بقلم/ رشيد باصديق * هكذا يطغى المشهد السياسي في اليمن نظراً لما تمر به البلاد من أوضاع سياسية عصيبة وأزمة إقتصادية طاحنة أثرت سلباً على كل المشاهد المختلفة.. الثقافية والفنية والرياضية.. بل وحتى السياحية.. وأصبح المواطن لا هم له سوى مراقبة ومتابعة ما ستؤول إليه الأمور نظراً لإفرازات الواقع المرير وإنعكاساته على حياة ومعيشة الناس. * وتأتي الذكرى ال12 لرحيل الشاعر الغنائي الكبير/ حسين أبوبكر المحضار دون إعطائه حقه في التكريم وإحياء ذكرى وفاته، وقد رحل عن دنيانا الفانية في العام 2000م بعد حياه زاخرة بالعطاء والإبداع الشعري والفكري وترك لنا إرثاً كبيراً من أشعار الغزل والحب والعشق والهيام الشعري، وفي حياته كان نهراً ومعيناً لاينضب أفنى سنوات عمره في خدمة التراث والأدب وله من تنقلاته بين بعض الأقطار العربية والخليجية والأوروبية والآسيوية إضفاء وصقل لموهبته الشعرية الفذة بتجارب شعوب هذه البلدان وطرق حياتهم يرتشف من رحيق فنونها وثقافتها وتنوع أساليب العاشق والمعشوق.. الفراق واللقاء.. النظرة والابتسامة.. الكلمة ومابعدها بين طرفي الحب والإقتران.. والإخلاص الصادق المثالي وهذه التجارب الذي أثرت بشكل كبير في أشعار المحضار.. الحاضر في قلوب العشاق.. فتراه في صورة غاية الإبداع الوصفي البليغ لأقوى مرسال القلوب بين العاشقين لايفهم فحواها ولايستطيع رصد وفك شفراته عقول الآخرين: رمز عينه بريد المحبه بين قلبي وقلبه * باقي الناس ما بايفهمونه * لقد غاب الشاعر الكبير عننا ولكن غياب الجسد فلقد أثرى الساحة الثقافية والشعرية وترك للعشاق من بعده ما جعله حاضراً دوماً في قلوبهم.. وكانت ولا زالت قصائده الغزيرة في مفرداتها الغنية في معناها يترجم شوقه وولعه وحنينه للعودة إلى أرض الوطن إذا طالت أيام أغترابه: واويح نفسي إذا ذكرت أوطانها حنت * حتى ولو هي في مطرح الخير رغبانه وعلى الموارد إذا جات للشرب للتنغص * قدها مقاله ماتنقطع رحمة الرحمن * لم يغيب المحضار يوماً قط عن وطنه أبداً وأن غاب تظل ساكنه في سويداء قلبه فيظل بحبه لها يكتوي بنيران الفراق وهذا هو طبع العاشق الملهم والمحب المرهف بأحاسيسه الجياشه للعودة وأن حالت بينه المسافات ووقفت ضده رياح الظروف.. وقسوة الدروب.. فالمحضار يخاطب بفطرته الشعرية قسوة الفراق ويحاور الطير في الأشجار متسائلاً ومستفسراً: ياطير ياضاوي إلى عشك * قلي متى بضوي أنا عشي كم نسأل الركاب من قبلك * باسير شلوني إلى أرضي حتى لقوني طرد في خيشه * قلبي من الفرقه كما الريشه * ثم بعدما تحقق له حلم العودة إلى أرض الوطن وسنحت الظروف ولانت له الأقدار التي لطالما تأتي معاكسة ومعاندة للعشاق، تحمله أخيراً أجنحته على رياح الشوق بعد فترة الغياب لتزيد من وجدانه وأحاسيسه وتتفاعل جوارحه مع غريزته الشعرية وفي حرارة اللقاء فتراه يخيل إليه مدينته الشحر كأنها فتاه جميلة: قابليني ياسعاد * وألبسي ثوب السعاده * عدت لك والخير عاد عود الله كل عاده * بعد ماطال الغياب * بيننا والشوق زاد إجتمعنا وألتقينا * واللقاء كان بالأحضان * لهذا كان المحضار رحمه الله هو ترجمان العشاق ولسان حالهم.. وفي أوقات الفراق.. واللقاء.. والألم والقسوة.. والجفاء واللين.. وتحقيق المراد.. والأرتماء في احضان الحبيب.. * وعن قوة إنتمائه لوطنه وعلاقته الوطيدة التي لاتنفصم عراها، حتي أثناء شدة إنبهار ناظريه بالطبيعة الخلابة والجمال البيئي السحري للأقطار التي زارها خلال حياته، دائماً لاتغيب عنه بلده مع أعترافه بالمفارقة الكبيرة بين الأجواء والأمطار وروعة التضاريس: الله يالهند ما أجمل تلك المناظر * يرتاح قلبي بها من حين يرحل حسك تغرك نيودلهي وتلهي * عزك بلادك بها تؤمر وتنهي وأن ضاق عيش لك بها صدرها لك وسيع الهند فيها الهنا والهند فيها المنى * والجو في الهند غائم تحسبنه ربيع * إنطفى وهج وشعاع قامة شعرية سامقة وترجل فارساً من كبار فرسان عصره في مجال الشعر الغنائي تاركاً لنا دواوينه الشعرية (دموع العشاق، إبتسامات العشاق، أنين وحنين العشاق) ضمت بين صفحاتها أروع قصائد العشق والحب حملها العشاق في حلهم وترحالهم، ولاشك سيذكره بها الأجيال تلو الأجيال، وسيبقى خالداً في قلوب محبيه وعشاق شعره والمحضار طيب الله ثراه، حاضراً دائماً وأبداً بيننا ماضياً وحاضراً ومستقبلاً. * قال في إحدى رائعاته وأجمل نتاجاته الفكري يصف عن معاناة ألم الفراق حسرة على إستحالة رد قضاء الله بقصيدته الرثائية لموت أحب أصدقائه السيد محفوظ مول الدويلة، فصعق بنبأ وفاته فكانت دموعه نثرها شعراً: إعادة الحاضر إلى الفائت محال * لكن قلبي ما توقع في محله قسى علي دهري قسى بئس الفعال * يهوين كم قاسيت من دهري وفعله إذا جيت بانسيه ذكره الخيال * وآثاره بقيت بعد محبوبه وخله يادمعة العين جودي على رفيقي * خففي بعض الذي في البال * وتمر علينا الذكرى الثاني عشر لوفاته مرور الكرام دونما ضجيج إعلامي ودونما إحياء ذكرى وفاته بمهرجان يتناسب مع حجم هذا العلم وهذا العطاء وهذا الشاعر الذي سبق عصره بعشرات بل بمئات السنين. * وهي دعوة نوجهها إلى معالي الدكتور/ عبدالله عوبل وزير الثقافة، فأن الوسط الثقافي والفني يلتمس العذر بما تمر به البلاد من إنشغالات الحكومة بالتحضير والتجهيز للاستحقاق الانتخابي لمرشح الرئاسة التوافقي الأستاذ/ عبدربه منصور هادي/ لمنصب رئيس الجمهورية، لحلحلت الأزمة اليمنية والخروج بالوطن إلى آفاق أوسع في الشراكة السياسية تنفيذاً لبنود المبادرة الخليجية المزمّنة. * ولكن في العام القادم إنشاء الله نرجوا أن تسعى الوزارة إلى الإعداد المبكر لأحياء ذكرى وفاة السيد/ حسين أبوبكر المحضار رحمه الله تخليداً وعرفاناً ووفاءً لما قدمه خلال رحلة حياته للناس والوطن.