في تحقيق نتائج جيدة في الميدان علي صعيد تخفيف حصار تعز وتدمير أغلب أسلحة الحوثيين في الموانئ والمعسكرات والمخازن وحشد قبائل موالية علي أطراف العاصمة اليمنية ، لكن الحسم القريب ما يزال أملا ربما يقربه تغيير قواعد الصراع من خلال المعلومات الواردة عن إنهيار التحالف القائم بين علي صالح والحوثيين والذي بدأت توابعه ومظاهره واضحة للعيان مما قد يعجل في حال تطوره بحسم المواجهات لصالح قوات الشرعية وإجبار التمرد علي الخضوع لنداء السلام . صراعات صالح والحوثي وتشير المعلومات الواردة من صنعاء بأن جماعة الحوثيين نفذت سلسلة من الإجراءات الإستفزازية ضد أنصار علي صالح بغرض الإنفراد بالقرارات السياسية وتعيين القيادات عبر اللجان الثورية التابعة لها والتي بلغت حد لطم النائب العام اليمني من قبل أحد قياداتهم ووضع أكثر من 20 شخصية مقربة من صالح تحت الحراسة والمراقبة، وهو ما دفع بصالح لعقد اجتماعات سرية مع زعماء قبليين وقيادات من حزبه، وبعض رجال الأعمال بغرض الحشد الشعبي لإلغاء مجلس الحوثي الثوري والسيطرة علي كامل المؤسسات وطرد أتباعهم منها.
وبدأت وسائل الإعلام التابعة لصالح في إتهام قيادات الحوثيين بنهب المال العام والثراء السريع، مما أدي إلي انهيار رصيد البنك المركزي من العملة الصعبة، وخلق عجزاً في الموازنة ، كما يرغب صالح في تجاوز الإعلان الدستوري الذي أصدرته جماعة الحوثي بعد سيطرتهم علي صنعاء في سبتمبر 2014 واللجوء إلي مجلسي النواب والشوري حيث يملك فيهما حزب صالح أغلبية لتشكيل حكومة جديدة يمنع بها هيمنة الحوثيين علي مقاليد الحكم .
ومن جانبها تتهم جماعة الحوثيين صالح علنا بالقيام بأعمال عدائية غير مقبولة ضدها، متهمة إياه بالوقوف وراء احتجاجات موظفي الدوائر الحكومية، ورفض قوات الحرس الجمهوري والخاصة المشاركة في حربها ضد الجيش الوطني، وحالة الانهيار المعنوي في صفوف أنصارها.
وأصدر الحوثيون توجيهات صارمة بعدم نشر أو بث أي تصريحات أو أحاديث لصالح في وسائل الإعلام الخاضعة لسيطرتها، كما أغلقت وزارة الاتصالات خدمة الرسائل الإخبارية التابعة لصحيفة الميثاق، الناطقة باسم حزب المؤتمر الشعبي العام . ورفض الجناح المتشدد لجماعة الحوثي تسوية مشتركة مع علي صالح تقوم علي إقتسام السلطة بينهما وتشكيل حكومة مناصفة بينهما لإدارة شئون المناطق الخاضعة لسيطرتهما .
ويؤكد المحلل السياسي اليمني عبد الله إسماعيل أن التحالف بين صالح والحوثي مصيره التفكك وأن الحوثيين لا يرون في صالح إلا عدوا مزمنا وورقة ، وبالتالي فكل التسريبات عن انقلاب علي عبدالله صالح الأبيض علي الحوثيين يناقض كل الحقائق علي الأرض والهوان الذي يعيشه وجناحه في المؤتمر الشعبي ، مشيرا إلي أنه لولا ظروف المعركة التي مازالت تفرض عليه وعلي الحوثيين التماسك لكان صالح في سجون الحوثيين .
هنا داعش
ويتزامن هذا الصراع مع تطورات لافتة في جنوباليمن تواكبت مع عودة نائب الرئيس ورئيس الحكومة خالد بحاح إلي عدن العاصمة المؤقتة والإعلان عن عودة الحكومة اليمنية بصفة نهائية من منفاها الإختياري في الرياض إلي عدن ، كما تزامنت مع التحرك الميداني لجماعة أنصار الشريعة وتنظيم القاعدة في اليمن والجزيرة العربية وهي كلها مسميات لأجيال جديدة من داعش وتمكنها من تنفيذ عمليتين إنتحاريتين الأولي في مدخل قصر المعاشيق المحصن في عدن وهو مقر إقامة الرئيس عبدربه منصور هادي مما أسفر عن مصرع 11 فردا وإصابة 20 فردا من جنود الحراسة ، والعملية الثانية أسفرت عن مقتل سبعة أشخاص وإصابة ثمانية آخرين في تفجير انتحاري استهدف حاجز تفتيش في مدينة المعلا بمحافظة عدن وأعلن تنظيم داعش الإرهابي مسئوليته عن الهجومين .
وهو ما جعل الرئيس عبدربه منصور هادي يقيل رئيس جهاز الأمن القومي اللواء علي حسن الأحمدي، ويعيَّن اللواء محمد سالم بن بريك، بدلا منه في محاولة للحدّ من نشاطات الجماعات المسلحة في عدن والمحافظات الجنوبية .
ورغم تصريحات نائب رئيس الوزراء ا»ûdڑي وزير الخارجية، عبدالملك المخلافي والتي أكد فيها عدم وجود داعش في البلاد ، وإلقائه المسئولية كاملة علي الحكومة السابقة التي إتاحت بيئة داعمة للقاعدة في بعض المناطق ، إلا أن واقع الحال يؤكد سيطرة الجماعات الإرهابية علي مناطق واسعة في المكلا ولحج وأبين وهيمنتها علي آبار النفط وبعض المناطق الساحلية ، وأنها تتحين الفرصة للإنقضاض علي جسد الدولة اليمنية وخلط كل الأوراق بما فيها جلب تدخل عسكري دولي علي غرار ما يجري في العراق وسوريا .
ويري الخبير والباحث العسكري اليمني علي الذهب أن هناك محاولات لإقناع الرأي العام بأن داعش أصبح له موطئ قدم في اليمن، وأن الأمر يستدعي تدخلاً دولياً لقمعه خارج إطار التحالف العربي الذي تقوده السعودية وهو ما سيغير جوهر الصراع الدائر، وينقله إلي ساحات أخري وبآليات حل أخري تخدم من يقف خلف الجماعات أو الفصائل ، لكن الذهب يعترف بأن القاعدة جزء من المعركة الدائرة، وهي ترمي إلي جعل الجنوب ميدان صراع دائم يعمل علي إعاقة وإحباط أي تقدم للجيش نحو الشمال، ويدفعه للانشغال بالمعضلة الأمنية التي تصنع أحداثها هذه الجماعات .
ويؤكد الذهب أن من يقف وراء هذه الجماعات هي الأطراف اçm‹ڈتواجه الرئيس هادي، وهم الحوثيون وصالح، وقد يقف طرف آخر إلي جانبهم من قوي الجنوب كما لا يُستبعد أن يكون لها ارتباطات خارجية تمثلها إيران وفق أهداف وغايات مشتركة .
وميدانيا تستكمل قوات الجيش الوطني مسنودة برجال المقاومة الشعبية ترتيباتها العسكرية الكبيرة لتحرير محافظة تعز وسط البلاد وفك الحصار عن المدينة المستمر منذ ما يقارب 8 أشهر ، بحسب القيادي في المقاومة الشعبية شوقي سعيد المخلافي والذي أكد إن ثلاثة من الألوية العسكرية التي تلقت تدريبات نوعية خلال الأشهر الماضية في العند ومعسكرات أخري في الجنوب بدأت التحرك بجميع معداتها وأسلحتها الثقيلة باتجاه جبهات القتال لتحرير وفك حصار مدينة تعز رسميا . وبينما يتحدث إعلام جماعة الحوثي عن إنتصارات وتوغلات في الأراضي السعودية لرفع معنويات مقاتليه تؤكد مصادر في قيادات التحالف العربي أن كل محاولات الحوثيين للتسلل إلي الأراضي السعودية باءت بالفشل وأن العشرات من مقاتليهم يتم تصفيتهم أولا بأول . وإنسانيا بلغت الأحوال المعيشية لليمنيين حالة الذروة في الإنهيار والفاقة نتيجة مصاعب تأمين الغذاء بعد المواجهات الشرسة الجارية . وأفادت منظمة الأممالمتحدة للأغذية والزراعة " فاو " بأن أكثر من نصف مجموع سكان اليمن، أي أكثر من أربعة عشر مليون شخص، يواجهون تبعات انعدام الأمن الغذائي نتيجة الصراع الدائر والقيود علي الاستيراد وعدم توفر المواد الغذائية الضرورية بما أدي إلي الارتفاع الهائل في الأسعار. ويؤكد صلاح الحاج حسن ممثل منظمة الفاو في اليمن إن انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية بلغا مرحلة حرجة للغاية ، مضيفا بأن اليمن يستورد أكثر من 90 % من الحاجات الأساسية للإنتاج، وأن هذه الظروف الحرجة تحتم دعم الأسر كي تنتج غذاءها بنفسها وتقلل اعتمادها علي الواردات الغذائية غير المتوفرة والمكلفة ماديا.
ومع توقعات عبودة موفد الأممالمتحدة إسماعيل ولد الشيخ أحمد إلي صنعاء خلال أيام لاستئناف مساعيه مع الحوثيين، وإقناعهم بمعاودة المفاوضات مع الحكومة اليمنية ، يبقي صوت الرصاص هو الأعلي في بلاد السعيدة حتي إشعار آخر .