كان يصرخ بهستيريا، وعبارات مبهمة لا يمكن فهمها إلا بصعوبة، يتشاجر مع مواطن يمني في شارع "الشهيد الزبيري" وسط العاصمة صنعاء، كان يلبس ثيابا ممزقة، وعلى كتفه قطعة قماش يستخدمها لتنظيف السيارات، تلك مهنته، وبجانبه إناء ماء كان قد انسكب على الأرض بفعل المشاجرة. كان الرجل نحيلا، أسود الشعر، تسلل إليه قليل من البياض، تقرأ من عينيه سفر معاناة الغربة وآلام التشرد. تدخل البعض لفض نزاع تبين أن مالي، ليدور حوار مع اللاجئ الصومالي إدريس عمر، عن سبب مغادرته وطنه، وعن سنوات غربته، وكيف جاء إلى اليمن، وعن مصير أسرته وأهله، ومكان سكنه وأسلوب معيشته. قال إدريس إنه من أبناء قبيلة "الهوية"، وقد خرج من الصومال قبل نحو عشر سنوات مع مئات الصوماليين أثناء اشتداد الحرب الأهلية عبر ميناء "كيسمايو"، حيث استغرقت الرحلة ثلاثة أسابيع، ولقي فيها عدد من رفاقه مصرعه. سكت إدريس برهة، شردت عيناه، ثم استطرد قائلا "عانيت مرارة التشرد والغربة، طاردتني الشرطة، ثم اعتقلتني لتضعني في معسكر للاجئين، ومن هناك بدأت رحلة العذاب والجوع، بعد عام علمت أن أسرتي (زوجتي وابناي أحدهما عمره سبع سنوات والآخر أربع سنوات) غادروا الصومال ليلحقوا بي في بلاد الغربة، ظللت أنتظر وصولهم، أسأل عنهم مخيمات ومعسكرات اللاجئين دون أن أحصل على جواب، إلى أن وجدت أحد أبناء قبيلتي في معسكر خرز للاجئين الصوماليين (يقع بمحافظة لحججنوب اليمن)، قبل أربع سنوات، وأخبرني أن زوجتي وابنيي عثمان وعمر قضوا في عرض البحر عندما غرقوا قبالة سواحل اليمن". تمتم قائلا: "هل تعرف ماذا يعني أن تموت غرقا وسط البحر؟"، ثم أضاف "من يومها وأنا أعيش بلا أسرة ولا وطن ولا كرامة"، حاول تركني ويحمل عدة العمل (إناء الماء وقطعة القماش)، أوقفته وسألته: أين تقطن الآن؟، أجاب: ما يفيدك ذلك، فأنا لاجئ لا وطن لي ولا سكن، مجرد رقم في سجلات المفوضية ؟ ثم غادرني ليستأنف عمله. جرت هذه الواقعة عشية الأعياد، وحينها أعلنت مفوضية الأممالمتحدة لشؤون اللاجئين غرق 17 شخصا وفقدان 140 آخرين في رحلات بحرية من الصومال إلى اليمن تمت بواسطة مهربين حملوا في أربعة زوارق 515 شخصا. وقالت المفوضية في بيان لها "إن زورقين من الأربعة نجيا بينما غرق الزورقان الثالث والرابع، وإن اشتباكات مسلحة وقعت بين قوات حرس الحدود اليمنية والمهربين". وقالت المفوضية إن السلطات اليمنية أكدت أنها ألقت القبض على 17 من المهربين الذين يديرون تلك الزوارق، وكعادته عبر مفوض الأممالمتحدة لشؤون اللاجئين (أنطونيو غوتييريس) عن صدمته بسبب مقتل الأبرياء الذين يفرون من القتال ومن تهديد حياتهم على أرضهم فيكون مصيرهم الغرق في المياه الإقليمية لدول أخرى. وبحسب إحصاءات المفوضية فإن أكثر من 25 ألف شخصا وصلوا من الصومال إلى اليمن عام 2006، قتل منهم غرقا 330 شخصا على الأقل، وفقد نحو 300 آخرين من بينهم 140 في حادث الغرق الأخير. يكشف عبد الملك عبود، مساعد العلاقات الخارجية في المفوضية السامية للاجئين أن إجمالي عدد اللاجئين الصوماليين المسجلين في اليمن حتى نهاية تشرين أول (أكتوبر) الماضي يبلغ (92.425) منهم (8483) صوماليا يقيمون في مخيم خرز، و(36.366) صوماليا تسربوا إلى المناطق الحضرية، أما غير المسجلين فيبلغون (43.551). وفي شهر آب (أغسطس) الماضي قال اللاجئون الصوماليون في بلاغ صحفي صادر عن لجنة الصوماليين المعتصمين كما أسموها، إن اليمن صادقت على اتفاقية 1951 الخاصة باللاجئين وكان يفترض على اليمن أن تعكس الاتفاقية في تشريعها الوطني بسن قانون ينظم أوضاع اللاجئين في اليمن إلا أنه لم يصدر أي قانون من هذا القبيل. وأضافوا أن عدم إصدار قانون كهذا يجعل من الحكومة واسعة الصلاحيات في رفض أو قبول طلب اللجوء كما يجعل اللاجئين عرضة لتهديد الحكومة في كل الأوقات وعادة لا يستطيع طالب اللجوء أن يلجأ إلى القضاء للتظلم من القرارات الصادرة عن الحكومة كما أن الحكومة تطبق عليهم القانون رقم (47) لسنة 1991م بشأن دخول و إقامة الأجانب وهو ما يتنافى مع الاتفاقية الخاصة باللاجئين. وأشار اللاجئون في بلاغهم إلى معاناتهم التي يواجهونها في اليمن ومنها على سبيل المثال عدم السماح لهم بالالتحاق بالتعليم الفني والمهني، كما لا يوجد تعليم جامعي للاجئين ولا تتوافر برامج للكبار كمحو الأمية. وقالوا إن ذلك دليل على تقصير مفوضية شؤون اللاجئين وعدم تلبيتها لحاجتهم، كما أشاروا إلى أن الطلاب الدارسين في المدارس الأساسية يعانون من عدم حصولهم على أي مساعدات من المفوضية مثل الزي المدرسي أو الحقائب المدرسية والكتب والأقلام، وفي مجال الصحة قالوا إن ظروفهم الصحية غاية في السوء ووصفوها بأنها أسوأ حالة في العالم وذكروا بأن هناك العديد من الحالات التي يتطلب نقلها إلى الخارج لتلقي العلاج ما زالت في اليمن تنتظر مصيرها المحتوم بالموت كما حدث للكثيرين. وفي مجال العمل جاء في البيان أنه لا تتوافر أي فرص عمل للاجئين الصوماليين سوى ممارسة بعض الأعمال التي يرى اليمنيون أنها مهينة كغسيل السيارات وخياطة الأحذية كما يعمل الكثير من النساء كخادمات في المنازل مما يعرضهن لعواقب سلبية، حسب قول البيان. وأشار اللاجئون إلى أن اللاجئ لا يستطيع الحصول على أي وظيفة في القطاع العام كما لا يمكنه العمل لدى القطاع الخاص إلا بموجب ترخيص من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل اليمنية، شريطة أن لا يوجد مواطن يمني يحمل نفس المؤهلات، كما لا يتمتع اللاجئون بحق المشاركة في العمل وتطبق عليهم القوانين المتعلقة بالأجانب. وتطرق البلاغ إلى نقطة خطيرة تتمثل بالتمييز، إذ أشار اللاجئون إلى أن الحكومة لم تحدد أي معايير ليتم تحديد حالات اللاجئين وفقا لها وذلك لعدم صدور قانون خاص باللاجئين، كذلك فإن اللاجئين في اليمن معرضون لجملة من المخاطر حد تعرض بعضهم الخطر الموت، كما يعاني هؤلاء من التمييز العنصري من قبل المواطنين واعتبارهم فئة دنيا مما يعرضهم لكثير من المخاطر مثل القتل والتعذيب والإهانة والمعاملة اللاإنسانية التي يلاقونها بشكل يومي، أما فيما يتعلق بحق التنقل والإقامة جاء في بيان اللاجئين أنهم لا يستطيعون التنقل بحرية بين المدن وإنما يضطرون للتنقل بواسطة التهريب بسبب منعهم من التنقل، وأوضح اللاجئون أن اليمن بلد فقير يرتفع فيه معدل البطالة والتضخم وهي أحد المشكلات التي يواجهها المواطن اليمني قبل اللاجئ. وفي ختام بيانهم المطول قال اللاجئون إنهم يطالبون بأن يهاجروا إلى بلد ثالث حيث يستطيعون التمتع بوضع أفضل. كما هدد هؤلاء بأنهم سيعاودون الاعتصام أمام المفوضية بعد فترة وصفوها بالقليلة في حالة عدم الاستجابة لمطالبهم من قبل مفوضية شؤون اللاجئين، وحمل اللاجئون (المفوض السامي) ومساعديه مسؤولية ما حدث وما سيحدث قريبا، على حد وصفهم