تشهد الأزمة اليمنية تحركات وتفاعلات باتجاه تسويات سياسية في ظل تعقيدات وتشابكات وخلط للأوراق وتغيير المواقف والمواقع، وتبديل للخنادق والتحالفات، بعد اكثر من عام، حاولت خلاله دول المنطقة حسم الأزمات والمواجهات فيها بالقوة المسلحة عبر عملية عسكرية ضخمة انطلقت تحت مسمى «عاصفة الحزم». نجح التدخل العسكري العربي في منع اكتمال سيطرة الحوثيين على الدولة، وتثبيت أمر واقع جديد، وكَبَح جماح «الانقلابيين»، فأدرك «صالح» الخطر وبعث بإشارات سرية وعلنية للسعودية يبدي فيها استعداده للتخلي عن الحوثيين ، ونصحها كثيرون بشق قنوات التواصل والتصالح معه إن أرادت خنق الحوثيين ، لكن المملكة لم تنسى بعد انقلاب « صالح » عليهم بعد ان انقذوه بمبادرتهم عقب الانتفاضة الشعبية التي اطاحت به في 2011م. في هذه الحالة اضطرت المملكة وحلفاءها إلى تجرّع كأس الحوثيين، بوصفه الأقل مرارة من كأس العلقم الذي يمثله «صالح»، ثم قررت فتح قناة حوار مع الحوثيين، بدأت سرية وبوساطة عُمانية، وانتهت علنية ومباشرة وصرح بها مسؤولين سعوديين كان اخرهم وزير الخارجية «عادل الجبير» ووزير الدفاع ومهندس «عاصفة الحزم» «محمد بن سلمان». الحوثيون ونتيجة للضغط العسكري كان الافضل نسبيا لهم هو الدخول في مفاوضات مع الرياض وقبول تسوية سياسية سيكون ملعبها هذه المرة «الكويت»، وهو المسار الذي كانوا يرفضونه من قبل، او بالأحرى كانوا يقبلون به ومن ثم يحاولون التحايل على استحقاقاته. وهذا ديدنهم. فانقلابهم على مخرجات الحوار الوطني مرورا باتفاق السلم والشراكة ووصولا الى مفاوضات جنيف بدورتيها الاولى والثانية خير شاهد ودليل، فقبولهم في كل تلك المراحل لم يكن طواعية، بل كانوا يوافقون على تسوية ما متى ما تحسسوا الهزيمة واشتموا رائحتها، بينما المواجهات على الأرض مستمرة، فتمنحهم تلك المناورات مزيدا من الوقت على أمل تغيير موازين القوة. حاليا «مفاوضات الكويت» قادمة، والمعلومات عن «مفاوضات الرياض» لا زالت شحيحة ومتضاربة، الا ان تسريبات اعلامية تحدثت عن استعداد الرياض للاعتراف بالحوثي كمكون رئيس، مقابل التخلي عن رفيق سلاحهم «المخلوع صالح» وإخراجه من المعادلة، هنا نجد ان الحوثيون والسعوديون يبدون مشتركين في رغبتهم في الإطاحة ب«صالح»، الا ان عدد من المؤسسات العسكرية والتكتلات القبلية لا زالت تدين بالولاء ل«صالح»، كما ان الرجل ايضا لا زال يمتلك قاعدة جماهيرية كبيرة وواسعة وما حشد السبعين عننا ببعيد. وهذا الوضع سيجعل الوضع اكثر تعقيدا. على الرغم من أن الحوثيين يريدون أن يروا السعودية أكثر تواضعا، ولذا فإنهم يواصلون شن هجمات عبر الحدود في المملكة العربية السعودية، الا إن منطق التحالف المصالح طويلة الأمد قد يجبرهما على التعاون، وسيقدمون بعض الضمانات حول تحجيم علاقاتهم مع إيران، في مقابل منحهم دورا في مستقبل اليمن ما بعد الحرب. «هادي» قبل ب«مفاوضات الكويت»، ثم قام بالإطاحة ب«بحاح» من منصبيه ليضع في كل منهما أحد أبرز غرماء «صالح» والحوثيين، فوضع «علي محسن الأحمر» في منصب الرجل الثاني في الدولة (نائب الرئيس)، بينما وضع «احمد عبيد بن دغر» في منصب رئيس الوزراء. هنا نرى ان الرسالة التي اراد «هادي» توصيلها من تعيين «الاحمر» المعروف بحزمه وقوته بالذات خلفا ل«بحاح» تسير في اتجاهين الأول منها: أن السلام لا يعني إطلاقاً القبول باستمرار «الانقلاب»، وأنه إذا ما استمر «الانقلابيون» في المراوغة وعدم الالتزام، فإن التعامل سيكون بمزيد من الجدية والحزم، خصوصاً أن قوات الشرعية الآن تتقدم على مشارف العاصمة صنعاء، و«الانقلابيون» محاصرون في العديد من المواقع. اما الاتجاه الثاني فيمضي باتجاه مصير «هادي» نفسه، فمصيره سوف يكون بالتأكيد أحد النقاط المطروحة على طاولة الكويت، والبديل الأقرب كان تفويض صلاحياته إلى نائبه المفترض «خالد بحاح»، وعبر وضع «علي محسن الأحمر» في منصب نائب الرئيس، فإن «هادي» يرغب في تعقيد خيارات الحوثيين و«صالح»، أي إن تحرك «هادي» يمكن أن يتم تفسيره أيضا في إطار سعيه لتأمين موقعه في اللعبة السياسية خوفا من أن تتم الإطاحة به ضمن أي صفقة محتملة. وبالتوقف قليلا عند قرارات «هادي» الاخيرة التي أقصت «بحاح» من منصبيه يجب الالتفات الى ان الاخير كان رجل الامارات الأول في اليمن، بعكس السعودية التي طالما انزعجت منه لقربه من حكام ابو ظبي، ويبدو أن المملكة قلقة من تزايد النفوذ الإماراتي في اليمن وعلى الأخص في عدن، وتخشى من أن يسفر التفاوض عن الإطاحة بحلفائها المقربين «هادي» لصالح شخصيات أكثر تأثرا بالنفوذ الإماراتي مثل «بحاح». كما أن السعودية تتشارك مع «هادي» موقفه المتشدد ضد الرئيس المخلوع «علي عبد الله صالح» ودوره في المستقبل السياسي لليمن، وهو الموقف الذي لا تتشاركه معها الإمارات فيما يبدو، وفي هذا المقام، فإنه لا يمكننا أيضا أن نغفل أن «الأحمر» يصنف كأحد خصوم الامارات كما تؤكد العديد من الشواهد. «بحاح» وبعد يومين من قرار عزله خرج ببيان هاجم فيه قرارات «هادي» واعتبرها غير شرعية وانقلابا على الدستور، في موقف عكس الموقف الاماراتي الحقيقي من التعيينات، الأمر الذي عزز شكوك مُخونوه ومعارضوه بتأكيد قربه من الامارات القريبة ايضا من الرئيس المخلوع «علي صالح» المتحالف مع الحوثيين ضد الحكومة الشرعية، ورغم معارضته لانقلابهم الا ان تعيينه في منصب رئيس الوزراء كان قد حظي بموافقة الحوثيين منذ البداية، ويمكن تصنيف «بحاح» كشخصية منفتحة على الخيارات الحوثية. قرارات «هادي» ايضا لن تكون الا بضوء اخضر سعودي، ففي الوقت الذي تفاوض فيه الحوثيين بعيدا عن حليفهم «صالح»، فهي تسعى إلى تضييق الخناق عليهم قبل مفاوضات الكويت عبر تقليص خياراتهم أو حصرهم بين خيارات تبدو كلها سيئة بالنسبة إليهم، فقارنت «بحاح» الذي طالما طالبوا بعودته الى صنعاء بصلاحيات الرئيس قارنته بعدوهم التاريخي «علي محسن الأحمر»، ورأت أن الحوثيين سوف يختارون بقاء «هادي» كأخف الضررين وبذلك تكون قد حافظت على رجلها وفوتت الفرصة على الامارات. اذا، في ظل الحديث عن قرب التوصل إلى حل سياسي للأزمة اليمنية من خلال «محادثات الكويت» المرتقبة، وفي خضم هذه التعقيدات والتشابكات التي وصلت بالوضع -أو تكاد- إلي نقطة اللا عودة، فإن طبيعة الحل لا يزال موضع جدل كبير. فالهدف النهائي من المفاوضات غير متفق عليه بين الأطراف، بل ليس واضحا أساسا، وكل ما يتلو ذلك من مراحل وإجراءات يظل محل خلاف بالضرورة.