بادئ ذي بدء وقبل أن نخوض في دهاليز ما نحن بصدد الحديث فيه من حديثنا الممنوع في قضية الثقافة الجنسية المباح المحظور فإن ما نخوض فيه من قضايا وموضوعات، أيا كان نوعها، لا تنقصه الموضوعية مهما كانت حساسية تناوله مفرطة لدى بعضنا كقضايا السياسة والدين والجنس- الذي نحن بصدده الآن والذي عنيت به الأديان السماوية بما فيها الإسلام عناية لا تقل أهمية عن عنايتها بالعقل، حيث نظرت إليه نظرة تقدير واهتمام كونه غريزة إنسانية ينبغي الرقي بها عن دائرة الممارسات الحيوانية، وذلك من خلال تهذيبها وتوجيهها، وهذا ما لا يتأتي إلا بالثقافة الجنسية من خلال طرح العلاقة الجنسية على بساط النقاش. والسؤال: كم من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تتناول قضايا النساء والعلاقات الجنسية والغسل والعشق بما لا يخدش الحياء، وكان الزواج هو المنفذ الذي ارتضته الأديان السماوية كنافذة لهذه العلاقة، لحكمة تتمثل في تقييد الممارسات الجنسية المشاعة، وربط الممارسة الجنسية بالتناسل، وذلك حتى لا تكون اللذة الجنسية هدفا وحيدا رغم أهميتها ومشروعية العناية بها كونها أساسا من أسس العلاقة الجنسية ولولاها ما كان هناك علاقة جنسية، ورغم جعل الزواج المتنفس الشرعي للعلاقة الجنسية. لم يدع الإسلام الممارسات الجنسية بين الزوجين عشوائية، بل عمل على تنظيمها وربطها بالعبادة من المداعبة والممارسة وموضع الممارسة ((نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم )) حيث راعى الظروف والأحوال التي يرغب فيها الإنسان في قضاء وطره، وترك آلية الممارسة مرهونة بالرجل والمرأة. كما أن الأمر الصريح في الآية – وقدموا- أمر صريح بالمداعبة والملاطفة بين الزوجين لما له من أثر كبير في التقارب النفسي والجسدي بين الزوجين مما يجعل ممارستهما الجنسية أكثر إمتاعا.. وهنا رقي كبير بالعلاقة الجنسية عن الممارسة الحيوانية،(( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وانتم لباس لهن.. فالآن باشروهن وابتغوا من فضل الله )) أليست هذه النصوص القرآنية وغيرها دليلا على العناية بالغريزة الجنسية والاهتمام بالثقافة الجنسية. ولعل في الآية الكريمة (( هن لباسا لكم وانتم لباسا لهن )) تأكيد حميمية العلاقة بين الزوجين حتى كان كل منهما مطلعا على الآخر بكل مكامنه وأسراره حريصا عليه حرصه على نفسه، مراعيا لحقوق شريكه مؤديا لواجباته تجاهه خصوصا الجنسية.. ونحن لسنا هنا في مجال سرد الآيات والأحاديث ولا بصدد تحليل مضامينها وأثرها من الناحية النفسية والاجتماعية على الرقي بالحياة الجنسية وإنما نوردها تأكيدا لطرحنا أن الثقافة الجنسية، وقضية العلاقة الجنسية لا تشغل الناس الآن فحسب، بل هي قضية قديمة شغلت الذهن البشري منذ التقى آدم وحواء وستبقى كذلك حتى يرث الله الأرض ومن عليها. ولكن دعونا نتوقف عند الآية ((.. وقدموا لأنفسكم )) فهي تعبر بشكل لطيف عن ضرورة الملاطفة والمداعبة بين الزوجين قبل الشروع في الممارسة الجنسية لما لها من فوائد جمة، وأثر في الممارسة الجنسية، لا سيما إذا مورست بشكل متقن حيث تسهم في خلق الانسجام النفسي والجسدي بينهما، فضلا عن أثرها في المتعة والإمتاع المتبادل بما يخلق السعادة والرضا لدى الطرفين. إن الثقافة الجنسية تكتسب أهميتها من ارتباطها بحياة الرجل والمرأة وعلاقتهما بعضهما ببعض كونها، وبصرف النظر عن الهدف من إقامتها الرابط الذي تستمر من خلاله علاقة بين رجل وامرأة، ومن ثم أضحت مطلبا ملحا ينبغي الاهتمام به وتضمينه المناهج الدراسية وجعله جزءا من منظومة التعليم في المراحل الدراسية المختلفة لما له من أهمية في تنوير الأجيال بواجباتهم وحقوقهم الزوجية- خصوصا الجنسية المستقبلية- حينما يصيرون رجالا ونساء، وكذا تعريفهم ببعض الأمراض والآفات الناجمة عن الممارسات الجنسية غير السوية مثلا، فضلا عن المفاهيم الجنسية الضرورية كالبرود الجنسي – الضعف الجنسي – العجز الجنسي – العقم وغيرها من المفاهيم الجنسية الضرورية التي يكون الإنسان بحاجة إليها سواء أكان رجلا أم امرأة .. فكم من الناس- مع الأسف الشديد- نتيجة عدم فهمه للحياة الجنسية السليمة وعدم إلمامه بأبجديات الممارسة الجنسية يعاني من أمراض جنسية، ونتيجة عدم وعيه يخيل إليه أنه طبيعي وكم من النساء لا تشعر بالمتعة الجنسية التي تتحدث عنها زميلاتها، وتشعر بالنقص أن تسأل؟ كم من الرجال يعانون ضعفا أو عجزا جنسيا ويتصورون أنهم أسوياء نتيجة لعدم وعي الطرف الآخر الجنسي؟ كم من النساء يعانين برودا جنسيا من دون أن يشعر الطرف الآخر؟ إن كل تلك الأسئلة ليست بحاجة إلى إجابة بقدر ما تضع الوعي الجنسي كضرورة يجب الوعي به، فكون الرجل والمرأة يمتلكان قدرا من الوعي والثقافة الجنسية يخفف كثيرا مما يعانيان منه في حياتهما الزوجية، ويجعل كل منهما يشعر بالآخر، ومن ثم تقل المشاكل التي تنشب بين الزوجين؛ وغالبا ما تكون العلاقة الجنسية هي العامل الرئيس الخفي وراءها نتيجة شعور أحد الطرفين بالاضطهاد الجنسي أو الحرمان، أو أن الطرف الآخر غير قادر على تلبية احتياجاته الجنسية، وإن لم يكن ذلك كذلك ماذا يعني ألا تشعر امرأة بحياتها الجنسية على مدى سنوات زواجها ولم تكن سوى وعاء لزوجها؟ ماذا يعني أن رجلا لم يجد متعة الحياة الجنسية مع زوجته ما اضطره إلى الزواج بأخرى؟ إن الفشل الجنسي ربما هو الفشل الوحيد الذي يمكن وصف الرجل أو المرأة به، فكل فشل في حياة الرجل أو المرأة ليس فشلا مهما كان، ومن ثم يبرز دور الوعي والثقافة الجنسية في فهم الحالة التي يعاني منها الرجل أو المرأة ويدرك أنه يعاني خللا ما في علاقته بشريك حياته، أو أن شريك الحياة يعاني خللا ما في أدائه لوظائفه الجنسية وبهذا يتم التشاور والبحث عن الحلول المناسبة أولا عبر أسلوبهما في ممارسة الحب أو باللجوء إلى الطبيب المختص وهذا بعكس من لا يعلم أبجديات الثقافة الجنسية فإنه يعبر عن ضعفه أو مشكلته الجنسية بأساليب غير ذات جدوى يبرز من خلالها قوته وسيطرته أو يلجأ لاستخدام المنشطات التي غالبا ما تضر به خصوصا إن لم تكن وفق وصفة طبية.. والله من وراء القصد. [email protected] إقرأ الجزء الأول: الثقافة الجنسية.. المباح المحظور.. حديث في الممنوع (1)