كاتب المقال: جيب بوون* كما يدرك كل الشغوفين باليمن، فإن متابعة أخبارها، حال حدوثها، على بعد آلاف الأميال، أمر يؤدي إلى الجنون المطبق، فعندما يطن «بليب» هاتفي المبرمج على إحدى خدمات تنبيه «جوجل»، فإني أقفز من غفوتي الخفيفة، وأندفع إلى أقرب جهاز يصلني بالشبكة العنكبوتية «الانترنت». أن أستيقظ على صوت الطنان الالكتروني «البليب» بدلاً من القصف المدفعي، وأن تكون غرفتي مضاءة، بدلاً من الغرفة حالكة السواد في صنعاء، أمر ما زال يثير تعجبي. بطريقة ما، فإني أُفضل عندما كنت أقوم على صوت الانفجارات، فعندئذ أكون أنا أول من عرفت بالحدث، وهذا شيء مريح للصحفي. أنقر حاسوبي للولوج إلى «مأرب برس» أو «المصدر أونلاين» كل ثلاثين ثانية أمر ضار بالصحة، ولكني أتعزى بأني أحسن مستواي في اللغة العربية. ولكن بالرغم من الشغف الذي لا يتوقف للأمام بتفاصيل أخبار اليمن، فإنه لم يتغير الكثير منذ مغادرتي لها في أواخر سبتمبر الماضي، عدا ما حدث لساحة التغيير من قصف، مع العلم بأن «التعزيين» يتعرضون لمثل هذا القصف منذ عدة شهور. ولكن أحدى أهم التفاصيل الأكثر إثارة للاهتمام، والتي تتسرب من اليمن لتصل إلى هؤلاء المراقبين الشغوفين، هو أن وسائل الأعلام بدأت بالإشارة إلى تعز، على أنها بني غازي اليمن، وهذا المصطلح أُستعمل لأول مرة من قبل تلك التي لاتَكل، لورا كازينوف، في هرولتها من مولد كهربائي إلى آخر، في أرجاء صنعاء، لتملأ جعبة ال«نيويورك تايمز» بأخبار اليمن، لورا، أعطت الانطباع بأن اليمن ستصبح ثورة على الطريقة الليبية. وهذا أمر كنتُ قد بدأتُ ملاحظته في صنعاء، حيث أن بعض المحتجين أبدوا أسفهم لأنهم جنحوا إلى السلمية عند بداية الانتفاضة، فقد آن الأوان لحمل السلاح. هواجس هذا المبدأ أو الطريقة في التفكير، كثيراً ما كانت تعاودني، وتثير تعجبي، وأنا ممدد في سريري، في صنعاء القديمة، تصل إلى أسماعي قصف المدافع البعيدة، مع ازدياد إحباطي من حالة الركود التي وصلت إليها الثورة، تعجبت لماذا بحق الجحيم، استمروا بالسماح بأن يطلق عليهم الرصاص هكذا. الثورة، لم تكن بأي حال سلمية 100%، نعم، لم يطلق المحتجون رصاصة واحدة على رجال الأمن المسلحين المرتدين ملابس مدنية، لكنهم كانوا يردون برمي الحجارة، وأتذكر رؤية قوارير المولوتوف تُرمى على عربات مدافع خراطيم المياه، لأول مرة في أبريل. وكنتُ أفكر حينئذ: "ماذا ينتظرون؟" لقد حان الوقت ليردوا على الرصاص بالرصاص، لكن الشباب ظلوا صامدين في دعوتهم بسلمية الثورة. فالتقدم خطوة من رمى الحجارة إلى رمي قوارير المولوتوف، كانت قفزة كبيرة إلى الأمام نحو التصعيد الثوري، وإن كان أغلب الثوار لم يحبذوا ذلك، حينها. ولكن، مع هذا، فإن التعزيين ضاقوا ذرعا بهذه الحال، فبعد تسعة شهور، تقريباً من الاعتداء المستمر، قاموا بالرد. لم أكن موجودا معهم لأرى بنفسي، تلك اللحظة، إلا أني لن أندهش إذا ما شاهدت المحتجين وهم يردون على الرصاص بالرصاص، دفاعا عن النفس، وخاصة في المدينة المحاصرة، تعز. إن المؤيدين للنظام، غالبا ما يشيرون إلى أن رمي الحجارة وقوارير المولوتوف، يثبت أن المحتجين ليسوا فعلاً سلميين، وهي حجة تثير الضحك، خصوصاً أن الكثير من المحتجين كانت تخترقهم الرصاصات قبل أن تصل حجارتهم الهواء. وهنا أتعجب: "لماذا تعتبر الانتفاضة العنيفة، والرد على الرصاص بالرصاص، أقل شجاعةً و أقل نبلاً؟". إن ما يحدث عندنا في اليمن هو انتفاضة، علقت وغرزت في نقطة بين العنف والسلمية الزائدة، والتردد ما بين اختيار أحدهما والآخر، قد يكون السبب الذي أدى إلى حالة الاحتباس الراهنة. إذا ما ابتدأ المحتجون، في اليمن الدفاع عن أنفسهم، بقوة السلاح، فالعواقب قد تكون كارثية، ولكنها لن تكون أكثر من قصف المدن المزدحمة بالسكان، بالطائرات، والتي تعاودني ككوابيس. لكن الشيء المؤكد، أنه إذا قرر المحتجون، مع رجال القبائل (خاصة في تعز) البدء بالهجوم بالتزامن المنسق، فإن المؤسسة العسكرية اليمنية لن تصمد لحظة. أنا لا أدافع عن، ولا أرفض الانتفاضة المسلحة في اليمن، أنا فقط أُبدي ملاحظاتي. أخيراً.. شيء وحيد مؤكد، وهو أن الحركة الاحتجاجية وصلت إلى حالة احتباس مسلح بالعنف، بلا غالب أو مغلوب، وبدون قوة خارجية أو داخلية، مستعدة لتغيير أحد طرفي المعادلة، فإن تسعة شهور أخرى، قد تمر دون أن نحس. *جيب بوون.. كاتب أميركي كان محرراً في صحيفة "يمن تايمز" في صنعاء، ثم عاد إلى بلاده في الولاياتالمتحدة أواخر سبتمبر الماضي.