على الرغم من الوعي الثقافي الذي يتحلى به الكثير من الناس لا سيما المثقفون الذين يقرؤون في مجالات الحياة المختلفة سواء أكانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية فضلا عما تقدمه وسائل الإعلام من جرعات ثقافية إلا أن هناك مسائل يعد الحديث فيها محرجا ومحرما أو يصنف على أنه خروج عن المألوف أو مما يجب السكوت عنه رغم أهمية تناوله وطرحه حينما يتم طرقه أو تداوله بشكل من أشكال التنوير والفائدة العلمية.. ويقف كثيرون منه مواقفاً شتى بعضها متناقض، وبعضها الآخر رافض، وبعضها موغل في التحريم والرفض، وبعضها موغل مستطرد في الطرح. ولعل من أهم هذه المسائل والقضايا التي يعتريها كل ذلك قضية "الجنس" والكلام عليه وما يثيره في النفس من خجل قد يظهره بعضنا أو يتصنعه بعضنا الآخر، أو لهفة وكأن هناك اكتشافا جديدا أو مفاجأة غير متوقعة. وهذا الشعور ناجم من عوامل التنشئة الاجتماعية والنفسية غير السوية التي ينشأ عليها كثير من الناس منذ نعومة أظافرهم، فضلا عن البيئة المحافظة الغارقة في العيب. فالطفل ينشأ تنشئة انعزالية ترسخ في ذهنه مفاهيم العيب والخطأ مما يؤثر في سلوكه لاحقا، ويؤثر في تعامله مع الجنس الآخر الذي ربما يلتقيه وهو يجهله تماما، ومن ثم ينعكس ذلك سلبا على نمط العلاقة التي تربطه بشريك الحياة ومنها الارتباك الذي يشعر به الطرفان أو أحدهما في بداية الحياة المشتركة بينهما، خصوصا إن كان أحدهما أو كلاهما قد نشئ تلك التنشئة الخاطئة، إضافة إلى استمرار فكرة العيب المسيطرة على الذهن ما يجعل علاقتهما الجنسية نوعا من الروتين الذي يحرمهما دفء البوح الذي يتمتع به سواهم من الناس، ناهيك عن عدم الشعور بالرضا أو الإشباع أو ما يعرف بمرحلة الorgazim (الرعشة الجنسية) التي تحرم منها كثير من النساء في حياتهن الجنسية طوال حياتهن الزوجية نتيجة جهلهن، أو عدم اهتمامهن، أو عدم اطلاعهن، أو نتيجة لحالة مرضية، أو برودهن الجنسي لاسيما من مورس بحقهن جريمة "الختان" البشعة، التي تعني تدمير حياة المرأة الجنسية. هذا من جانب أما من جانب آخر فإن تعبئة ذهن الرجل أو المرأة بموروثات متخلفة عن الحياة الجنسية كعدم إباحة المرأة بحاجتها الجنسية لزوجها وانتظارها تلبية رغبته هو وكأنها كائن لا إحساس له ولا رغبة لديه يحتاج إلى تلبيتها، وعدم محاولتها إبراز إبداعا جنسيا أو التعبير عن رغباتها وأحاسيسها سواء الروحية أو الجسدية كونها قد تكون بفعلها مثار شك من نوع ما.. وهناك من الرجال- مع الأسف- من يظن أن الحياة الجنسية هي ممارسة غريزية تنتهي بانتهاء دوره في العملية الجنسية من دون مراعاة لمشاعر الطرف الآخر، ويتصور أن إشباعه يعد إشباعا لشريكة حياته وهذا بطبيعة الحال غير صائب تماما، فالرجل والمرأة يجب أن يراعيا احتياجاتهما الجنسية معا، ولا نقصد هنا ضرورة التزامن، ولكن الاستمرار يلبي حاجة الطرفين. إن الكبت ومحاولة التضييق على الثقافة الجنسية كركن مهم من أركان الثقافة الإنسانية لا مبرر له ما دام الحديث مباح، ولا يخدش بالحياء، وما حظر الحديث فيه إلا نوع من ممارسة السلطة الدينية التي هي بريئة براءة الذئب من دم ابن يعقوب، وما تعليق التحريم بها إلا نوع من الحديث بمعنوية قائمة على فكرة الثواب والعقاب. [email protected]