في الساعة الثامنة مساء من اليوم الثامن في الشهر الثامن في السنة الثامنة من الالفية الثانية دقت الساعة في بيجين حيث اعلنت الامة الصينية ولادتها، وفخرها، الرقم ليس مصادفة واختيارات الحكومة مدروسة لان رقم ثمانية ينطق بلهجة الكانتونيز 'بات/فات' يجسد للصينين كل ما هو جميل وخير، انه علامة على الحظ السعيد، وهو ما يشير الى كثرة الرقم من في ارقام هواتف الصينيين في امة مسكونة بحس الاسطورة، ولانه رقم خير وحظ جميل امتلأت قاعات الزفاف والمعابد بالحجوزات من اجل ان الزفاف وغرف العمليات في المستشفيات للراغباب بولادة قيصرية من اجل ان يلدن اولادا في هذا اليوم 'المبارك' في التاريخ الصيني. الصين اخيرا تفتح ذراعها للعالم ولكن هذا لم يحدث بدون اشكاليات وجدل، حول ملفات حقوق الانسان والحريات الدينية التي اختار الرئيس الامريكي جورج بوش الحديث عن وتوبيخ بيجين، قبل ان يصل عاصمتها، وملف التيبت، وملف حرية التعبير وسجناء الرأي لكن اليوم، يوم الافتتاح الذي قصد منه ان يكون بلا سياسة حولته القوى الداعمة للديمقراطية والقوى الاخرى التي تراقب صعود الصين العظيم الى قضية سياسية، منذ ان انطلقت الشعلة الاوليمبية تجوب العالم خاصة في الاقطار الاوروبية. وكانت دارفور حاضرة في الجدل هذا . وكل هذا لم يؤد لحجب حقيقة ان العالم ربما دخل العصر الصيني، فقد اشار الباحث الامريكي من اصل هندي ومحرر مجلة 'نيوزويك' في كتابه المثير للجدل الى ان العصر الصيني في كتابه 'ما بعد القرن الامريكي' مفصلا الحديث عن تجربتين الصين والهند (هل كانت مصادفة ان يدشن الرئيس الامريكي سفارة بلاده التي تعتبر ثاني اكبر سفارة في العالم بعد بغداد (كلفت 434 مليون دولار) قبل يوم من افتتاح الدورة. كما ان العالم كله يهتم بالصين ادبا وثقافة، وما يتعلق بالحريات، ترجمات لروايات صينية 'بيجين كوما' ' بذور الخشخاش' لاميتاف غوش،عن حرب الافيون، برامج تلفازية عن كل ما هو صيني. فيما غزت السينما الصينية العالم، وغمرت المنتجات الصينية العالم. لكن الافتتاح الاوليمبي الباهر الذي قدمته الصين وقدمت فيه تاريخها للعالم وثقافتها كان بمثابة اعلان عن ولادة هذه القوى العظمى التي راقب صعودها ونجاحها اقوى رجل في العالم بدهشة وعيون مفتوحة وهو يرى مغامراته في العراق وافغانستان تتراءى امام عينيه وكيف تراجعت صورة بلاده امام العالم. ناقش المثقفون في السابق ان الصين بطبيعتها المحافظة ذات ثقافة منغلقة لا تصلح لان تقود العالم ، فهي تخاف من الاجانب، وتحظر عليهم الدخول لساحتها مثل تحريم الاباطرة الصينيني دخول مدينة المحرمة، لكن الالعاب الاوليمبية في دورتها ال 29 فتحت الصين على العالم وفتحت ثقافتها للعالم،فالعالم كله يتكلم اليوم صيني ايا كانت اللهجة ماندرين ام كانتونيز- انها المعجزة الصينية الماثلة امام العيان في العرض الباهر في افتتاحيات دورة بيجين. وهذه القوة العظمى الجديدة تفرد جناحيها امام العالم، تخرج من قوقعتها تاركة الحروب الكبيرة خلفها منذ ان دمر جنكيز خان عاصمتها في القرون الماضية ومنذ حرب الافيون التي باشرها المستعمرون الانكليز، والاحتلال الياباني، وحروب ماوتسي تونغ في كوريا، والحروب الاهلية وانفصال تايوان عن البلد الام. تخرج الصين من ندوب التاريخ، مثلومة بعض الشيء بعد احداث ساحة تيانامين، وملف التيبت وتاريخ الزحف العظيم لتكمل مسيرته في هذا العرض الفني المدروس والهائل، فقد اكملت الصين عمليات بناء المدينة الاوليمبية قبل الوقت المحدد لها، وهي ان تجاوزت الميزانية المسموحة لها بعشرين مليار دولار، الا ان هذا لم يعد مهما ما دام انها حققت ما حققته في الوقت. وهذا يجعل الدورة من اكثر الدورات كلفة في تاريخ دورات الالعاب (40 مليار دولار) والاكثر تسييسا، في بيجين امس كان عدد من فيها يفوق عدد سكان استراليا مجموعا. وشاهد دورة الافتتاح اربعة مليارات دولار، ومع ذلك فما حقق على صعيد الانجاز الرياضي هو مناسبة امام الحزب الشيوعي الصينية ان يقدم للعالم مظاهر انجازاته الاقتصادية التي قامت على الجمع بين الشمولية السياسية والرأسمالية. ها هو الطريق من الماوية الى التي ارشدت الحزب لثلاثة عقود الى الانفتاح على العالم. وفي الوقت الذي يرغب الحزب ان يعانق العالم فهو منشغل اكثر بمعانقة جماهيره (عدد اعضائه 70 مليون) وجهوده في هذا السياق نجحت في زرع فكرة الفخر والاعتزاز بالمدى الذي سارته الصين والحزب حتى نهاية الماراثون الذي انتهى في ساحة القرية الاوليمبية. هناك اثر نبوي يقول 'اطلبوا العلم ولو في الصين' ومن المؤكد ان الرحلة للصين باتت ضرورية لانها الصين الخارجة من حكمة كونفوشيوس وتعاليم سون تسو الحربية، الصين التي قدمت الحرير والورق والشاي للعالم تستعيد مجدها الاسطوري ولم يعد مهما ان كان رجعيا او تقدميا فهنا الصين تتحدث اليوم للعالم..