شيء ما ينقصنا لمواجهة التحدي الأعظم , ألا وهو تهديد الإرهاب للاستقرار ,شئ ما، لعله أداة مفقودة.. نطالع يومياً التصريحات الصحفية المختلفة من صحف السلطة إلى صحف المعارضة, تصريحات مطمئنة وتصريحات بين صخب من الانفعالات, وكأن شعبنا يصحو، فجأة على أن الأمن والاستقرار يعني درجة متفاوتة من الأهمية لدى هذه الأطراف.. على الجميع أن يدركوا في أعماق وجدانهم أن الاستقرار هو الحياة بكل ماتعنيه الكلمة من معنى, وأن إطلاق الرومان على اليمن تعبير (اليمن السعيد) ليس لفتة أدبية وإنما هو تعبير عن الشرط الحيوي لاستقرار الحياة في بلادنا. ومن هنا سيكون مدخلنا إلى مواجهة التحديات الخطرة التي تقدم الدليل القاطع الذي لاجدال عليه لدعوتنا إلى أهمية أن تعيد السلطة ترتيب أوراقها بكل معاني الكلمة وليس بشكل مجازي أو خطابي. ولن نبالغ إذا قلنا إننا أمام تهديد حيوي لوجودنا المجتمعي والقومي يتمثل بالعنف اليومي الذي يبدأ من المدرسة ويمر بالقبيلة وينتهي عند القاعدة , كل ذلك يتم من خلال مجموعة من اللاعبين وأمامهم مجموعة من المتفرجين, هناك علاقة بين اكتظاظ الطلاب في المدارس وتفاقم العنف, فنحن نشاهد يومياً عنفاً دموياً في مختلف المدارس, حيث تغيب قيم المحبة والتسامح وتحل قيم العنف والكراهية بسبب غياب المساحات الخضراء داخل المدارس وبسبب كآبة الزي المدرسي الذي لايحمل أي قيمة جمالية, فهو عبارة عن قطعة قماش كئيبة أشبه بأزياء المعسكرات، أما المدارس فقد تحولت إلى كتل خرسانية أشبه بالسجون التي تجعل الطلاب يفرون منها، أما القبيلة فقد عاشت خلال وجودها خارج إطار القانون وعدم التزامها أمام الدولة. لذلك نجد القبيلة توفر الحماية للقاتل وقاطع الطريق وللإرهابيين أنفسهم ,فنحن نجد القاعدة في كل أنحاء العالم لاتجد الدعم الشعبي مما يسهل على أجهزة الأمن القضاء عليها, وقد حدث ذلك في المملكة العربية السعودية حينما وقف المجتمع ضد عناصر القاعدة وضيق الخناق عليها , مما جعل هذه العناصر تفر نحو اليمن ونحو مناطق القبائل تحديداً ,لأن هذه المناطق توفر الحماية لمثل هذه الممارسات الشاذة، أما ما يتعلق بالطرف الثالث وهو القاعدة فهذا الطرف يستفيد من المخرجات الخاطئة للمدرسة ومن غياب القانون في حياة القبيلة.. وعلى السلطة هنا أن تلتفت إلى مشروعين في غاية الأهمية, وذلك لوضع حد لما يطلق عليه (غياب المشروع الوطني) أي التقصير في حشد الأجيال الجديدة صوب هدف مشترك يحفز الهمم ويقوي الشعور بالانتماء ويدفع نحو آفاق مستقبلية واعدة , هذان المشروعان هما: التربية والتعليم والثقافة, فنحن ندرك أن المدرسة هي الضمانة الحقيقية لأمن المجتمع, بل لوجوده, وبقدر ما تمنح المدرسة من العناية والرعاية تستطيع أن تؤدي دوراً مهماً في حفظ وحدة المجتمع وقطع دابر العنف والغلو والتطرف وتشجيع مبادرات النمو والتطور والنهوض، والعنف لايمكن مواجهته إلا بالثقافة السليمة التنويرية. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل من يعنيه الأمر؟ لابد من طاقم علمي وفكري يدرك تشابك الوضع واحتياجات الوطن في العمق مع ما تقدمه مرحلة العولمة التي نحياها من تجارب وريادات من نوع جديد خاصة وأننا بلد دفعت به موازين القوى إلى الهامش, قد يكون من المفيد مثلاً التركيز على المشروع الديمقراطي ودراسته من جميع النواحي حتى يكون مشروعنا الذي نصدره ونكسب من خلاله ولابد أن نسلم بأن البناء الديمقراطي الذي ننشده لن يتحقق إلا بالحوار الوطني الجاد القائم على مصلحة الوطن وليس على مصلحة الأفراد والأحزاب ,لأن الوطن في ظروفه الحالية لايحتمل أي نوع من العبث الذي ينتقل بالديمقراطية من المؤسسات الشرعية إلى العنف والقتل وقطع الطريق, وقد قلت مراراً إن الديمقراطية التي ارتضيناها ذات يوم هي وحدها التي يمكن أن تفتح أبواب الأمل أمام المزيد من خطوات الإصلاح السياسي وتحمي الوطن من المخاطر. إن الديمقراطية ليست مجرد لافتات وشعارات وإنما هي منهج للتفكير والسلوك يرقى إلى الالتزام بالضوابط التي تتفق مع قواعد الدستور واحترام سيادة القانون. ولاشك في أن بلوغ الديمقراطية المتكاملة يتطلب مجموعة ضمانات أهمها ضمان أمن المواطن على حياته وحريته وحقوقه ,من خلال شعور بهيبة الدولة وقدرتها على التصدي لكل من يعكر الاستقرار وعدم السماح بأي خروج عن الشرعية والنظام مع إعطاء الناس حقوقهم وعدم السماح بمصادرتها من أي كان ومهما كان ,هذا المشروع نحن معنيون بالحفاظ عليه وتطويره وتسويقه ,فلا يعقل أن تسوق لنا بعض الدول مشاريعها المتخلفة المدمرة ونحن نعجز عن تسويق هذا المشروع التنويري الإصلاحي. علينا أن ندرك أن الوطن ليس مجرد رقعة أرض على خارطة الكرة الأرضية، إنه الإنسان على تلك الرقعة , فالوطن ليس بطبيعته ولا بتضاريسه ولا حتى بحدوده كل هذا من الجغرافيا, فالوطن بالإنسان الذي يكونه، فيكون هويته وخصوصياته ومزاياه، وبالتالي وجوده.. إن الوجود هو الحياة والحياة لاتنبعث من الجغرافيا ,بل من الإنسان الذي يشغلها. من هنا يمكن القول إن الحدث عن شمالي وجنوبي ينطوي على حكم بالإعدام, حكم بعدم وجود اليمن مجتمعاً ووطناً, وعلى السلطة أن تدرك خطر ذلك وتسعى إلى تشخيص المشاكل قبل أن تتفاقم وأن تدير الحوار بشكل هادئ متبصر عاقل مسئول. مشكلتنا في اليمن أننا نساق عبثاً إلى أن نعيش المناطقية , بسبب أخطاء ساهمت فيها الأحزاب السياسية والقوى التقليدية والعصبيات المتنافرة, حيث جعلنا من هذه القوى عصبيات عمياء متناحرة. أخيراً يمكن القول إن السلطة مطالبة بإصدار قانون حول الإرهاب تلتزم به جميع القبائل ومشائخها حتى لايجد القتلة أرضاً تأويهم ولا سماء تحميهم. إن مثل هذا القانون سيضمن خير المواطن ورفاهه ومصالح المجتمع في أمنه واستقراره وتطلعاته, وعلى هذا القانون أن ينص على أن اليمن وطن نهائي لجميع أبنائه, ليس منهم من يقبل عنه بديلاً. أي رؤية مستقبلية نريدها لليمن نختصرها في صورة لوطن يعيش فيه المواطن بسلام في كنف نظام يصون الحريات العامة والخاصة ويقوم على العدالة والمساواة واحترام حقوق الآخرين ويلتزم قواعد الديمقراطية مع احترام مقتضيات التوافق الذي يمليه واقع التعددية في المجتمع.