الجميع يدرك موالاة ومعارضة بأن بلادنا على مفترق طرق خطير وعلى شفا الإنفجار. يد كل يمني على قلبه، أصبح مشدود الفكر والأعصاب، ترهقه الفضائيات بأخبارها الإنتقائية والمواقع الإلكترونية بأخبارها المتضاربة. يعيش يومه بوتيرة قلقة ومضنية، وينتقل بأحلامه بين الأحلام الوردية لثورة الياسمين في تونس وثورة شم النسيم في مصر، إلى كابوس الزنقة الليبية. تتلاحق السيناريوهات في ذهنه عمّا سيكون حال اليمن إذا ما هوى في الفوضى ووصل إلى نقطة اللاعودة. يمننا ذو تركيبة إجتماعية قبلية لا تجيد قواعد اللعبة السياسية وتميل أكثر إلى العصبية والتعصب والتأر والعناد، مجتمعنا مسلح ويعاني من الإحتقانات التي خلفتها الحروب المتتابعة والسياسات الخاطئة، هويتنا الوطنية ضعيفة ومناطقيتنا أكثر حضوراً. شبابنا محبط ولا يعيش المواطنة المتساوية وتكافؤ الفرص، يشعر بالضياع وبفقدان أي بصيص للأمل، ومستعد للرهان على أي شيء فليس لديه ما يخسره فهو يعيش حياة اللاشيء واللاأمل أمناً أم فوضى. مسؤولونا فاسدون يضعون مصالحهم الشخصية فوق كل إعتبار. معارضتنا غريبة الأطوار، متنافرة الألوان، إنتهازية المبدأ وزعاماتها مغامرة لم ولن تلعب دوراً في الإصلاح والبناء بل تكثف ظهورها وحضورها في الأزمات والحروب. أما عن المبادرات والمقترحات واللقاءات والتجاذب والتنافر بين قطبي الحكم في اليمن، فبقدر ما تعطي للناس الخائفين على سلامة هذا الوطن قدراً من الأمل بقدر ما تزيد من مشاعرهم بالإحباط حينما تفشل وتنذر بالتصعيد وتقترب بالبلد من النفق المسدود. هكذا أصبح حال كل يمني خوف، أمل ، هلع ، رجاء ، إستسلام، حيرة، حالة غريبة من المشاعر المتداخلة والمتضاربة حول ماهية القادم. والحالة هذه ليست فقط أثناء اليقظة بل أثناء النوم، فما يشغل البال في النهار يشغله في الليل، فالمسألة مسألة وطن يُبنى ويبقى شامخاً أو يهدم ويعيش ويلات التمزق والشتاب والحروب. وفي خضم هذا الهذيان الذهني، وحالة ما بين اليقظة والنوم فإذا بقناة الجزيرة والعربية وروسيا اليوم وسكاي نيوز وفرانس 24 والبي بي سي والسي إن إن وقناة دبي وكافة القنوات العربية والعالمية توقف برامجها لتبث مباشرة وعلى الهواء بيان هام لفخامة رئيس الجمهورية جاء فيه: بسم الله وباسم الشعب وباسم الوحدة والديمقراطية والأمن والإستقرار. "أيها الشعب اليمني العظيم شعب الحكمة والإيمان إنكم لا ريب تتابعون مجريات الأحداث على الساحة الوطنية والزخم الديمقراطي الفريد الذي يعيشه الشارع اليمني، مما أدى إلى إنقسامه بين مؤيد للسلطة وشرعيتها وبين محتج ومطالب بالتنحي عنها وبطرق سلمية تنم عن حس وطني مرهف رغم تخللها بعض الأحداث المؤسفة. ولا يخفى عليكم بأن هناك مغامرون ومراهقون سياسيون لا يريدون للوطن خيراً فهم تجار حروب وأزمات ويحاولون التصعيد بكل ما أوتوا من قوة وأساليب. ونظراً للمسؤولية الجسيمة التي تقع على عاتقنا كرئيس للدولة وأمام هذا الإنقسام في الشارع بين مؤيد ومعارض، وأمام ما تقتضيه المصلحة الوطنية العليا للحفاظ على الأمن والسلم الإجتماعيين والوحدة الوطنية وتفويتاً للفرصة على العابثين بالوطن وبمقدراته وبمنجزاته وبمن يحلمون بعودة الإمامة والإنفصال أو الخلافة الإسلامية، فقد قررنا ما يلي : - إنني كرئيس للدولة أُنتخبَ من قبل الشعب عام 2006 في إنتخابات حرة وديمقراطية شهد بنزاهتها الجميع. ورغم أن ولايتي الشرعية والدستورية تنتهي عام 2013، إلا أنني وحرصاً مني على المصلحة الوطنية العليا وأمام إنقسام المواطنين بين مؤيد ومعارض وأغلبية صامته، فقد قررت أن أدعو إلى إستفتاء شعبي عام حر وديمقراطي حول بقائي بالسلطة وإنهاء ولايتي الشرعية بموجب الدستور، أو التنحي عن السلطة. على أن يتم هذا الإستفتاء خلال فترة لا تتجاوز الشهرين من إعلان هذا البيان. - إذا أظهرت نتائج الإستفتاء رغبة الأغلبية ببقائي فسأنهي فترتي الرئاسية الأخيرة عام 2013 مع تعهدي بعدم الترشيح لولاية أخرى أو التوريث، وإتمام الإصلاحات السياسية والإقتصادية وترسيخ مبدأ التداول السلمي للسلطة. - أما أذا أظهرت نتائج الإستفتاء عكس ذلك وعبر أغلبية الشعب عن رغبتهم بأن أتخلى عن السلطة، فسأتخلى عن السلطة وأدعو إلى إنتخابات رئاسية مبكرة تكون حرة وديمقراطية تتم قبل 30 ديسمبر من هذا العام 2011." فقت من غفوة النوم هذه على صوت محمد كريشان وهو يقول: "وقد أسفرت المواجهات في ساحة التغيير عن سقوط 70 جريحاً "، فأيقنت أنني كنت في حلم وما زال الوطن على كف عشرين عفريت.