أعد بنك ساكسو بحثاً عن سوق الذهب العالمي كتبه ديفيد كارسبويل كبير الخبراء الاقتصاديين في البنك قال فيه الآتي: يحقق الذهب حاليا ارتفاعات قياسية جديدة، وفي هذه الأثناء يطرح معظم المراقبين على أنفسهم السؤال التالي: الى أي مدى يمكن أن يرتفع الذهب؟ وما القوة المحركة لهذا الصعود؟ فمن منظور تقني، نحن الآن موجودون في منطقة ليست على الخريطة. واذا نظرنا الى أسعار الذهب الحقيقية، ربما يكون لدينا مجال كبير للتحرك، ومن هذا المنظور يمكن للذهب أن يرتفع مرة أخرى بنسبة 80 في المائة عن مستواه الحالي كي يلامس ذروته التي بلغها سنة 1980، وذلك مع تعديل الأسعار لاحتساب التضخم. عند تحديد موقف معين فيما يتعلق بالذهب، يجب علينا أن نأخذ في اعتبارنا ما يلي كما يقول التقرير: دلائل شائعة على قلة عدد المشترين الهامشيين يشير المضاربون على انخفاض أسعار الذهب الى حقيقة أن أوساط التمويل الشعبية الأميركية تهيمن عليها اعلانات شراء الذهب والتحوط من انهيارات عديدة قادمة في كل شيء، بداية من الدولار الأميركي وحتى النظام المالي والاقتصاد العالمي، أو من هجمات ارهابية وما أشبه ذلك. وهناك آخرون يقولون ان الطلب الشعبي على الذهب أسفر عن نمو صناديق الذهب المتداولة في البورصة حاليا - اذا نظر اليها كدولة - لتصبح خامس أكبر حائز للذهب في العالم. ولكن، ليس واضحا بالنسبة لي لماذا ينبغي أن تحتل المركز الرابع أو الثاني. وللأمانة، أنا أشعر بشيء من القلق تجاه هذا النوع من الدلائل الشائعة؛ لأنها قد تشير الى أننا ربما نشهد نقصا في المشترين الهامشيين. ولكن ما الذي تفعله البنوك المركزية؟ تمتلك البنوك المركزية ما مجموعه 20 في المائة من الذهب الموجود على الأرض، وهي تمتلك حصة أكبر بكثير من هذه عند النظر إلى الذهب من منظور الأغراض المالية (بمعنى استثناء الحُليّ وغيرها). ومن ثم فإن ردود أفعال البنوك المركزية ربما تكون ذات أهمية أكبر بكثير مما إذا كان الناس يقومون بشراء الذهب أم لا. وتشير الدلائل التاريخية إلى أن: 1 - البنوك المركزية لا تحب الذهب؛ لأنه عادة ما يدل على أن البنوك المركزية لم تحسن الأداء. 2 - والبنوك المركزية تميل إلى التصرف على نحو يساير الدورة الاقتصادية procyclical في سوق الذهب (ثمة مثال توضيحي على ذلك هو القرار الأحمق من جانب جوردون براون Gordon Brown ببيع الذهب وهو عند أدنى مستوياته منذ أربعين سنة). فإذا نظرنا إلى الرسم البياني الصادر عن مجلس الذهب والذي يوضح الحيازات الرسمية من احتياطيات الذهب، يتضح لنا أنها ساعدت على مفاقمة أوضاع السوق الانخفاضية بالنسبة للذهب في الفترة بين عامي 1990 و2002 من خلال بيع الذهب، وأنها راكمت الذهب عند الارتفاع الكبير في الأسعار حتى سنة 1973. في ضوء ما سمعنا في الأوقات الأخيرة من حديث أو شائعات أو مزيج من الاثنين بغرض الترويج لإحلال الذهب واليورو محل الدولار الأميركي، فإن رأيي هو أن تراكم الذهب الروسي والصيني مستمر. وهما مستعدان لانتهاء الدولار الأمريكي تدريجيا وعلى المدى الطويل، وهو ما ينبغي أن يكون أمرا إيجابيا بالنسبة للذهب؛ حيث إن الذهب مسعر بالدولار الأميركي. هل عقود ايجار البنوك المركزية متضخمة؟ غير أن هذه ليست الصورة الكاملة؛ فعقود الايجار واتفاقيات القروض تساعد البنوك على استمرارها في ايراد رصيدها من الذهب في ميزانياتها العمومية، مع التأثير - وفي الوقت نفسه - على سوق الذهب في اتجاه سلبي. وفي رأيي أن كثيرا من الذهب، لا سيما في مجلس الاحتياط الفيدرالي وفي بنك انكلترا، تم التخلص منه فعليا، حيث تم اقراضه في مقابل معدل ايجار هزيل. ويقوم المقترضون ببيع الذهب الفعلي في السوق، ومن ثم يضعون حدا للسعر، ويضعون عوائد البيع في أذون الخزانة على سبيل المثال، وقد حققت هذه الأذون دائما عوائد تفوق بكثير معدلات ايجار الذهب. وقد كتب فرانك فينيروسو Frank Veneroso حول هذه القضية المعقدة، وأنا أعتقد أن كثيرا من العوامل تدل على صحة ما ذهب اليه. البنوك المركزية في دول اسكندنافيا من عادتها المكاشفة، وقد طرحت فيما مضى، وذلك في سنة 2002 لو أن ذاكرتي أسعفتني، سؤالين على البنك المركزي الدانمركي عن مقدار ما تم اقراضه من احتياطياته من الذهب (واعترف أن هذه كمية محدودة)، فكانت الاجابة 96 في المائة. وعندما طرحت على البنك السؤال نفسه مرة أخرى في العام الماضي، رفض مسؤولوه الاجابة. فاذا كان للتجربة الدانمركية أي دلالة على ما يجري من ممارسات في البنوك المركزية الأخرى، فليس من الصعب أن ندرك أننا ربما نواجه مشكلة في هذا الشأن. وهناك العديد من التساؤلات التي تطرح نفسها بعد التطور السريع في أسعار الذهب على مدى السنوات الخمس الماضية، وهي كالتالي: 1 – هل عقود الايجار آخذة في التضخم في ضوء الارتفاع الذي يشهده الذهب، بحيث تهيمن الزيادة الرأسمالية على الفرق في العائد المتحقق بين الذهب وأذون الخزانة، وهل هذه زيادة سريعة وهائلة في سباق مثير مع الزمن من أجل أن يصبح رد الذهب الى البنوك المركزية أمرا ممكنا؟ لا ريب أن الأمر يبدو كذلك. 2 – ما أثر المؤسسات المتعثرة- مثل بنك ليهمان- اذا تخلفت عن السداد بعد ضبطها متلبسة باتخاذ مراكز قصيرة في اتفاقيات تأجير ذهب مع أحد البنوك المركزية؟ من الواضح أن الذهب سيكون قد انتهى وسيكون دافعو الضرائب متورطين في مشكلة. ورغم أن البنوك فيما يبدو تواجه مشكلات أكبر بكثير، فانه سيكون أمرا شديد الاثارة أن نعرف أي البنوك كانت داخلة في اتفاقيات تأجير على الجانب القصير، وربما كان لهذا آثار مفاجئة في قرار ما يتم انقاذه وما لا يتم انقاذه. 3 – نتيجة للمخاطر الواضحة المرتبطة بالأسئلة السابقة، هل البنوك المركزية تتوقف الآن عن اتفاقيات التأجير الحمقاء التي تنطوي على تلاعب بالسوق؟ أعتقد أنها توقفت منذ سنوات، وأن ذلك أحد العوامل الرئيسة، الى جانب الانخفاض في سعر صرف الدولار الأميركي، وراء التحرك صعودا. ربما لا تتم الاجابة عن هذه الأسئلة أبدا في العلن، ولكن ربما نقترب قليلا من الحقيقة اذا تجسد «قانون شفافية الاحتياط الفيدرالي» HR 1207 في صورته المقترحة حاليا. فانتظروا مزيدا من المعلومات لاحقا! هل صار الذهب تجارة مناقلة؟ هناك كثير من المضاربين على انخفاض الذهب يقولون إنه من التضليل أن نسمّي الذهب أصلاَ «asset» نظرا لأنه لا يدرّ أي شيء .. «إنما يبقى جالسا حيث هو فحسب». حسنا، وفقا لهذا التعريف، نجد كثيرا من عملات الدول المتقدمة لا ينبغي أن ينظر إليها باعتبارها أصولاً في يومنا هذا. وفي الواقع ان الذهب صار تجارة مناقلة (Carry Trade) وذلك للمرة الأولى منذ سنوات عديدة إن لم يكن لأول مرة على الإطلاق. فمعدل الإيجار لسنة واحدة يبلغ الآن حوالي 60 نقطة أساس، في حين أن معدلات السنة الواحدة للدولار الكندي والين الياباني والدولار الأميركي والدولار السنغافوري ودولار هونغ كونغ جميعها عند مستوى أقل من ذلك! وتكاليف الفرصة البديلة المترتبة على امتلاك الذهب بدلا من هذه العملات لم تصبح تافهة فحسب، بل انها صارت- في حالة كبار المستثمرين المؤسسات- سلبية في الواقع. سوق انخفاضية عمرها 17 سنة في الأسهم؟ سوق صعودية في الذهب؟ عند النظر إلى الأسهم على المدى الطويل، يظهر واضحا أنها تتبع دورات سوقية انخفاضية وصعودية تستمر الواحدة منها 18 سنة، والشيء نفسه ينطبق على الذهب، ولكن ربما بطريقة معكوسة. من اللافت للنظر مدى قوة الارتباط على المدى الطويل بين الأسهم والذهب. فقد هيمنت على عقدي الستينات والسبعينات من القرن الماضي سوق انخفاضية ضعيفة بالنسبة للأسهم وسوق صعودية بالنسبة للذهب، وذلك بعد أن أدت صدمة نيكسون إلى إقفال نافذة الذهب. وأما ثمانينات وتسعينات القرن العشرين فقد هيمنت عليهما سوق صعودية بالنسبة للأسهم وسوق انخفاضية شديدة الضعف بالنسبة للذهب. وأما العقد الأول من القرن الحادي والعشرين فقد هيمن عليه حتى الآن تقلب مفرط في أسواق الأسهم في سوق انخفاضية، وسوقٌ صعودية قوية بالنسبة للذهب. ولعل هذا الوضع يستمر في العقد الثاني من القرن الحالي، وذلك إذا اعتمدنا على قاعدة الثماني عشرة سنة. وحتى الآن كان الاتجاه في سوق صرف الدولار الأميركي داعما بشدة ونحن نتوقع أن يحدث الشيء نفسه خلال العقد المقبل. الذهب كوعاء تحوط من التضخم؟ هناك اعتقاد شائع بأن الذهب ينبغي أن يكون وعاء تحوط من التضخم. وفي رأيي أن هذا الكلام غير دقيق؛ فالذهب وعاء تحوط من عدم الاستقرار؛ فهو يميل إلى الارتفاع في أوقات التضخم غير المتوقع كما في أوقات الانكماش (أو انخفاض حدة التضخم) غير المتوقع. وهذا هو السبب في ارتفاع أسعار الذهب في سنة 1982 وفي الفترة ما بين عامي 1985 و1987. وهو أيضا السبب في أن الذهب يحقق أداء متميزا للغاية في البيئة الحالية التي تشهد فيها الولاياتالمتحدة الأميركية أول انكماش فيها منذ سنة 1955. النتيجة الأخيرة مازال أمام الذهب طريقا طويلا يقطعه، من حيث ارتفاع الأثمان والسنوات التي حدثت فيها الزيادات. وهو في بعض الأحيان يكون متقلبا، فيشهد تراجعات ربع سنوية أو سنوية تتراوح نسبتها بين 30 في المائة و50 في المائة، ولكن الاتجاه العام سيكون أعلى. الهدف على مدى خمس سنوات: 1500 دولار أميركي للأوقية، مما يعني زيادة سنوية بنسبة 7.4 في المائة انطلاقا من المستويات الحالية للمعدن الأصفر.