من الظواهر التي انتشرت في مجتمعنا اليوم ظاهرة كثرة الدراجات النارية بين الشباب واقتنائها لحاجة ولغير حاجة والسرعة الجنونية التي يقودونها بها وتعمد إحداث الفوضى والشغب بها والتسابق فيما بينهم البين عليها وقيادتها من قبل أطفال صغار يجوبون الشوارع ليل نهار بها ومعهم أصحابهم يحملونهم عليها فتجدهم أحياناً أربعة أنفار أو خمسة أنفار على دراجة واحدة يمشون بسرعة خيالية في شوارع عامة في وسط الناس وبين الزحام. شباب يعلوهم الطيش والتهور ولايدرك بعضهم قيمة هذه المركبة التي يركبها وينسى نفسه حينما يكون فوقها ولا يعرفون مسئوليتها ولا يحافظون أدنى المحافظة عليها لأنه لم يتعب فيها ولم يخسر في شرائها ولم يأتي بها أصلاً إلا لقصد اللعب والعبث والمباهاة. يملئون الشوارع ويخططونها ويمشون فيها بالمخالفات الواضحة والتجاوزات الغريبة والتعديات السافرة والاستعراضات البهلوانية الساذجة والتفحيطات الساخنة والتسابق الذي لا حاجة له والذي يكون غالباً في غير مكانه. وأما التعدي على قواعد السلامة وإشارات المرور فحدث عن ذلك ولا حرج بل تجد كثيراً منهم لا يعلم شيئاً عن هذه الأنظمة واللوائح المرورية ويجهل جهلاً تاماً بما تدل عليه تلك الإشارات والعلامات التي جعلت لضبط الحركة وبعضهم يتعلم على السواقة ويخرج إلى الشوارع العامة ويتدرب على القيادة بين الناس في وسط الشوارع المزدحمة بلامبالاة ولا تعقل. والنتيجة هي كثرة الحوادث والصدامات وإزهاق الأرواح البريئة بغير حق وإضرار الناس والتسبب في قتلهم وإعاقتهم وإضرارهم بالأضرار البليغة والكسور الجارحة والإعاقات المستدامة والتشويهات الخَلقية والمصائب المفجعة. فكم من أب يتموا أطفاله وكم من رجل رملوا نسائه وكم من أسرة فجعوا أهلها وأنزلوا عليهم الأحزان والمواجع والله سبحانه وتعالى يقول{وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} ويقول: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا}. ألا يعلم الآباء أنهم بإعطائهم تلك الدراجات لأبنائهم الصغار وأولادهم الذين يسلمونّهم تلك المركبات وهم يعلمون أنهم لا يحسنون قيادتها ولا يتقنون سواقتها ألا يعلم هؤلاء الآباء أنهم شركاء في الجريمة وأن اللوم عليهم أعظم من لوم أبنائهم هؤلاء. ولم يكتفي بعضهم بما يحدثونه عبر هذه الدراجات النارية من الفوضى والازعاج وإرهاب الناس في الشوارع والطرقات وإنما يقومون أيضاً باستغلالها في الفساد وجلب الشر وتوطيد العلاقات السيئة والصحبة المضرة وإركاب الأولاد المردان خلفهم والاستعراض بهم ومحاولة الظهور أمام الآخرين باصطحابهم وإقامة العلاقات معهم والفرح بذلك أمام زملائهم فرحاً ساذجاً بغرور واضح وسذاجة مقيتة. ولم يعد الأمر مقتصراً على إركاب الأولاد المردان والاستعراض بهم وإنما تطور الأمر وجاءت قاصمة الظهر حيث يقوم بعضهم بلا حياء ولا حشمة بإركاب صديقته معه وحملها في الدراجة إلى جانبه وإمساكها به مسكة تدل على التفلت ونحر الحشمة وقتل الغيرة ثم يطوف بها من شارع إلى شارع ومن مكان إلى مكان آخر والله المستعان أيها الأب: إذا أردت أن تشتري لابنك دراجة فاسأل نفسك أولاً هل هو فعلاً في حاجة ماسة لها أم أن الأمر مجرد وسيلة من وسائل الترويح عن النفس واللهو والمخاطرة ثم هل هو يحسن قيادتها عارفاً بنظامها وأنظمة السير وإشارات المرور وإذا كان عارفاً بذلك فهل يلتزم بها أم أن الحال هو عكس ذلك كما هو حال كثير من هؤلاء الشباب الذين يملكون هذه الدراجات والذين نرى كثيراً منهم لايراعي هذه القواعد المرورية ويتجاوز كل اللوائح والأنظمة يشجعهم على ذلك المرور نفسه بالسماح لهم بعكس الخطوط والتغاضي عنهم والتفريق بينهم في الأنظمة وبين أصحاب السيارات والمركبات مما شجعهم على اللعب والعبث أكثر وأكثر. فلنتقي الله في أنفسنا ولنتقي الله في مجتمعنا ولنتقي الله في أرواح الخلق وممتلكاتهم ولنتقي الله في أبنائنا أنفسهم قبل أن يرتطم بشيء أو يحدث له حادث فنبكي عليه حين لا ينفع البكاء ونندم في وقت لا ينفع فيه الندم.