يبدأ البنك المركزي اليمني من أغسطس المقبل تطبيق آلية جديدة لاحتساب حجم تحويلات المغتربين إلى اليمن، والتي من شأنها تقديم صورة أقرب للواقع لحجم هذه التحويلات وتلافي القصور الذي شاب عملية التقديرات خلال السنوات الماضية. وأوضح مدير عام البحوث في البنك حسين الكاهلي: أن الآلية الجديدة التي سيتم تطبيقها بالتعاون مع صندوق النقد الدولي تقوم على رصد تحويلات المغتربين العينية (الأثاث، الأجهزة.. وغيرها) من خلال تقدير قيمتها من قبل مصلحة الجمارك كون هذا النوع من التحويلات لم تكن تحتسب في السابق ضمن تحويلات المغتربين كما هو جاري في جميع الدول. فيما سيتم احتساب التحويلات النقدية عبر البنوك وشركات ومحلات الصرافة العاملة في اليمن عن طريق استمارات مسح جديدة معدة لهذا الغرض. وحسب بيانات رسمية فقد بلغت تحويلات المغتربين إلى اليمن العام الماضي مليار و410 ملايين دولار بزيادة 89 مليون دولار عن عام 2007م. غير ان تحويلات المغتربين إلى اليمن قد تشهد تراجعا خلال العام الجاري بفعل تأثير الأزمة المالية العالمية التي تضرب العالم أجمع منذ الربع الأخير من العام الماضي وحتى الآن وما نجم عنها من فقدان الملايين لوظائفهم على مستوى العالم وتذبذب مستوى أجور العمال. وكان البنك الدولي توقع في دراسة نشرت مؤخرا في واشنطن، أن تشهد تحويلات المغتربين إلى البلدان النامية تراجعا بنسبة 7.3 بالمائة لتبلغ 304 مليارات دولار 2009م بفعل تأثير الأزمة الاقتصادية العالمية التي بدأت تؤثر فعليا على تحويلات المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية. ولفت إلى أن تحويلات المهاجرين بدأت تشهد جمودا اعتبارا من الربع الأخير من 2008، مع اشتداد الأزمة، كما أفاد البنك الدولي، لكنه لاحظ مع ذلك ان هذه التحويلات غير مهددة، وانها تتراجع بوتيرة أبطأ بكثير من تدفق الاستثمارات الخاصة نحو البلدان الفقيرة. وتصنف اليمن بحسب تقرير دولي ضمن 10 بلدان متلقية للتحويلات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتتراوح مساهمة هذه التحويلات في الناتج المحلي الإجمالي لليمن بين 67 بالمائة، الأمر الذي يوجب على الحكومة الاهتمام بهذا المورد الاقتصادي الهام من خلال تفعيل أداء وزارة شؤون المغتربين لمعالجة ومتابعة أوضاع المغتربين اليمنيين في بلدان المهجر والعمل على استقطاب استثماراتهم إلى اليمن. وتشير إحصاءات صادرة عن الغرفة التجارية الصناعية بأمانة العاصمة إلى أن استثمارات المغتربين خارج اليمن تصل إلى أكثر من 33 مليار دولار، الأمر الذي يحتم على الحكومة جعل عملية استقطاب المغتربين للاستثمار في اليمن على قائمة أجندتها. غير أن عدم قيام الوزارة حتى الآن بالعمل على بناء قاعدة بيانات تحدد عددهم وأماكن توزعهم في بلدان المهجر، يعكس عدم قدرة الوزارة على بلورة المهام المناطة بها بصورة حقيقية. ورغم عدم توفر تقديرات رسمية دقيقة عن حجم المغتربين اليمنيين وأماكن تواجدهم، إلا أن إحصائيات غير مؤكدة تشير إلى أن عددهم يقارب المليوني مغترب. فيما يتحدث تقرير دولي عن 600 الف مغترب فقط يتوزعون في أكثر من 80 دولة. وبحسب خبراء اقتصاد محليون فأن تحويلات المغتربين اليمنيين تبقى واحدة من المصادر الهامة لرفد اليمن بالعملات الأجنبية ، ولهذا تأتي قضية استيعاب دول مجلس التعاون الخليجي للعمالة اليمنية على رأس أجندة الحكومة في مفاوضاتها الرامية للانضمام إلى دول التجمع الخليجي. وتأمل اليمن في أن تفتح دول الخليج أسواقها للعمالة اليمنية والذي من شأنه مساعدة اليمن على مواجهة التحديات الاقتصادية والتنموية في بلد تتجاوز نسبة الفقر 36 بالمائة بين سكانه ونسب بطالة تقارب ال20 بالمائة والأسوأ من ذلك ما تشير إليه دراسة صادرة عن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، مفادها أن سوق العمل اليمني يستقبل ما يتراوح بين 180 200 الف شخص سنويا الأمر الذي يسبب ضغوطا على سوق العمل المحدود في الأصل. وظلت دول مجلس التعاون الخليجي بفعل القرب الجغرافي والقواسم الثقافية والاجتماعية المشتركة ابرز مقاصد العمالة اليمنية الراغبة في البحث عن مصادر دخل أفضل. وحالياً،مثل قرار القمة التشاورية لقادة دول مجلس التعاون الخليجي التي عقدت مؤخرا في الرياض القاضي باستيعاب العمالة اليمنية الماهرة في الأسواق الخليجية خطوة متقدمة باتجاه تعزيز التقارب اليمني - الخليجي الهادف إلى تحقيق غاية اندماج اليمن في المنظومة الإقليمية الخليجية بحلول العام 2015م. وقد بدأت أولى الخطوات بابتعاث الحكومة السعودية لفريق فني من المؤسسة العامة للتدريب الفني والتقني بالمملكة إلى اليمن في نهاية يونيو المنصرم. حيث نفذ الفريق جولة ميدانية استهدفت نحو 11 محافظات يمنية التي تتواجد فيها معاهد وكليات مهنية لتحديد احتياجات اليمن في مجال تأهيل المعاهد الفنية والمهنية وكليات المجتمع,بما يمكنها تأهيل الكوادر المحلية تمهيدا لاستيعابها في السوق السعودية على وجه الخصوص والخليجية بصفة عامة. وتأمل مصادر حكومية في ان تتمكن اليمن من التوقيع على عقد اتفاقات ثنائية مع دول الخليج العربية لاستيعاب 50 ألف عامل يمني سنوياً والذي من شأنه أيضا تصحيح أوضاع المعادلة المتعلقة بضآلة حجم العمالة اليمنية العاملة في الأسواق الخليجية والتي لا تزيد حاليا عن خمسة بالمائة. يذكر أن مجلس الوزراء كلف في مايو المنصرم وزارات التخطيط والتعاون الدولي والخارجية والشؤون الاجتماعية والعمل بالتنسيق مع الوزارات المعنية لإعداد رؤية للتفاوض مع دول الخليج تتضمن، إنشاء إطار مؤسساتي مشترك لمتابعة الترجمة العملية لتوجّهات دول المجلس لتفضيل العمال اليمنيين في الاختيار والتوظيف. وتتركز الرؤية أيضا على تسهيل منح تأشيرات الدخول لليمنيين إلى دول الخليج، لإتاحة الفرصة أمامهم في البحث عن فرص عمل واستثنائهم من نظام الكفيل وإعفائهم من الرسوم المفروضة على تأشيرات استقدامهم ورسوم انتقالهم إلى عمل آخر، وإتاحة الفرصة لهم للعمل في المهن المحظورة على العمال الأجانب الوافدين. كما تشمل تأسيس آلية لتأمين المعلومات بين الجهات ذات العلاقة في اليمن ودول الخليج حول التخصّصات والمهن والمهارات المطلوبة في سوق العمل وتشجيع القطاع الخاص الخليجي على الاستثمار في بناء معاهد متخصصة تستجيب بصورة ديناميكية إلى تطورات أسواق العمل في اليمن والخليج، وزيادة الدعم المقدّم من دول الخليج في تأهيل العمال اليمنيين وتدريبهم. واسند مجلس الوزراء إلى وزارات معنية اتخاذ إجراءات عدة تتمثل في بناء مراكز متخصصة لتأهيل المتدرّبين في مختلف التخصّصات والمهن، وتوجيه المؤسسات التعليمية في اليمن نحو بناء قدرات قوّة العمل بما يواكب احتياجات سوق العمل الخليجية. كما تم تكليف وزارة التخطيط والتعاون الدولي بتحديث الدراسة الخاصة بتشغيل العمال اليمنيين واستيعابهم في أسواق العمل في دول الخليج بصورة مستمرة وإطلاعه على تقارير دورية عن التغيّرات التي تطرأ في القطاعات المختلفة. كما دشنت اليمن منذ مايو الماضي إجراءات عملية تستهدف تحديث احتياجات سوق العمل وتأهيل عمالة يمنية ماهرة تلبي احتياجات السوق المحلية والخليجية ومن ابرز هذه الإجراءات استكمال إعادة تأهيل 64 معهدا متخصصا في التعليم الصناعي والزراعي والتجاري والفندقي والسمكي موزعة على كافة محافظات الجمهورية. وبين تقرير حكومي نشر في ذات الشهر أنه تم تشغيل ستة معاهد من إجمالي 22 معهدا قيد التجهيز حاليا، والتي من شأن هذه المعاهد تأهيل العمالة اليمنية بما يمكنها من الدخول إلى السوق الخليجية بسهولة ويسر.