تعيش الجزائر حالة غموض سياسي غير مسبوقة على بعد ستة أشهر من موعد انتخابات الرئاسة المقررة شهر أبريل/ نيسان القادم، حيث لم يحسم بعد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، العائد من رحلة علاج طويلة، موقفه من الترشح لولاية رابعة، ما جعل البلاد في حالة ترقب لقرارات سياسية خلال الأسابيع القادمة لإزالة هذا الغموض. وأدت القرارات التي اتخذها الرئيس الجزائري في شهر سبتمبر/ ايلول الماضي، بإجراء تعديل حكومي كبير مس وزارات السيادة والمجلس الدستوري، إلى جانب تغييرات داخل المؤسسة العسكرية وجهاز المخابرات القوي، إلى خلط الأوراق السياسية في البلاد حيث أعطى ذلك الانطباع أن الرجل يمهد الطريق لافتكاك ولاية رابعة، بحسب المعارضة رغم أنه لم يعلن ذلك رسميا. وجاءت هذه القرارات بعد أشهر من الجدل في البلاد جراء رحلة العلاج الطويلة التي قضاها بوتفليقة بين باريس والجزائر منذ إصابته بوعكة صحية نهاية أبريل / نيسان الماضي، وهو ما دفع معارضيه لانتقاد “الشلل” الذي مس مؤسسات الدولة والحكومة التي تؤكد في كل مرة أن غياب الرئيس لم يؤثر على تسيير الشأن العام. ووصل الجدل خلال فترة غياب بوتفليقة إلى درجة مطالبة أحزاب وشخصيات بتطبيق المادة 88 في الدستور والتي تنص على إعلان خلو منصب رئيس الجمهورية في حال الوفاة أو عجزه عن آداء مهامه والذهاب إلى انتخابات مبكرة. ورفض بوتفليقة وحتى محيطه الرد على هذه الانتقادات لكنه شرع أياما بعد عودته من فرنسا منتصف يوليو/تموز الماضي في اجتماعات مع كبار مسؤولي الدولة، على رأسهم الوزير الأول، عبد المالك سلال، وقائد أركان الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، توجت بتعديل حكومي وتغييرات اخرى في المؤسسة العسكرية. وتطرق الرئيس الجزائري لأول مرة إلى ملف انتخابات الرئاسة خلال اجتماع لمجلس الوزراء يوم 29 سبتمبر/ أيلول الماضي، حين طالب الحكومة “باتخاذ كل الإجراءات اللازمة من أجل السماح لبلادنا بإجراء الاستحقاقات السياسية القادمة في أحسن الظروف”. لكن المراقبين في البلاد اعتبروا التصريح “غامضا” كون بوتفليقة له – إلى جانب ملف انتخابات الرئاسة – مشروع آخر على طاولته يخص التعديل الدستوري بعد إعلان الوزير الأول، عبد المالك سلال أياما قبل ذلك أن المشروع الذي أعدته لجنة خبراء قانونيين قد رفع للرئيس للنظر فيه. وأكدت تسريبات نشرت في وسائل الإعلام المحلية أنه سيتم في إطار التعديل الدستوري استحداث منصب نائب للرئيس، وتمديد الولاية الرئاسية إلى سبع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة بدلا من خمس سنوات حاليا. وتعيش الجزائر خلال الأيام الأخيرة حالة “غموض سياسي” غير مسبوقة انعكست في تشتت مواقف المعارضة بين الصمت وانتظار قرارات جديدة ترفع الغموض عن المشهد السياسي وأخرى أطلقت مبادرات تصب أغلبها في رفض التمديد لبوتفليقة أو ترشحه لولاية رابعة وكذا إجراء أي تعديل دستوري قبل انتخابات الرئاسة المقررة ابريل / نيسان القادم. وأعلنت عدة أحزاب معارضة، منها حركة مجتمع السلم الإسلامي، المحسوبة على تيار الإخوان المسلمين، عن مشاورات سياسية للتوافق على مرشح واحد للمعارضة في انتخابات الرئاسة، لكن هذه المشاورات تراوح مكانها حاليا بسبب عدم وضوح الرؤية السياسية حول نوايا السلطة القائمة بشان المرحلة القادمة. ومقابل ذلك، شرع مؤيدو الرئيس في التحرك سياسيا لدعم أي خطوة يقوم بها سواء تعلق الأمر بتعديل الدستور أو الترشح لولاية رابعة. ويقود حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم تحالفات جديدة لدعم الرئيس قامت على انقاض التحالف الرئاسي السابق بين عامي 2004 و2012 بعد انسحاب حركة مجتمع السلم، أكبر حزب إسلامي في البلاد، منه وتحولها نحو المعارضة. وقام الحزب الحاكم الذي انتخب عمار سعداني المقرب من المحيط الرئاسي أمينا عاما له مؤخرا، بتشكيل تحالف برلماني جديد مع حزب “تجمع أمل الجزائر”، الذي يقوده وزير النقل عمار غول، وكتلة الأحرار النيابية من أجل دعم بوتفليقة، تحسبا لعرض التعديل الدستوري على البرلمان للمصادقة عليه، مع العلم أن هذا التحالف يضم 300 نائب من بين 462 مقعد بالمجلس كما أعلن أن التحالف مفتوح على كتل نيابية أخرى. ووسط هذا المشهد “الغامض” يتردد مرشحون محتملون لانتخابات الرئاسة ممن يوصفون “بالأوزان الثقيلة” في الإعلان رسميا عن دخول السباق حاليا. ومن بين هؤلاء، علي بن فليس، رئيس حكومة بوتفليقة الأسبق ومنافسه الرئيس في انتخابات 2004، حيث أعلن نهاية أيلول/سبتمبر الماضي في اول ظهور إعلامي له منذ سنوات أنه سيعلن لاحقا موقفه من انتخابات الرئاسة دون أن يحدد تاريخا لذلك. (الأناضول)