هدني المرض صبيحة أمس فلم أتابع الأخبار إلا عصراً، ففوجئت بخطاب للرئيس يدعو فيه إلى عودة من في الخارج لأن (الوطن) بحاجة إليهم، والأمر الأكثر غرابة أن أصواتاً في المعارضة قد علت- بما معناه أن كلام الرئيس كلام (مهرجاني) وإن كنت متأكداً أنهم بما يحملون من حقد على فخامته قد شددوا على الراء فأصبحت (مهرّجاني). أما الغرابة في دعوة الرئيس فتكمن في أن فخامته لا يملك الحق في هذا العفو!! إن هذا من حق الشعب أولاً وأخيراً.. من حق أبناء الشهداء.. من حق المتضررين من الحرب التي جُرت إليها اليمن.. وأما الغرابة في موقف المعارضة فتكمن في أنهم كانوا أبعد ما يمكن عن الدفاع عن حقوق الشعب، فبدلاً من أن يقولوا للرئيس: (ليس من حقك أن تعفو)، قالوا: نحن لا نصدقك!! إن العفو عموماً يدل على التسامح والترفع ونبل الأخلاق إلا أن للعفو شروطاً لا بد من تحققها حتى يستقيم. فلا يصح للعفو أن ينتج عن ضعف، وإلا أصبح رضوخاً واستسلاماً، ولا أعرف تماماً ماذا قصد الرئيس بقوله مستثنياً: (إلا من مسّ وحدة الوطن) وهذا ما سمعته في قناة الجزيرة، أما ما تناولته بعض المواقع الالكترونية اليمنية فهو قوله: (إلا من تلطخت أيديهم بالدماء) والفارق بين المقولتين كبير جداً، فالمقولة الأولى يفسرها (البعض) أنها تشمل علي ناصر محمد بحكم أنه (وحدوي)– على الرغم من أن البعض ينسب إليه الأحداث الأخيرة! أما المقولة الثانية فيفسرها (البعض الآخر) أنها تعني (البيض) و(العطاس) اللذان لم تلطخ يداهما بالدم (بشكل مباشر) وتستثني من ذلك علي ناصر محمد!! إن لي رأياً في شأن علي سالم البيض، فعلى الرغم من أنني ضد فكرة عودته لأسباب كثيرة ليس المجال هنا كافياً لشرحها، فأنا ضد ما مارسه البعض في السلطة عن (جهل وغباء) من طمس صورة علي سالم البيض وقصها باستخدام الفوتوشوب– الذي لا نستعمله نحن العرب إلا لإزالة صور الزعماء السابقين أو مونتاج الصور الإباحية. فهذا القص (غير المسئول) أعتبرها أغبى أخطاء السلطة، فمهما فعل البيض فإن هذا لا ينكر له حقه في إنجازه للوحدة خطوة بخطوة، وعلى قدم المساواة مع الرئيس علي عبد الله صالح! حتى لو قال البعض أنه (دخل الوحدة مضطراً) أو (دخلها وفي نيته الانفصال) أو أي تبرير سخيف من هذا النوع، فهذا لا ينكر للرجل حقه في إقامة الوحدة اليمنية، فتحية له على إقامته الوحدة، وتباً له على إعلانه الانفصال. صادفني أثناء بحثي في الإنترنت كتاب اسمه (غرر الخصائص الواضحة) وفيه بعض الأبيات والقصص والأقوال في الفصل الثالث من الباب الثالث عشر وعنوان الباب (في ذم العفو عمن أساء وانتهك حرمات الرؤساء)، فكأن المؤلف (الوطواط) قد عرف بشأن العفو فألف هذا الباب!!! وإليكم بعض مما جاء فيه. أبدأ بمقولة للجاحظ تستحق منا التأمل والتفكر. قال الجاحظ: من قابل الإساءة بالإحسان فقد خالف الله في تدبيره وظن أن رحمة الله دون رحمته فإنه تعالى يقول من يعمل سوءا يجازى به وقال تعالى فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره فجازي على الخير بالثواب والشر بالعقاب. وقال الشاعر: إذا كان حلم المرء عون عدوّه ... عليه فإنّ الجهل أعفى وأروح وفي الحلم صغر والعقوبة هيبة ... إذا كنت تخشى غدر من عنه تصفح وقال أبو الطيب المتنبي: من الحلم أن يستعمل الجهل دونه ... إذا اتسعت في الحلم طرق المظالم لما ولي طاهر بن عبد الله بن الحسين خراسان بعد موت أبيه استؤمر في رجلين أحدهما ضعيف والآخر عليل فوقّع في أمرهما: (الضعيف يقوى والعليل يبرأ فإن يكونا ممن لا يؤمن شرهما فدعهما مكانهما فإن من أطلق مثلهما على الناس فهو شر منهما وشريكهما في أعمالهما). ما أروعها من مقولة، ولاحظوا معي (فإن من أطلق مثلهما على الناس فهو شر منهما وشريكهما في أعمالهما) وكذلك فخامة الرئيس، إن عفا فأفسد من عفا عنهم فهو مسئول عن فسادهم لا هم. وأخيراً قال الشاعر: ما كل يوم ينال المرء ما طلبا ... ولا يسوّغه المقدور ما وهبا وأعجب الناس من إن نال فرصته ... لم يجعل السبب الموصول مقتضبا وأنصف الناس في كل المواطن من ... سقى الأعادي بالكأس الذي شربا فالعفو إلا على الأعداء مكرمة ... من قال غير الذي قد قلته كذبا قتلت عمراً وتستبقي يزيد لقد ... رأيت رأياً يجرّ الويل والحربا لا تقطعن ذنب الأفعى وترسلها ... إن كنت شهماً فأتبع رأسها الذنبا هم جردوا السيف فاجعلهم به جزراً ... هم أوقدوا النار فاجعلهم لها حطبا همسة أخيرة في أذن الجميع علّ من يوصلها لفخامته أو لجهازه الإعلامي .. شاهدت تقريراً للجزيرة عن الاحتفالات (الرسمية) في عدن، لكن العنوان على الشاشة كان: (مراد هاشم – عدن - جنوباليمن)!!! فهل الجزيرة تكتب مثلاً: (حسين عبد الغني – أسوان – جنوب مصر) أو تكتب: (عبد الحميد توفيق – حلب – شمال سوريا)!! تساؤل بريء يبحث عن إجابة أكثر براءة. [email protected]