جميلة لغتنا العربية، ففيها من البدع ومحاسن الكلام وأوزان الأفعال ما يتلذذ به محبو هذه اللغة الخالدة. وأظن أن العنوان فيه بعض ما ذكرته. الحقيقة هي فعلا مصادفة أن تكون الكلمتين ذي وزن واحد ونغمة واحده وتفعيلة واحده، ولكن معناهما مختلفتان بل والأقرب إلى أنهما متضادتان. فالتنوير هو النور، والنور هو البياض والصفاء والعلو والرفعة وغير ذلك؛ والتثوير هو الاثارة المتعمدة والثأر والثورة، وما يخلفه الثور عندما يهيج- هذا هو تفسيري. ورغم أن الفرق بينهما حرف، بل أقول نقاط، والحقيقة نقطتان بالتمام والكمال إلا أن لهما فعل ساحر على المجتمع. الذي يقرأ ما تنشره بعض الصحف الأهلية والحزبية والمنتديات والمواقع الالكترونية يقف في حيرة من أمره، ويتوه ولا يصل إلى الحقيقة. فمنهم من يذهب بك إلى أقصى اليمين، ومنهم من يحذف بك إلى أقصى الشمال. واجد نفسي أشفق على القارئ من جيل الشباب والذي هو باني مستقبل أي بلد كان..! فتجده قليل الإدراك والفهم والاستيعاب، فهو لازال طري العود قليل الخبرة، قصير الرؤية، ويلعب به من يكتبون وكأنه كرة قدم تتناقلها إقدامهم أو لنقل أقلامهم. فبين الحين والحين تجد من يكتب في ظل الحرية التي نتمتع بها في هذه الأيام يتلاعب بعقول الجيل القادم، مستغلا جو حرية النقد، وكأني به هنا يوجههم بما يشبه الريموت كونترول.. فتجد على سبيل المثال بضع عدد من الطلبة الجامعيين أمام لافته يعترضون أو يطالبون بموضوع ما معنونا إياه بمظاهرة أو احتجاج أو مسيرة. إن نشر صور كهذه في صحيفة ما يلهب مشاعر هؤلاء ويشجعهم على المزيد والاستمرار، رغم أن صورتهم تقول أنهم بضع من النفر وليس ألوف مؤلفة. وكلمة بضع في اللغة إذا لم تخني الذاكرة هو العدد ما بين ثلاثة وتسعة.. أنا اسمي هذا الحدث أياً كان ناشره تثوير وليس تنوير.. لان عدد المشاركين فيه لا يرقى إلى أن يكون حدثا ويستحق أن ينشر في الصدارة وبالمانشيت العريض، إلا إذا كانت هناك مصلحة للناشر، ففي هذه الحالة أقول أن المعنى في قلب الشاعر.. ومع ذلك فهذا تثوير!! وأنا لست ضد النشر والإعلام ونقل الأخبار والأحداث إطلاقا، لكنني ضد توجيهها بقصد الاثاره السلبية، ومشاركة هذا العدد القليل جدا في ذاك الحدث هو بحد ذاته تثوير.. والتثوير هنا الذي قصدته هو من الاثارة، والتي تتبعها أو تلحقها في هذا السياق مرحلة الثوران أو الثورة.. هذا هو مفهومي قد يتفق معي من يتفق وسيختلف معي آخرون. كنت أتمنى أن تسيطر على كتابات الكتاب والصحفيين مواضيع مفيدة، تنتقد نقص الخدمات هنا وهناك، تنتقد عيوب الحكومة، والسلطة التنفيذية وتطرح الحلول. تجري استطلاعات من الميدان، تكشف عيوب الادارة وعجزها، وأسباب ذلك .. كنت أتمنى أن تكون صحافتنا هادفة ناقدة واعية لا صحافة اثاره فقط . كنت آمل أن تساهم الصحافة على كثر عددها في حملات النظافة والدعوة إلى ذلك، والمطالبة بالمزيد. فالمجتمع ملئ حتى النخاع من العيوب والعادات السيئة. كنت آمل ولازلت أن يتطرق كثير من الكتاب والصحفيين إلى مشكلة الانفجار السكاني والحد من النسل أو تنظيمه بدلا من تركهم في الشوارع وكأنهم فئران ليس بشر.. كنت آمل أن تساهم كل الصحافة بالحرب على السلاح والقات ونشر الوعي باستمرار لتثقيف الشباب والذي يمثل السواد الأعظم من السكان. تلك هي شكل من إشكال نشر الوعي لدى القارئ والمتلقي وتلك الصورة التي بالإمكان أن نسميها تنوير. وان أنصفت أو وصفت الحال وقلت الحقيقة من وجهة نظري، فإنني أرى أن وسائل الإعلام الحكومية تحارب ليل نهار وبكل الألوان من أجل أن تقوم بما سميته تنوير، وفي المقابل فان الوسائل الاعلامية الأخرى هي أيضا تحارب ليل نهار وبالأسود والأبيض من اجل أن تقوم بدور معاكس ألا وهو التثوير. فهل يحتاج هؤلاء وهؤلاء إلى من يجمعهم جميعا؟ ويجعلهم يتبادلون ولو القليل فيما بينهم..! ربما يكون الوضع أفضل مما نرى على الأقل سنرى فيهما تنوير وتثوير. [email protected]