إنها تعز الحالمة بمستقبل أكثر استقراراً ورخاءً وأمناً وثقافةً بعد أن سلب منها القدر حياتها المدنية وحولها إلى الحياة القروية المتطبعة بطابع البداوة، والمتقمصة منهجية الهمجية والانحراف فخرجت تعز عن العادات والتقاليد المدنية، وعن الهدوء التي التصفت بها وسميت بالحالمة لحلمها وصبرها وعدم جزعها عند الشدائد وكونها تمتلك مخزوناً وافراً من الثقافة والعلم والأدب فقد اكتسبت صفتها من هذا المخزون الوطني وسميت بعاصمة الثقافة والفن اليمني.. ولكن.. وما أدراك ما لكن..! اليوم كيف نرى تعز؟ وكيف ينظر إليها الآخرون؟ وهل حافظت على تاريخها وعلى اسمها الجميل الحالمة؟ تعز كمدينة مكلومة قاتلها أبنائها والضمأ.. وكمحافظة كبيرة وواسعة والأكثر سكاناً وتنوعاً ثقافياً، وسياحياً واجتماعياً يميزها على غيرها من محافظات الجمهورية اليمنية تمشي للوراء بخطوات متسارعة، فالجهل نراه بدأ يبني عشه في مرابعها، والمرض يفرد فراشة في بيوت أهلها.. والجوع يجمع جحافله لغزو سهولها وجبالها ووديانها.. والخوف أطلق عنانه فغزا المدينة والريف فأصبح أبنائها بين قاتلٍ أو مقتول في ظل غياب الضمير وفلتان الأمور واستقوا الفساد وتعديه على العدل وبالتالي ضاعت العدالة بينهم وأصبح المواطن خائف يترقب لا يجرؤ على البوح بما تختزنه نفسه من خوف ومرض وجوع وجهل والذي استحوذ على الغالبية العظمى من أبناء محافظة تعز ليس لأنهم لا يقرؤون ولا يكتبون، ولكنهم متعلمون جهلة. كانت تعز تفاخر بأبنائها وتقول: أنهم الأكثر تحضراً وفهماَ وولاءً للنظام، وللقانون وإنهم قد نبذوا القبلية وأفعال وأقوال الجاهلية، ولكن كانت هذه فعلاً صفات أبناء تعز عندما كانت الأقلام هي بنادقهم ومدادها هو رصاصاتهم فكانت تتفاخر بمدنيتها وتحضرها واحتكامها للشرع والقانون، أما اليوم فيكف هي تعز وكيف أراضيها ومراعيها وسواقيها؟ بكل أسف أقولها: وقلبي يقطر دماً من هول ما اسمعه عن محافظتنا الجميلة وعن مدينتها الحالمة والنائمة بسكون وهدوء جبل صبر المحتضن لها منذ ألاف السنين إنها قد غادرة وغادرة حياتنا معها في سفرٍ يعلم الله مداه فهل هو سفر قصير أم هو سفر بعيد بيعد. فلم تعد تعز تلك المدينة الحالمة أو تلك المحافظة الهادئة ففيها من العجب ما تعجز عن وصفه كل لسان العرب، دماءٌ تسفك في الشوارع وفي الطرق وفي كل مكان من المحافظة قتلة لا يخضعون للقانون وسرقات امتلأت ملفات البحث الجنائي بها قضايا محنطة لا تستطيع الحركة من أثقال القيود التي قيدت بها وكأنها زبرٌ من حديد فكل القضايا تاهت في دهاليز الإدارات المختلفة فلم نرى قضية أُحِيَلَتْ إلى القضاء وحكم بها بالحد المقرر شرعاً وقانوناً، تنمية متعثرة، وشوارع محفرة وأخلاقٌ محتقرةٌ، وتعليم ٌ ضائع ترهقه قترة، ووجوه عابسة عليها غبره، وتناحر بين أحزابها ليس لأجل تعز- وما أدراك ما تعز- ولكنها لأجل مصالحهم الخاصة التي يناضلون من اجلها فيدوسون على كل القيم والمبادئ والعقائد لكي يصلون إلى مبتغاهم حتى ولو كانت هذه المصالح تحت أقدام السفهاء فلا مانع لديهم من إذلال هاماتهم والسجود بين أرجل من لهم مصالح معهم سلطة كانت أو معارضة أفراد أو جماعات دولاً أو منظمات، أما مصلحة تعز فتلك مسألة فيها نظر.. اللهم أحفظ يمننا ووحدتنا من كيد البشر، وشرور أعداء الوطن، وسخر لمحافظة تعز من يخافك ويرحمنا ويعيدُ لها مجدها وقيمتها واسمها المحبب إلى النفس وابعد عنها كل متكبر وخائن لها. [email protected]