امين عام الاشتراكي يهنئ الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بنجاح مؤتمرهم العام مميز    تحذير أممي من تأثيرات قاسية للمناخ على أطفال اليمن    تعز.. قيادة الإصلاح تستقبل جموع المعزين في فقيد اليمن الشيخ عبدالمجيد الزنداني    مقدمة لفهم القبيلة في شبوة (1)    لابورتا يعلن رسميا بقاء تشافي حتى نهاية عقده    فينيسيوس يتوج بجائزة الافضل    الجهاز المركزي للإحصاء يختتم الدورة التدريبية "طرق قياس المؤشرات الاجتماعي والسكانية والحماية الاجتماعية لاهداف التنمية المستدامة"    "جودو الإمارات" يحقق 4 ميداليات في بطولة آسيا    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    المجلس الانتقالي بشبوة يرفض قرار الخونجي حيدان بتعيين مسئول أمني    هبوط المعدن الأصفر بعد موجة جني الأرباح    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    إيفرتون يصعق ليفربول ويوجه ضربة قاتلة لسعيه للفوز بالبريميرليغ    الإصلاحيين يسرقون جنازة الشيخ "حسن كيليش" التي حضرها أردوغان وينسبوها للزنداني    اشهر الجامعات الأوربية تستعين بخبرات بروفسيور يمني متخصص في مجال الأمن المعلوماتي    الإطاحة بشاب أطلق النار على مسؤول أمني في تعز وقاوم السلطات    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    الثالثة خلال ساعات.. عملية عسكرية للحوثيين في البحر الأحمر وتدمير طائرة    رئيس الاتحاد الدولي للسباحة يهنئ الخليفي بمناسبه انتخابه رئيسًا للاتحاد العربي    الوجع كبير.. وزير يمني يكشف سبب تجاهل مليشيا الحوثي وفاة الشيخ الزنداني رغم تعزيتها في رحيل شخصيات أخرى    حقيقة وفاة ''عبده الجندي'' بصنعاء    رجال القبائل ينفذوا وقفات احتجاجية لمنع الحوثيين افتتاح مصنع للمبيدات المسرطنة في صنعاء    تضامن حضرموت يظفر بنقاط مباراته أمام النخبة ويترقب مواجهة منافسه أهلي الغيل على صراع البطاقة الثانية    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    سيئون تشهد تأبين فقيد العمل الانساني والاجتماعي والخيري / محمد سالم باسعيدة    الزنداني يلتقي بمؤسس تنظيم الاخوان حسن البنا في القاهرة وعمره 7 سنوات    حضرموت هي الجنوب والجنوب حضرموت    لغزٌ يُحير الجميع: جثة مشنوقة في شبكة باص بحضرموت!(صورة)    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    اليونايتد يتخطى شيفيلد برباعية وليفربول يسقط امام ايفرتون في ديربي المدينة    لأول مرة.. زراعة البن في مصر وهكذا جاءت نتيجة التجارب الرسمية    رئيس كاك بنك يبعث برقية عزاء ومواساة لمحافظ لحج اللواء "أحمد عبدالله تركي" بوفاة نجله شايع    "صدمة في شبوة: مسلحون مجهولون يخطفون رجل أعمال بارز    البحسني يثير الجدل بعد حديثه عن "القائد الحقيقي" لتحرير ساحل حضرموت: هذا ما شاهدته بعيني!    عبد المجيد الزنداني.. حضور مبكر في ميادين التعليم    وحدة حماية الأراضي بعدن تُؤكد انفتاحها على جميع المواطنين.. وتدعو للتواصل لتقديم أي شكاوى أو معلومات.    الخطوط الجوية اليمنية تصدر توضيحا هاما    مليشيا الحوثي تختطف 4 من موظفي مكتب النقل بالحديدة    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    الديوان الملكي السعودي: دخول خادم الحرمين الشريفين مستشفى الملك فيصل لإجراء فحوصات روتينية    صحيفة مصرية تكشف عن زيارة سرية للارياني إلى إسرائيل    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    «كاك بنك» فرع شبوة يكرم شركتي العماري وابو سند وأولاده لشراكتهما المتميزة في صرف حوالات كاك حواله    قيادة البعث القومي تعزي الإصلاح في رحيل الشيخ الزنداني وتشيد بأدواره المشهودة    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و183    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    دعاء مستجاب لكل شيء    مع الوثائق عملا بحق الرد    لماذا يشجع معظم اليمنيين فريق (البرشا)؟    لحظة يازمن    - عاجل فنان اليمن الكبير ايواب طارش يدخل غرفة العمليات اقرا السبب    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لقاء خاص ومعلومات تنشر للمرة الأولى:هذا هو المحارب اليمني الأخير في مواجهة السعودية
نشر في المساء يوم 06 - 04 - 2013


المحارب اليمني الأخير في مواجهة السعودية
"الشارع" في "منبه" على الحدود اليمنية السعودية التي شهدت، الأسبوع قبل الماضي، اشتباكات بسبب محاولة السعودية شق طريق وبناء مركز عسكري
محمد مسعد دماج:
- شيخ محني الظهر، يتوكأ على عصاه، يقاوم السعودية معتزا بيمنيته ويقول: بن سوادة ما يعيش إلا رافع رأسه
- أبغى الاتفاقية.. أنا عمك. دعوة بن سوادة في 20 كيلو للرعاة، و5 كيلو تُرفع منها المراكز العسكرية السعودية، والا يقع ذي يقع
- لي منبه ورجال منبه.. ما بايبنوا السعوديين مركز فوق راسي.. فذة جبل فوق غمر ورازح ومنبه، ولو مسكوه السعوديين بايسيطروا على الثلاث المديريات
- جلسنا 35 سنة في حرب مع السعوديين على الحدود لما جاءت دولتنا وقبلت بترسيم الحدود
- يسير في عامه ال85، ولا يملك سيارة خاصة: بعض الأحيان يجي يوم الأحد وما معي مصروف.. أبيع من الغنم واجر لي مصروف
- جاؤوا وقالوا: بايعطوك 200 ألف سعودي، ويعطوك راتب وفك مؤبد (تصريح لدخول السعودية) بس تبصم على الاتفاق، وتسمح لهم يشقوا طريق ويبنوا مركز
- احنا معنا دولتنا، وهم معهم دولتهم، في اتفاقية يمشوا على ما جا فيها.. ما نبغي منهم شي.. الفلوس ما هي كل شي
- تمكن من إيقاف عمل السلطات السعودية في شق طريق وبناء المراكز العسكرية
- شكا تنصل الدولة عن مهماتها ويقاوم الخروقات السعودية برجال قبيلته، الذين يبلغون نحو 3 آلاف مقاتل
- بالمخالفة لاتفاقية جدة، بنت السعودية مراكز عسكرية عدة على الحدود بعد أن تمكنت من شراء عدد كبير من مشايخ القبائل اليمنية
- أضرت المخالفات السعودية بسكان المنطقة خصوصا وهم يعتمدون على الرعي
- شوف هذا الجبل خلفه أيضا علامه تجيء لها من طريق ثانية وهذا الخط السعودي اللي تشوفه قدهو داخل عليها
- أدى استقطاع السعودية للأراضي اليمنية، منذ اتفاقية الطائف، إلى جعل منبه تبدو كما لو أنها داخلة في الأراضي السعودية
- في الليل تبدو القرى السعودية مدنا رئيسية، وهي تتلألأ مطلة على الجبال المحيطه بمنطقة "آل الشيخ" التي يتزعمها بن سوادة. وفي الصباح ترى القرى السعودية قصوراً بيضاء في حين لا تكاد تلمح أحد الأكواخ القريبة منك لأهالي "آل الشيخ"
في الطريق إلى محافظة صعدة، تبرز آثار الحرب شاخصة على جانبي الطريق كتحذير من عاقبة عودتها. بيوت طينية منخورة، ومنازل اهترأت أعمدتها الإسمنتية والتوت الأسياخ الحديدية التي كانت تحملها، مدارس ومبان حكومية سقطت سقوفها على الأرض أشلاء.
كانت الوجهة منطقة حدودية في مديرية "منبه" حدثت فيها، مؤخراً، اشتباكات بين الجيش السعودي وقبيلة "آل الشيخ". كنت أظن المنطقة لا تبعد كثيرا عن مركز المحافظة؛ لكنها كانت أبعد بكثير؛ إذ إن عليك أن تسافر إليها، من مركز المحافظة، أكثر من ثماني ساعات بدون توقف.
وصلت مدينة صعدة في الخامسة من عصر الخميس الماضي. وبنصائح أكثر من شخص كان عليّ التوقف في أحد الفنادق حتى صبيحة اليوم التالي. فرزة السيارات إلى مديرية "منبه" تبعد حوالي عشرة كيلومترات عن المدينة؛ إذ إنها تقع في الطرف الشمالي لمركز مديرية "ضحيان".
استيقظت، صباح الجمعة، قاصدا فرزة الباصات إلى "ضحيان"؛ إلا أنها لم تعد في المكان الذي أرشدني إليه أحدهم مساء أمس. كانت الشوارع مقطوعة؛ "لأن اليوم جمعة، في مظاهرة، والحوثيين يعملوا حواجز ويمنعوا دخول السيارات"، حسب صاحب الدراجة النارية، الذي أخذني على طرق ترابية جانبية حتى الفرزة التي نزحت إلى خارج المدينة.
سائق الباص على الطريق إلى "ضحيان" كان يردد ألحانا من "الزوامل" والأناشيد الحوثية، على وقع الmb3، أربعة إلى خمسة أناشيد، تبعها الزامل الثوري المعروف: "ما نبالي.. ما نبالي.. ما نبالي.. يا زعيم المافيا والبلطجية". أردت التأكد من معرفة السائق لذلك، وسألته عمن يتبع هذا الزامل. كان يدرك أنه "حق أهل صنعاء".
في الطرف الشمالي لسوق "ضحيان" تقع "فرزة منبه". ومنذ السابعة والنصف، حتى العاشرة قبل الظهر، بقيت منتظرا أولى السيارات المسافرة. أنا وآخران إلى جوار السائق، خمسة أفراد في المقعد الأوسط، وفي المقعدين المتقابلين مؤخرة "الصالون" تزاحم ستة أفراد. لا جدوى من الاعتراض على السائق، الذي قال إنه متوقف في الفرزة منذ شهرين، في انتظار مسافرين، فما كان ليتحرك لولا اكتظاظ سيارته، وما كنا سنحصل على بديل.
في البداية؛ كانت الطريق إسلفتية منبسطة. بعد بضعة كيلومترات شمالا على امتداد طريق "صعدة – ضحيان"، انعطفنا ناحية الشرق، وسط مناطق مقفرة وتلال متفاوتة. لا تزال الطريق حتى الآن مستوية؛ لكن الازدحام يجعلك تغير ميل وضعية جلوسك على إحدى جهتيك بين لحظة وأخرى، كما تتناوب مع الركاب جوارك على الاستناد إلى مسند المقعد.
وصلنا إلى "مثلث يسلم": سوق صغير، يصلك على الامتداد ذاته بمنفذ "علب" الحدودي. أما وأنت تقصد "منبه" فعليك الانعطاف جهة الشمال. ساعتين ونصف الساعة أفضت بنا إلى مركز مديرية "قطابر"، الواقع تقريبا في منتصف الطريق إلى "منبه". هناك تناولنا الغداء وأخذنا "قاتنا"، استعدادا لمواصلة الرحلة. في طرف المدينة الشمالي يتوقف الخط الإسفلتي.
كنا قد ارتحنا قليلا من عناء الازدحام؛ لكن ارتجاج السيارة على الطريق الفرعية سرعان ما أعاد التعب، بل وبالغ فيه هذه المرة.
صعود جبلي حرج. على السائق أن يكون متيقظا لمجيء سيارة أخرى من الجهة المقابلة حتى ينتظر عبورها منزويا في متسع ما على جانب الطريق التي لا تتسع سوى لسيارة واحدة. صعود لا ينتهي، وارتكاز يصنع زاوية أقل قليلا من قائمة. توشك السيارة على الانكفاء إلى الخلف، تتململ يمينا ويسارا، وتتدافع للخلف والأمام، وتتقافز على الصخور، كل هذا مرة واحدة.
سلسلة جبلية متصلة بتموجات عميقة الغور وبالغة الارتفاع، صعود رأسي وانحدار حاد، ما إن تبلغ قمة حتى تنحدر منها، ولتصعد من جديد قمة أخرى.
توغلنا عرض الجبل قبل الأخير. تقعر في الجانب الغربي للجبل ينتهي بسائلة يجري فيها الماء هابطا من التواء يخفي منبعه. توقف السائق ونزل الركاب. توضأنا في ماء السائلة وصلينا الظهر والعصر جمعا. كانت منطقة "الشوذان". وكانت الساعة عندها الثانية والنصف بعد الظهر.
ساعة تفصلنا عن الوصول إلى مديرية "منبه"، المتربعة على الجبل المقابل. اجتزنا الجهة الأخرى من تقعر الجبل ثم انحدرنا إلى الأسفل. في المنخفض، قبل أن نبدأ صعود جبل "منبه"؛ تقع نقطة للحوثيين. شعار "الصرخة" (الله أكبر.. الموت لأمريكا... إلخ) على لوحة مقدمة النقطة، إضافة إلى لوحة أخرى مكتوب عليها: "الترتيبات الأمنية لكم وليست عليكم"، كما هي في كل النقاط التابعة للحوثي، ابتداء من منطقة "الحيرة" قبل انتهاء "حرف سفيان" التابعة لمحافظة عمران.
وصلنا مديرية "منبه". توقف السائق للتفتيش في نقطة تابعة للحوثيين، وسط "سوق الخميس"، مركز المديرية. في السوق، لم أجد سيارة متجهة إلى "آل الشيخ"، وجهتي المقصودة. رفض "سعيد فرحان"، الذي كنت قد تعرفت إليه في السيارة وتشعب بيننا الحديث طيلة الرحلة، أن يذهب قبل أن أجد سيارة توصلني إلى المنطقة.
كانت المسافة إلى "آل الشيخ" أبعد مما توقعت. وبما أن المسافة تقاس هنا بالساعات، فهي تبعد ثلاث ساعات على سيارة لا بد أن تكون "صالون" أو "شاص"؛ لأن الطريق "جبلية وعرة". أكد "سعيد": "ضروري تستأجر سيارة؛ لأنك حتى لو شفت سيارة لاهناك ما باتلقى سيارة تنقلك هناك بين المناطق.. قرى المنطقة متفرقة بين الجبال تجزع لما تتعب وما تصل وعاد المنطقة ذي تشتي تروحها أبعد من آل امشيخ".
دعاني الرجل لمواصلة المقيل والمبيت في منزله، فاعتذرت مصرا على مواصلة السفر. سألت "سعيد" عما إذا كان يتوفر فندق في السوق، الشبيه بقرية بائسة، حتى نستريح قليلا في انتظار أن نجد سيارة. صحبني إلى الفندق ذي الغرف الأربع مكسرة النوافذ والمفتقرة لأي هندام فندقي. موكيت متجعد يغطي نصف أرضية الغرفة، فرش هرم، متسخ ومهترئ الغطاء، عليه بطانية جمعت دون ترتيب في كل جهة. "كبس" الكهرباء منزوع، ولا يمكنني شحن تلفوني الذي فرغ سريعا بسبب البحث عن التغطية المنعدمة. احتججت على صاحب الفندق، فواجهني بسؤال: "أين الكهرباء؟!". تعتمد المديرية على مولد كهربائي يعمل بضع ساعات ليلا، ويغطي بعض مناطقها فقط.
ضروري تكسر أصنامهم!!
كنت متعبا من السفر الشاق، وقلقا بشأن المهمة. لم أكن أعرف، حتى تلك اللحظة، إلى أين سأصل بالضبط، وأي شخص سألتقيه عند وصولي منطقة "آل الشيخ".
بدأنا التقاط أنفاسنا وتبادلنا الحديث. شكا "سعيد" تدني أجور "مجاميع قاتلوا مع الدولة ضد الحوثي": "المشايخ يستلموا المعاشات ويأكلوها وما يدوا إلا 9 ألف ريال لكل واحد، وهو مقرر له من الدولة 24 ألف".
استأذن "سعيد" للمغادرة بعد أن فكرنا كثيراً في الأمر ولم نتوصل إلى حل ممكن. اتفقنا أن يتصل بي إذا ما وجد سيارة، أو التقى شخصا من "آل الشيخ".
بعد دقائق، عاد الرجل متهللا بالبشارة: "شفت صاحب سيارة يعرف المنطقة كلها بايوصلك ويروح بك المكان اللي تشتيه.. ويجلس معك ما ترجعوا إلا وقد نجّزت عملك.. اتفقنا تدفع له 600 سعودي".
تبدت دهشتي من أجر السيارة الذي ظننته باهظا، ودافع الرجل عن معروفه: "أنت باتوصل المنطقة وباتعرف أن المبلغ قليل.. أنا أشتي أرد لك المعروف.. أنت ضيف وحملتنا في الطريق والمفروض كان نحملك احنا".
جهز السائق سيارته (شاص- 94). أخرج من دكانه وسط السوق ثلاث "دبات" بنزين (سعة كل منها 20 لترا)، عبأ الخزان الاحتياطي باثنتين، ووضع الثالثة في صندوق السيارة. عندها توقعت أن المسافة بعيدة.
يحمل السائق اسم علي حسن سلمان، ينتهي ب "المنبهي"، شأن كل أهالي "منبه" الذين يقولون إنهم يرجعون إلى جدهم الأكبر: "منبه".
غرباً؛ اتجهنا على طريق جبلية أكثر وعورة. واصلنا صعود جبل "منبه"، والتففنا إلى جهته الأخرى قبل أن نصل قمته، التي يجثو عليها "مجمع المديرية الحكومي" مدمراً، منذ أن فجره الحوثيون بعد أن سيطروا على المديرية في الحرب السادسة. لاحقاً، برر لي أحد الحوثيين تفجير المبنى بالقول إنه "لم يقدم أي خدمة للناس". كان أحد الذين قاموا بالعملية، وعندما قلت له إن القصور كان في المسؤولين وليس في المبنى، وأنه كان بإمكانهم الحفاظ عليه، والبقاء فيه طالما أنهم قد سيطروا على المديرية، قال: "بايجلسوا يقولوا: سيطروا على المجمع الحكومي، ولا بايسكتوا؛ لكن فجره هكذا يكون عبرة للآخرين". استمر النقاش بيننا، واستمر الرجل بتقديم المبررات: "إبراهيم لما كان قومه يعبدوا الأصنام كسرها، وهذي أصنام كانوا الناس يعبدوها.. ضروري تكسر أصنامهم". حين سألته عن سبب عدم تفجير مجمعات بعض المديريات التي سيطروا عليها، صمت برهة، ثم استدرك: "قد السيد اخبر.. هذي أوامر". عندها التفت إليه صاحبه بجواره منبهاً، وخاطبني وهو يشير إلى رأسه مبتسما: "حسب جبريل".
التقيت الاثنين في مركز "منبه" بعد عودتي من "آل الشيخ". كانت سيارتهما على وشك الانطلاق إلى صعدة. استعجلت خطواتي خشية أن تتحرك، ولحق بي أحد الحوثيين المناوبين في نقطة السوق. كنت أخاطب السائق، حين وضع يده على حقيبتي: "ايش في داخلها؟ افتح نفتشها". خاطبه الراكب إلى جوار السائق: "خليه يطلع وقد احنا بانفتشها هنا". أخذ الراكب الحقيبة وبدأ تفتيشها، معلقا على استنكاري: "هذا ضروري، وإذا تشتي أنت فتشني".
كانت خزنتا بندقيتيهما مغلفتين بملصق عليه آية قرآنية كتبت كلمتها الأولى بخط زخرفي واضح: "رجال"، وأسفل الملصق بقية الآية بخط عادي صغير: "صدقوا ما عاهدوا الله عليه". وهذه رأيتها على بندقية أكثر من مسلح منذ وصلت المحافظة.
كان الحوثيون محتفين ب "أسبوع الشهيد" الذي يقيمونه كل عام. معظم السيارات هناك مزينة بأشرطة ورود بلاستيكية، وعليها شعارات مختلفة تشيد ب "الشهيد". قال لي أحدهم إن الأسبوع بدأ يوم الأحد من الأسبوع الماضي، وانتهى الأحد الماضي. وأوضح شارحاً: "تقام فيه مهرجانات خطابية، وتنفذ زيارات لأسر الشهداء، وتسلم لها بعض المعونات".
الشعارات تغطي جدران المدينة وواجهات الشوارع والمحلات وعلى جوانب الطرق خارج مدن المحافظة: "الشهادة عطاء قابله الله بعطاء"، "الشهيد ضمن أنه في الجنة وضمن أنه نجا من سوء الحساب"، "الشهيد حي منذ أن تفارق روحه جسده"... الخ. وتتكرر كثيرا الآية القرآنية: "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء ولكن لا تشعرون". لاحقا، وأنا أتحدث إلى أحد المواطنين، تندر معلقا على هذه الشعارات: "قتلوا الناس وقالوا إنهم يحييوا!".
أجا الحوثي واحنا مقعيين
قال أحد أهالي "منبه" إن "الحوثيين تميزوا، مؤخراً، بأن أصلحوا بين القبائل المتناحرة وأوقفوا الثُأر وفرضوا الأمن في المناطق التي يسيطرون عليها". لكن الرجل لم يخفِ تطلعه لوجود دولة تقوم بواجباتها: "صح، حتى لما كانت الدولة موجودة كانوا الناس يتقاتلوا وهي ما تتكلم؛ لكن يا اخي يقولوا: شبر مع الدولة ولا ذراع مع القبيلي. الحوثي بايدي لي حتى 100 ألف مرة واحدة؛ لكن الدولة باتدي لي معاش واصل حتى لو هو قليل، وباتدي طرق وخدمات... ولو تصلح وما يكون فيها فاسدين باتكون أحسن زيادة".
أما أحد أهالي "جبل العر"، وهو من "آل محمد" التي كانت تقتتل مع "آل كثير" حتى وصل القتلى إلى 20، فقال إن "طقم الدولة كان في المجمع يتفرج علينا واحنا نقتتل، ولما جوا الحوثيين اتفقنا مع آل كثير، وقلنا: الحوثي عدونا الأول، وقاتلنا مع الدولة 6 سنين.. وفلتت لنا الدولة نتقاتل بيننا من جديد". وحين سألته عما إذا استمروا في قتال الحوثي، أجابني: "مع من نقاتل؟! مع الطير؟!! خلاص جا الحوثي واصلح بيننا.. بيني وبينك جا الحوثي: وجئت على قدر يا موسى.. جا أصلح بيننا وقد احنا مقعيين"، قالها الرجل وفتح فاه بأقصى ما أمكنه.
إلا أن هناك خلافاً لا يزال الرجل متمسكاً به: "احنا في العقيدة ما نتفق معهم.. احنا زيود، وما نشوف المخالفة اللي يقولها على السنة.. احنا معهم انهم عندهم عدل وأصلحوا بين الناس".
وصلنا "الحيادين" في السابعة والنصف مساء، بعد 3 ساعات سير. كانت الطريق جبلية، تخللتها أمطار وسيول.
سور يحيط بمستشفى ريفى، وإلى اليمين بقالة ومطعم في مبنى قديم. أخبرنا أحدهم أن "الشيخ جبران في صعدة.. بانعطيكم رقمه تتصلوا عليه وهو بايخلي واحد يستقبلكم ويعلمكم بالمنطقة"؛ إلا أن الشيخ كان قادما في الطريق، وكان علينا انتظاره في نفس المكان.
اقترح "علي" (سائق السيارة) أن ننزل للعشاء. كان المطر متواصلا؛ ولكن بشكل أخف. نزلنا للعشاء في المطعم الوحيد هنا؛ كون المنطقة تُمثل إحدى طرق التهريب. يجلس الزبائن خارج المطعم، الذي لا يتسع لغير الطباخ. كان "الطربال" مخرقاً تعرضنا تحته إلى قطرات مطر متسربة، لهذا استعجلنا في تناول الفول وقطعتي الخبز، اللتين كانتا عجينتين حقيقتين، إلا أننا دفعنا 1500 ريال لصاحب المطعم ثمن الإسهال الذي سبتتاه لنا.
"بن سوادة ما با يعيش الا رافع رأسه"
وصل الشيخ جبران الساعة الحادية عشرة ليلاً. ثلاث سيارات يحملن "دقيق ورز من الدولة حقنا الله يحفظها". قال الشيخ جبران، الذي وجدته خلافا لما تخيلته وأنا أسمع حديث الناس عنه. في منبه؛ أخبرني يحيى العليلي أن الشيخ، جبران بن سوادة، هو الذي يرفض أن يقيم السعوديون مراكزهم العسكرية في المنطقة الحدودية، وأرشدني إلى الذهاب إليه لأنه "الكل بالكل في منطقة آل الشيخ".
اتصل بنا أحد رفاق الشيخ، وهم يعبرون أمامنا بالسيارات الثلاث، طالبا منا اتباعهم نحو منزل الشيخ سوادة. "سائلة" واسعة تحفها أشجار حراشية وبضع نخلات، هي ما بقيت في الوادي الذي كان ممتلئا بالنخيل. كان السيل قد ألحق أضراره بالطريق. توقفوا لردم الحفر التي أحدثها السيل حتى تعبر السيارات. نزل شيخ يتوكأ على عصاه، ما كنت حتى لأظن أن هذا الشيخ، محني الظهر ومتأود الخطى، هو الشخص الذي نطلبه.
كان علي قد أخبرني أن الشيخ جبران بن سوادة متقدم في السن، ولكنني لم أتوقع أن يكون بهذا الهرم. وعلى الهالة التي رسمها في خيالي حديث الناس لم أتوقعه بهذه البساطة، يرتدي الزي العادي لأبناء المنطقة: "شميز بسيط" و"فوطة" مثبتة بحزام عليه سكين من نوع خاص في غمد مائل يشبه "التوزة"، التي يعتمرها القضاة التقليديون. يسير بن سوادة في عامه ال 85، ولا يملك سيارة خاصة. كانت السيارات الثلاث تابعة لأصحابه من أهالي المنطقة. وباعتزاز عال قال لي: "بعض الأحيان يجي يوم الاحد (يوم خاص بالتسوق هناك) وما معي مصروف. أسوّق (أبيع) من الغنم وأجر لي مصروف".
نصف ساعة قطعناها للوصول إلى بيت "بن سوادة"، كما يحب أن يدعو نفسه: "بن سوادة ما با يعيش الا رافع رأسه". تبين أنه قد تحول عن هذا البيت، الذي كان يسكنه "أيام الخوف.. أيام ما كنا نتحارب مع السعوديين.. جلسنا 35 سنة في حرب على الحدود.. لما جاءت دولتنا وقبلت بالترسيم مع السعودية".
أفرغت السيارات حمولتها في هذا البيت، الذي تحول عنه بن سوادة منذ ترسيم الحدود عام 2000. انصرف أصحاب السيارات، وصعد الشيخ جبران على سيارتنا لنتقدم حوالى كيلومتراً باتجاه الغرب. أوقفنا السيارة؛ حيث انقطعت طريقها على تلة مقابلة لأخرى يقع عليها مسكن الرجل.
أعطاني بن سوادة بندقيته "الجرمل"، وأخذ يتحسس الطريق بعصاه، أما علي سلمان فكان يحمل بندقيته في يد، وفي الأخرى كشافاً ضوئياً. انزلقنا من التبة وعبرنا مدرجات جبلية ينتهي طرفها ببيت الشيخ جبران. وعلى عكس البيت السابق، الذي كان محاطا بالجبال، يقع هذا البيت مكشوفا من الجنوب لجبل قيس "السعودي" الذي تظهر البيوت السعودية على قمته متوهجة بأضواء الكهرباء.
أكواخ بسيطة تحوطها أحواش الأبقار والغنم، وفي الأسفل تنحدر "السائلة" محفوفة بأشجار كبيرة. كوخ مفتوح من جهة الشمال والجنوب، وسرير حديدي في كل من الجانبين الآخرين. نمت وعلي سلمان على ذينك السريرين، فيما نام أحد أبناء الشيخ نائما على سرير آخر خارج الكوخ.
سألت الشيخ جبران عن حقيقة ما جرى من اشتباكات بين قبيلته وبين الجيش السعودي، فأكد: "السعوديين كانوا يشتوا يبنوا مركز عسكري فوقنا ومنعوهم الرجال.. رموا على معداتهم وهم ردوا علينا برشاشات".
قال إن اتفاقية ترسيم الحدود نصت على عدم بناء أي مركز عسكري، من قبل الجانبين، إلا بعد مسافة 5 كيلومترات من علامات ترسيم الحدود. وأخرج الشيخ التسعيني صورة يحتفظ بها لاتفاقيتي الطائف وجدة لترسيم الحدود بين اليمن والسعودية. كانت الاتفاقية مطوية ضمن أوراق في ظرف أخرجه من مخبأ ما، ورماه لي لتأكيد ما قال. أخرجت صورة اتفاقية جدة وقرأتها، فوجدت ما قال. ووجدت أيضاً أن الفقرة (أ) من المادة الأولى في الملحق رقم 4 من الاتفاقية تنص على: "تحدد منطقة الرعي على جانبي الجزء الثاني من خط الحدود المشار إليه في هذه المعاهدة بعشرين كم". ونصت الفقرة (ب) من المادة نفسها على أنه: "يحق للرعاة من البلدين استخدام مناطق الرعي ومصادر المياه على جانبي هذا الجزء من خط الحدود استناداً إلى التقاليد والأعراف القبلية السائدة لمسافة لا تزيد عن عشرين كم".
تحدث أهالي المنطقة عن مآسيهم مع الممارسات الجديدة التي تقوم بها السعودية. حسن خالف قال إن إحدى أغنامه تجاوزت العلامات بأمتار قليلة، "ولحقت بعدها.. أخذوني وصدروني من مركز حرض". آخر قال إن أكثر من مائة رأس من الأغنام تمت مصادرتها عليه من قبل حرس الحدود السعودي.
بن سوادة، الشيخ محني الظهر، الشامخ، قال إنه لا يطلب "من السعوديين شيئاً غير الالتزام الاتفاقية": "أبغى الاتفاقية.. أنا عمك.. دعوة بن سوادة في عشرين كيلو للرعاة، وخمسة كيلو تشتل (ترفع) المراكز (العسكرية السعودية) والا يقع ذي يقع.. السعوديين قطعوا الرحم.. من طلع قالوا هي.. ومن رجع قالوا هي".
بدا الشيخ معتزا بيمنيته رغم كل ما يدفعه ثمنا لذلك الاعتزاز؛ في الليل تبدو القرى السعودية مدناً رئيسية، وهي تتلألأ مطلة على الجبال المحيطه بمنطقة "آل الشيخ" التي يتزعمها بن سوادة. وفي الصباح ترى القرى السعودية قصوراً بيضاء في حين لا تكاد تلمح أحد الأكواخ القريبة منك لآهالي "آل الشيخ". لخص هذا أحد أبناء المنطقة: "هم في النور واحنا في الظلام... هم في قصور واحنا في عشش.. هم في آخر موديل واحنا فوق حمير".
أما بن سوادة، هذا الشيخ الذي يُشعرك أنك أمام صخرة شامخة، فلم يذكر من هذا شيئاً: "احنا معنا دولتنا، وهم معهم دولتهم، في اتفاقية يمشوا على ما جا عليها (فيها).. ما نبغي منهم شي.. الفلوس ما هي كل شي.. جاؤوا وقالوا با يعطوك 200 ألف سعودي، ويعطوك راتب وفك مؤبد (تصريح لدخول السعودية) بس تبصم على الاتفاق، وتسمح لهم يشقوا طريق ويبنوا مركز".
كان الوسيط في محاولة إقناع الشيخ بالسماح للسعوديين في شق طريق وبناء مركز عسكري، هو ابن أخت بن سوادة: "جاني وقال لي: فرصة ياخال.. با يعطوك اللي تشتيه". يعف بن سوادة عن الإغراءات السعودية، ويقاوم استخفافها بشموخ ما بقي من النخل في وادي منطقته.
يتذمر بن سوادة حتى من أحد أبنائه، أحدهم يعمل تاجرا للعسل في السعودية، "خليه يتّبع بعد امقوالز (علب العسل) ما همهم في حدود ولا شي".
شكا الرجل، الطاعن في السن والشموخ، تنصل الدولة عن مهماتها، حتى بعد أن فرطت بالحدود التي مازال يتذكر قتاله الطويل عنها: "قاتلنا عليها 35 سنة، وراحوا فيها رجال، ولما وقعت دولتنا قلنا: خلاص ما بانقاتل دولتنا، وما عاد نبغى إلا الاتفاقية. هم ذلحين يرمون علينا برشاشات ومعهم في المراكز مدافع واحنا ما به معنا الا بنادق ما تسوي شي".
منطقة "آل الشيخ"، ومناطق مجاورة، لم يصلها الحوثيون، ولا تقع تحت سيطرتهم حتى الآن، لكن الشيخ جبران قال إنه قد يحتاجهم إذا لم تقف معه الدولة في إيقاف الخروقات السعودية، لأنه لا يستطيع وحده أن يقاوم السعوديين: "ما نقدر وحدنا نواجه السعودية لو قامت حرب، لكن ذلحين عاد احنا بانقاوم.. لما اترامينا معهم اتصلوا بي من صعدة، وقالوا بايجوا، وقلت لهم: لا، انا بادعيكم لو احتجت لكم. لي منبه ورجال منبه.. ما بايبنوا السعوديين مركز فوق راسي.. فذة جبل فوق غمر ورازح ومنبه، ولو مسكوه السعوديين بايسيطروا على الثلاث المديريات كلها".
تبين لي سبب حرص الرجل على عدم السماح للسعوديين بشق طريق، وبناء مركز على هذا الجبل بالذات، رغم أنه قد تم بناء عدة مراكز عسكرية سعودية على جبال أخرى في المنطقة ذاتها.
يقاوم بن سوادة الخروقات السعودية بمقاتلي قبيلته، التي قال أحد أبنائها إن فيها نحو 3 آلاف مقاتل. ورفض أهالي هذه القبيلة، وقبائل مجاورة لها، دخول جماعة الحوثي إلى مناطقهم.
لا يعتمد نجاح السعودية في مخالفة اتفاقية ترسيم الحدود على قبول الشيخ جبران إلا على منطقة محددة، أما في مناطق كثيرة فقد تم شق الطريق، وبناء مراكز عسكرية جوار العلامات الحدودية باتفاق بين السعودية و"مشايخ الدقيق"، كما يسميهم الشيخ جبران، في إشارة إلى تسلمهم من السعودية أكياس دقيق ومبالغ معينة.
كان قد أخبرني الكثير من الناس هنا أن الشيخ جبران هو الوحيد الذي يقف في وجه السعودية، ويرفض إغراءاتها "والناس واقفين معه ويحبوه". ويؤكد كثير من الأهالي أن العديد من المشائخ قبلوا بمخالفات السعودية التي أضرت بسكان المنطقة خصوصا وهم يعتمدون على الرعي. "احنا ما في معنا دولة والا ما باتخالف السعودية للاتفاقية حتى لو وافقوا بعض المشايخ بفلوس".
سألت الشيخ جبران عما إذا كان يتذكر الحدود القديمة بين الدولتين، فقال إنه لا يعرف أنه كانت هناك حدود: "كنا نسكن قبايل في المنطقة كلها نسير ونجي عند بعض.. والآن في قبايل داخل السعودية شيخهم هنا في منطقة جنبنا".
ديك الشيخ
كانت الساعة تمام الثانية عشرة ليلاً، حين استلقيت على أحد الأسرة في كوخ بن سوادة. كان المطر قد أضر حتى ببيت الدجاج فغادره أحد الديكة ليبيت تحت السرير الذي أنام عليه. تمام الثانية ليلا بدأ الديك صياحه من تحتي. كانت المنطقة خالية من أي صخب، وكان صوت الديك قويا يملأ الوادي. غرست رأسي في الوسادة، ووضعت أصابعي في أذني، وكان صوته جارحا يخترق كل العوائق. أكثر من مرة ضربت بيدي على السرير ونهرته؛ لكنه ديك الشيخ، الذي وقف في وجه السعودية، ولن تثنيه محاولاتي عن ممارسة هوايته الأفضل. صببت عليه ماء من القنينة التي كانت بجانبي فصمت برهة، وانتفض ثم تابع أصواته، كما لو أنه يسدد ما سكت عنها. أمضيت الليلة مفكرا بطريقة للتخلص من هذا الديك، ومتفننا بابتكار أساليب مناسبة لإسكاته حتى جاء الشيخ جبران بإناء: "ماء تتوضأ وتصلي وبادي القهوة ذلحين".
كان علي سلمان يدخن سيجارة عندما التفت إلي مغتبطا بنجاته مما قاسيته طيلة الليل. "طلع ابن الشيخ جبران السطح وانا رقدت مكانه"؛ أخبرني وهو يبتسم ويذكرني بمحاولاتي البائسة في إسكات الديك.
أحضر بن سوادة القهوة وجلسنا في مقدمة الكوخ نتبادل الحديث حتى حضر الصبوح: خبزاً ساخناً، وصحنة مليئة بالسمن البلدي.
على الحدود يقاوم بن سوادة بناء المراكز العسكرية السعودية فيها
كان الشيخ مستعدا للذهاب معنا لكنه اعتذر، بعد أن جاءه أحد أهالي المنطقة وكان من الضروري عليه أن يجلس معه. أخبرنا أن علينا أن نتجه إلى منطقة "عوجبة" التي يعرفها علي سلمان، وأكد لنا: "هناك يمشي معكم مجموعة من العيال ويأخذوكم للمنطقة اللي اشتبكوا فيها". عندما ودعناه خاطبني: "ناشدتك في 5 كيلو، وناشدتك في 20 كيلو"، في إشارة إلى تمسكه بالتزام السعودية بعدم بناء مراكز عسكرية داخل 5 كم من الحدود، والسماح للرعاة في الرعي داخل 20 كم. وجه إلي كلامه هذا كما لو أن بيدي الأمر، لكنه رجل يبحث عن مساندة أي يمني.
بعد ساعتين، في الطريق إلى "عوجبة"، أوقفتنا الصخور وثلمات الطريق التي أحدثها سيل البارحة. كان إلى يميننا ينتصب جبل "المشرّق" الذي شهد في آخر تسعينيات القرن الماضي اشتباكات قوية "بين اليمن والسعودية بسبب الاختلاف على الحدود". لم نتمكن من الوصول إلى جبل فذة، الذي وقعت فيه، الأسبوع قبل الماضي، اشتباكات بين حرس الحدود السعودي، وقبائل "آل الشيخ"، بسبب بدء الجانب السعودي بشق طريق بالقرب من علامات الحدود من أجل بناء مركز عسكري جديد.
تمكن بن سوادة، ورجاله، من إيقاف عمل السلطات السعودية في شق الطريق، وبناء المركز العسكرية. غير أن ذلك لا يعني أن المحاولة السعودية ستقف عند هذا الأمر.
يقع جبل "المشرّق" شمال جبل "فذة"، وخلف هذا الجبل الأخير يقع جبل قيس السعودي. أدى استقطاع السعودية للأراضي اليمنية، منذ اتفاقية الطائف، إلى جعل منبه تبدو كما لو أنها داخلة في الأراضي السعودية. ولا ترتبط منطقة "آل الشيخ" باليمن إلا من جهة الشرق فقط. وإجمالاً لا ترتبط منبه باليمن إلا من جهتي الشرق والجنوب.
في ناصية جبل "المشرّق" تقع إحدى العلامات الحدودية، يعتليها بعدة أمتار مركز عسكري سعودي. غيرنا اتجاهنا إلى "المشرّق" على طريق وعرة، قال علي إنه لم يتم تسويتها منذ أن شُقت أيام الحمدي. توقفت السيارة أسفل الجبل، وكان علينا أن نبلغ الجبل على أقدامنا، يرافقنا يحيى ومحيي الشيخي "لأنكم آتيين من عند الشيخ جبران".
تبعد كل علامة حدودية عن الآخرى مسافة تزيد عن كيلومتر واحد، وهي علامات إسمنتية يحيطها أربعة سيخات حديدية. اتهم الشابان، اللذان رافقانا، السعودية بتجاوز الحدود بين العلامات: "شوف هذا الجبل خلفه أيضا علامة تجي لها من طريق ثانية وهذا الخط السعودي اللي تشوفه قدو داخل عليها".
بلغنا إحدى علامات الحدود بعد نصف ساعة من العرق. كانت الطريق، التي شقتها السلطات السعودية، تقع خلف هذه العلامة الحدودية مباشرة، على بعد أمتار. تصل الطريق إلى مركز عسكري سعودي استحدث، بالمخالفة لاتفاقية ترسيم الحدود، في قمة الجبل الذي تقع عليه علامة ترسيم الحدود. يقع المركز السعودي خلف العلامة مباشرة، وكنا على مرمى حجر من المركز.
شبكة طرق تصل المراكز العسكرية السعودية المطلة على أكثر من جبل. وتمكنت السعودية من شراء سكوت بعض مشائخ القبائل اليمنية لشق هذه الطريق، وبناء مراكزها العسكرية. كانت سيارات حرس الحدود السعودي أمامنا، "لكنهم ما بايرموا هم ذلحين، يشوفوا اننا معنا بنادق بانرد عليهم.. بعض احيان يوقفوا الناس اللي ما يعرفوا العلامات اين هي وعادهم تحت". قال يحيى المنبهي، الذي سخر حين أخبره علي سلمان مازحا بأني مُكلف من قبل الدولة لمشاهدة المراكز العسكرية السعودية؛ من أجل إجبارها على التراجع 5 كيلومترات حسب الاتفاقية: "هذا حلم نقول للسعوديين لا دخلت حقنا الغنم ومنعونا نتابعها: باقي عشرين كيلو مسموح لنا، ويقولوا: عاد احنا بانمنعكم عشرين كيلو داخل اليمن".
- تقرير ميداني نُشر اليوم في صحيفة "الشارع"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.