قال دريد لحام بألم ومرارة في مسرحية (كأسك يا وطن) وهو يتحدث عن الوضع المتردي للأمة العربية: (اليمن صارت يمنيين)، معبراً بذلك عن مرارة التشطير الذي أصاب يمننا الواحد وهو بالطبع يعبر في موقفه هذا عن كل القوميين العرب، إلا أن هذا الموقف (كان زمان) كما قالت أم كلثوم في رائعتها (لسه فاكر). لا أريد أن أبالغ فأقول أن الموقف السوري اليوم (يدعو للتشطير) لكنه بالتأكيد (لا يمانعه) ويبدو هذا جلياً في نقطتين رئيسيتين. النقطة الأولى انعدام حماسة المسؤولين السوريين في اتخاذ موقف واضح من مطالبات الانفصال الحالية وسنحت لهم أكثر من فرصة للتعبير عن هذا الموقف لعل آخرها في الزيارة التي قام بها مسؤولون في حزب المؤتمر الشعبي العام لقيادات في حزب البعث العربي الاشتراكي. أما النقطة الثانية، وهي الأهم طبعاً، فهو سماح القيادة السورية لعلي ناصر محمد بإطلاق تصريحات لا يمكن أن تصنف إلا تحت بند (الدعوة إلى الانفصال) أو على أقل تقدير (دعم الداعين إلى الإنفصال). وهو موقف إن لم يكن غريباً على علي ناصر محمد فهو بالتأكيد غريب على القيادة (القومية) في سوريا. هل يعود ذلك إلى تغيير عباءة الكثير من (القومجيين) العرب على حد تعريف الدكتور فيصل القاسم –وهو سوري بالمناسبة- فهل لبس القوميون القدامى أثواباً جديدة فرضت عليهم التخلي عن الهدف الأول من أهداف حزب البعث العربي الاشتراكي الذي يردده طلاب سوريا في كل مدارسها يومياً قائلين: (أهدافنا: الوحدة والحرية والاشتراكية)؟! هل من السهل على البلد العربي الوحيد الذي ظل متمسكاً في صمود وإرادة غير عاديين بنهجه القومي العروبي أن يرمي بما كان يؤمن به خلف ظهره؟ ومقابل ماذا؟ لا أدعي أنني أستطيع معرفة ما يريده السوريون من دعمهم لفكرة الانفصال إلا أن هناك مجموعة من الأسباب التي تدل عليها بعض المؤشرات وقد يكون أحد هذه الأسباب أو بعضها أو جميعها هو الدافع وراء الموقف السوري. • السبب الأول: إن المدة الطويلة التي قضاها علي ناصر محمد في سوريا مكنته من تأسيس شبكة قوية جداً من العلاقات وصلت إلى حد مصاهرة شخصيات سورية معروفة. وهذه الشبكة المتينة من العلاقات مكنته من التحرك بثقة في الهامش الضيق الذي يسمح به كونه لاجئاً سياسياً فتجاوز هذا الهامش بلا حسيب ولا رقيب وفي غفلة من عين (الحزب) والدولة. • السبب الثاني: سأبقى شخصياً على ثقة كاملة بتورط كل من بريطانيا والكويت والسعودية وربما أمريكا في المشروع الإنفصالي الذي يتم الإعداد له، ولما كانت علاقة علي ناصر محمد طيبة بالمملكة العربية السعودية فيبدو أن الاختيار قد تم عليه من قبل السعودية لتأدية دور معين أو تقلد منصب تحت ضغوط معينة. • السبب الثالث: وهم النفوذ الذي أعمى جمال عبد الناصر من قبل، فلا شك أن سوريا تتمنى لو أن علي ناصر محمد تقلد منصباً ماً فتستفيد منه بشكل أو بآخر. أوجه لومي وعتابي للأخوة السوريين لأننا نهتم لموقفهم عملاً بالمثل السوري (العتب على قدر المحبة)، فنحن أحرص من السوريين أنفسهم على بقاء سوريا قِبلة الوحدويين وقلعة القوميين، ولا نريد لسوريا أبداً أن تتلطخ سمعتها بدعم الانفصال من قريب أو من بعيد، وأقول للأخوة في سوريا: إذا كان رسولنا العظيم قال (فر من المجذوم فرارك من الأسد) فإننا جميعاً كوحدويين نريد القول (فر من الإنفصال فراراً إلى الأسد) فسوريا (الأسد) كانت وستبقى المحطة الأولى في طريق الوحدة العربية، وكما احتضنت الرئيس الوحدوي القاضي عبد الرحمن الإرياني فإننا نأمل منها التفكير في موقفها من المواقف الانفصالية البغيضة التي يدعو إليها علي ناصر محمد من أراضي سوريا...... الوحدوية إن شاء الله. [email protected]