اليمنيون يعانون: الفقر، الفساد، الغلاء، البطالة، ونقص بعض الخدمات الأساسية؛ فيما ظلت الإلتزامات الحكومية لتلبية تلك الاحتياجات متدنية في ظل الموارد الطبيعية المحدودة.. لكن الأمر اتخذ مؤخراً تفسيراً آخراً مبنياً على ادعاءات ب"التمييز المناطقي"، فصار هناك من يقول أن الفساد في المحافظات الجنوبية وحسب.. وأن الفقر، والبطالة، ونقص الخدمات، والانتهاكات حقوقية لاوجود لها إلاّ في الجنوب.. "نبأ نيوز" تجولت في شوارع المحافظة التي تضم ثلث سكان اليمن- تعز- ووجهت سؤالاً واحداً فقط لكل من التقتهم: هل معانات اليمنيين واحدة- في تعز وبقية المحافظات الشمالية كما في المحافظات الجنوبية والشرقية؟ دعونا نرى إن كان أبناء تعز وبقية المحافظات الشمالية يعيشون في ثراء، وليس بينهم من يشكو من فقر، أو ظلم، أو بطالة، أو انتهاكات حقوقية- كما هو الحال مع المحافظات الجنوبية والشرقية!! 95% يقولون: (نعم) بعد سلسلة لقاءات ميدانية أجرتها "نبأ نيوز"، تبين أن نحو 95 % ممن التقيناهم يجمعون على ان معاناة اليمنيين في كل شبر من أرض الوطن واحدة، سواء في شمال اليمن أم في جنوبه، في شرقه ام في غربه.. في حين قال نحو 5% من الذين شملهم الاستطلاع ان المعاناة والتي يقصد بها (الغلاء– الفقر– الفساد – الرشوة– انقطاع الكهرباء والماء– اغتصاب ونهب الأراضي– غياب الأمن– ضعف القانون– غياب العدالة) هي واحدة ولكن الإحساس بقساوتها في الجنوب يختلف قياسا بالشمال. وارجع هؤلاء السبب الى "طبيعة المواطن في هذه المحافظات التي تربت على النظام واحترام القانون والعيش في هدوء وسكينة وسلام اجتماعي بعيدا عن العنف ومظاهر التسلح، حيث خضعت تلك المحافظات الى استعمار دام زهاء 130 عاما فضلا عن المنهج الذي كان يحكم به الحزب الاشتراكي بعد طرد المستعمر نهاية الستينات". الوحدة ملك الشعب خليل عبد الوهاب– مسئول حزب البعث فرع تعز، قال: أن معاناة المواطنين في اليمن واحدة نتيجة لممارسات السلطة القائمة التي تعتمد على استغلال النفوذ وبسط الأراضي، والديموقراطية الشكلية التي تنتهجها الحكومة بهدف جلب المساعدات الأجنبية.ويرى أن استغلال الأعمال الاحتجاجية للتلويح بالانفصال ورفع الأعلام التشطيرية أمر مرفوض لأنه يستهدف أغلى منجز ثوري هو الوحدة المباركة التي عليها إجماع من كل الشعب لأنها ملك الشعب ولصالح الشعب وليست ملك شخص او حزب أو جهة أو قبيلة لان الأشخاص زائلون أما الوطن باق. غليان في الوقت نفسه يشير خليل، وهو عضو في اللجنة التنفيذية للقاء المشترك المعارض بتعز، الى ان ممارسات مؤلمة من قبل السلطة ضد الجنوب والتي على حد تعبيره ولدت الانفجار والغليان، فالعنف الممارس من أجهزة الأمن ضد المواطنين هناك يولد عنف متبادل ويزيد من حدة الرفض للسلطة والخروج عن المسار السلمي المطلوب، وأنا أتساءل: لماذا اعتقل باعوم ولماذا أفرج عنه؟ فالمعتقلين السياسيين يلقى بهم السجن ثم يفرج عنهم بتوجيه رئاسي ويطلب منهم بعد ذلك تعهدات..! الإحساس بالمعاناة أمين السويدي- فني مختبر- يقول: ان معاناة أبناء الشمال هي نفسها معاناة أبناء الجنوب فالاضطهاد والقمع والظلم والقهر والفقر ونهب الأراضي وغياب الخدمات الأساسية والغلاء والبطالة والفساد كلها موجودة هنا وهناك، ولكن أبناء الجنوب معاناتهم أكثر أو ربما إحساسهم بالمعاناة أكثر نظرا للتربية المدنية التي عرفوها في عهد الاستعمار او في عهد الحزب الاشتراكي فكانت الفوضى والسلوك الهمجي واغتصاب الأراضي وتفشي الرشوة والغلاء امور غريبة وقاسية عليهم فيما أبناء المحافظات الشمالية تعودوا على ذلك السلوك وأصبح عادة يومية في حياتهم نظرا للتركيبة القبلية السائدة أكثر في الشمال. أمر مرفوض ويضيف السويدي: أما إشهار الأعلام التشطيرية للتعبير عن حالة الغليان والرفض للسياسات الخاطئة فذلك أمر مرفوض، لان الوحدة هي أعظم ما تحقق لليمن كله شماله وشرقه وغربه وجنوبه وإذا كان هناك تعبير لحالة رفض ممارسات خاطئة من السلطة فيكون ضد السلطة نفسها ممثلة بالحكومة وليس بالتعرض للثوابت الوطنية التي على رأسها الوحدة المباركة لان الوحدة هي لمصلحة كل الشعب، بل هي الشيء الايجابي الوحيد بعد عام 90م. ولا اعتقد ان وضع اليمن سيكون أفضل بدونها لان الوحدة منحت اليمن قوة وعزة وكرامة وسيادة واستقلال، والعكس سيكون بدونها. ويدعو السويدي أبناء الجنوب للاتحاد مع إخوانهم في الشمال من أجل اسقاط الحكومة والتغيير، وليس إسقاط الوحدة، فالوحدة أمر مفروغ منه بل ولا يجوز الحديث عن الوحدة، ولا حتى الاحتفال السنوي بها لان الاحتفال السنوي بها يعني ان للوحدة أخفاقات أو إنجازات فإذا كان هناك أخفاقات أو إنجازات فهي أخفاقات وإنجازات الحكومة. حكومة واحدة.. معاناة واحدة فيما يرى إبراهيم شرف القدسي– تربوي– أن تجزئة المعاناة حسب الجغرافيا "غير منطقي" على اعتبار ان الوطن واحد والمعاناة واحدة والفساد واحد في كل مكان في اليمن، "لأنه ببساط الحكومة واحدة وفسادها يعم كل المحافظات ويكتوي بناره كل الناس". لكن القدسي يرى في الوقت ذاته ان إخواننا في الجنوب بدى الأمر أكثر قسوة عليهم كونهم عاشوا لسنوات في ظل نظام يحترم النظام والقانون ولم يكن للفساد المالي والإداري والقضائي وجود لان كل شيء كان بيد الدولة. ويستدرك: لكن فيما يخص رفع أعلام التشطير أرى ان ذلك يضعف من حجة الحقوق المطلبية ويعتقد القدسي أن هناك مندسين يسيئون لتلك الفعاليات الاحتجاجية المطلبية التي هي نفس المطالب في كل أنحاء اليمن. في الجنوب معاناة اكثر مراد الكامل– موظف قطاع خاص- يعتبر أن معاناة أبناء المحافظات الجنوبية أكثر من معاناة أبناء المحافظات الشمالية بسبب أن أبناء المحافظات الجنوبية معظمهم كان يعتمد على وظيفة الدولة عكس أبناء الشمال الذين يعتمدون على أنشطة تجارية وزراعية مختلفة، ولهذا كان الوضع قاس جدا على أبناء المحافظات الجنوبية فالرواتب الحكومية مع الغلاء الفاحش لا تفي ليوم واحد ناهيك عن غياب وضعف الخدمات مثل الكهرباء والماء ونهب الأراضي من قبل المتنفذين الكبار وتفشي مظاهر العنف والفوضى أوجد حالة من الغليان التي لم توظف بشكل سليم لصالحهم. كل المشاريع في الجنوب أما عبد الله حسان عبده على– عامل– فله رأي يختلف قليلا حيث يعتبر ان معاناة أبناء الشمال بعد عام 90 م أكثر من معاناة الأهالي في الجنوب كون المشاريع تركزت في المحافظات الجنوبية فيما بقي أهالي المحافظات الشمالية أكثر بطالة وفقرا وخاصة محافظة تعز التي هي أكثر المحافظات سكانا على مستوى الجمهورية وأكثرها كوادر تعليمية وكذلك محافظتي اب والحديدة. ويقول: ومع ذلك وبصرف النظر عن حجم المعاناة سواء في الجنوب ام في الشمال فان ذلك لا يكون مبررا مطلقا لإشهار أعلام الانفصال فالانفصال خط احمر ويجب على الدولة ان تتنبه لمثل هذه الدعوات الباطلة لان ذلك مسئوليتها أمام الله والشعب، ويطالب حسان الدولة الضرب بيد من حديد ضد كل من تسول له نفسه المس بالثوابت الوطنية التي على رأسها الوحدة العظيمة التي هي أغلى منجز في اليمن خلال القرن العشرين. محاسبة الفاسدين طلال البحيري– مهندس– يطالب الحكومة ان تحارب الفساد وتحاسب المفسدين الذين يعبثون بأموال الدولة والشعب لان ذلك هو في مصلحتها دائما، ويضيف: لو قامت الحكومة او البرلمان بمحاسبة فاسد واحد لوفر عليها كثير من الاحتجاجات وغليان الشارع الذي قد يطيح بها.. ويتفق البحيري مع من سبقه في ان معاناة الموطنين واحدة في كل مكان ولكن الاختلاف على حد تعبيره في الإحساس بالمعاناة وان بدا التعبير عنه غير مقبول لأنه يعكس رؤية أفراد ولا يعبر عن 25 مليون إنسان. ختاماً: لا يختلف اثنان أن شعوبا عديدة تتشابه كثيرا في ظروفها الاجتماعية والاقتصادية مع اليمن غير أن هذه الشعوب ومؤسساتها تفرق بين ما هو متغير وبين ما هو ثابت يستحق التضحية والالتفاف حوله مثل الوطن والوحدة والدستور والديموقراطية.. وهذا هو المنطق السائد في ثقافة أبناء تعز.