مالا تستوعبه القرائح والفهوم هو إن الأحداث التي توالت تباعاً ربما كانت مباغتة وصادمة للضمير الإنساني الحي فانعكست تأثيراتها الاجتماعية وتفاعل معها أبناء حضرموت وغيرهم الذين لم يعهدوا لها مثيلاً ، فهذا الإحساس الحاد بالقيم الأخلاقية والمفاهيم الحياتية هو الذي عمق المعاناة وزاد من حدة المأساة والشعور بخيبة الأمل المريرة من وضع يحاول البعض منا الوصول إلى تحليله والتدقيق في ملابساته وخلفياته وأستفراغ الجهد في بلوغ الحقيقة التائهة :فهل هناك من سيقودنا إلى فهم طلاسم هذه الحقيقة وفك رموزها ؟ سؤال سيظل يعربد في رؤوسنا حتى نجد له إجابة . ويقيني بأن الحزن على فقدان كوادر لها ثقلها مثل القائد العسكري عمرسالم بارشيد قد لا يفيد إذا لم نفهم الخصم الحقيقي الذي يقف وراء الجريمة النكراء .. فالحدث جلل والمصيبة أكبر سيما وأنها لم تراعي القيم الدينية وذلك لحدوثها في العشر الأواخر من شهر رمضان العزيز على قلوب المسلمين والمعظم عند الله العلي القدير . والمتابع لمجريات الأحداث الأخيرة تنتصب أمامه تساؤلات عدة تدفع به إلى البحث والتنقيب وذلك للاعتبارات التالية : 1) إن استهداف قيادات عسكرية وأمنية لها دور مشهود في حسم معارك معقدة في منعطفات صراع سابقة يثير علامات استفهام كبيرة .. من حيث : الجهة التي تقف وراء ذلك الاستهداف الذي يحمل البصمة ذاتها ( انفجار عبوة ناسفة ) وهو أمر يقتضي منا التعمق في أسبابه واستقصاء الدقائق الأخيرة من حياة هؤلاء القادة والكيفية التي تمت بها عمليات الاغتيال .. أما في ما يتعلق بالتكييف القانوني لتلك العمليات فأنها تندرج في إطار القاعدة القانونية (مع سبق الإصرار والترصد ) وهي اغتيالات تعيد إلى الأذهان سابقاتها من الاغتيالات التي تمت . 2) انحصار الاستهداف في قيادات وعناصر معظمها حضرمية وجنوبيه الأمر الذي يضع أمام أي مراقب تساؤلات مشروعة من أهمها : لماذا هؤلاء بالذات ؟ وما السر في استهدافهم ؟ ومن هي الجهة التي تقف وراء ذلك الاستهداف ؟ 3) ثم ينتصب السؤال الأبرز وهو : هل أن تلك القيادات والعناصر قد انتهى دورها المرحلي وبقاءها بات يشكل عبء على المراحل القادمة ؟، أم إن خطرها يهدد أجندات بعض المستفيدين من تلك التصفيات ؟ أو إن الحقد الدفين على أولئك القادة الذين تم تصفيتهم جعل من قتلهم بهذه الصورة البشعة بداية ولوج مرحلة أكثر قتامه في واقعنا السياسي والاجتماعي !!! لذا علينا انتظار المزيد من هذه الاغتيالات وبذات الأسلوب ما لم يتم الكشف الفوري لتلك الجهات والعناصر التي تقف وراء كل محاولة اغتيال تمت وستتم . الكل يدور في حلقة مفرغة حتى الآن لأنه ليس بين يديه حقيقة يمكن الارتكان عليها ، وجل الآراء التي يتم تكوينها عن بعض الأحداث قابلة للنقض ما دام التخمين والاستنتاج سيد الموقف ، وان كل التساؤلات مهما تم تأييدها بشواهد من واقع الفهم المتواضع ستظل ناقصة ما لم يتم الوصول إلى مرتكبي هذه الحوادث ، وفضح من يقف وراءها ، لأن معظم تلك الحوادث ربما ( قيدت ضد مجهول ) أو أنها ملفات قابعة في الأدراج بانتظار إلقاء القبض على الجناة … والمثل الدارج يقول( لا تقول بر إلا لا قده ما بين الكبد والصر ) أي عندما نشاهد من يقف وراء هذه التفجيرات أومن قدم الدعم اللوجستي للجناة أمام المحاكم يتقاضى على فعلته حينذاك سنقول ( تم ) .. وفي علم الجريمة ليس هناك جريمة كاملة .. فلا بد من وجود دلائل وشواهد وخيوط توصل إلى الجاني والمحرض ..سواء عاجلاً أم آجلاً. والجناة لا يفلتون من العقاب .. حتى في الشريعة الإسلامية السمحاء حين قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( وبشر القاتلين بالقتل ولو بعد حين ) . أو ينبغي أن نتريث وأن لا نستبق الأحداث فربما أرادت جهات الضبط إعطاء نفسها فرصه وأن لديها بعض الخيوط التي لم تتأكد منها وان إلقاء القبض على هذه العناصر الضالعة في تلك الحوادث مسألة وقت قد يسرع وقد يبطئ بعض الشئ .. ربما .. فلن نتعجل عسى ولعل أن يكون الخير كامن في الشر . وعلى وجه العموم ، لا ندري أي الاحتمالات جديرة بالتصديق أو يمكن التعويل عليها .. لان الناس بلا ريب سيذهبون في قراءتهم إلى مذاهب شتى ولن يصدقوا البتة بان من يقف وراء هذه الحوادث ( تنظيم القاعدة ) الذي سارعت السلطات اليمنية إلى تحميله مسئولية التفجير وهو ما درجت عليه في كل مرة .. دون إبرازها أي مقدمات تدل على صدق تفاعلها مع الأحداث ولعدم شفافيتها ووضوحها مع شعبها مما يشوه الوقائع ولا يعطيها حقها من المصداقية .. وهي بذلك تخلق حالة من التبرم والقلق لدى المجتمع بكامله .. ويزرع الخوف والترقب مما سيؤول إليه المستقبل .. ونحن أمام قضية مؤرقة وٌضعت نتائجها قبل مقدماتها كما تضع في ذهن القارئ الحصيف عدة أسئلة تجعله يبحث وينقب في تلافيف عقله الباطن عله يجد جواباً لما يحدث كي يروي ظمأه للمعلومة التي يريد الحصول عليها .. لان مواجهة الحقيقة مطلوبة رغم قسوتها - أما أن نترك الجمهور يتأرجح في زوابع الشك والحيرة والظنون وأن تكون الحقيقة مشوهة مضطربة فذاك أمر غير مفهوم ولا يمكن القبول به مطلقاً .. لهذا يستلزم من الجهات الرسمية أن تنبرئ للإعلان عن نتائج التحقيقات أول فأول وماهي الخطوات التي تمت حتى الآن .. وهذا اقل شئ يمكن فعله تجاه شعب يتلهف لمعرفة آخر المستجدات في مثل هذه القضايا المصيرية .. ولا يتلهف لإطلاق أسماء شوارع للشهداء الذين ذهبوا ضحايا تلك التفجيرات .