نشر موقع مجلة "فورين بوليسي" الأميركية على الانترنت أمس السبت 7/5/2011، مقالاً كتبه كريستيان كوتس اولريخسين تحت عنوان "ثورة مضادة في الخليج" يقول فيه انه بينما عمت الثورات بعض البلدان العربية التي اخذ سكانها يتنفسون هواء الحرية، فان الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي رصت صفوفها لمكافحة آثار تلك الثورات وصدها بعيداً عنها. وهنا نص مقال اولريخسين نائب مدير برنامج الكويت عن التنمية، والحكم والعولمة في دول الخليج في كلية لندن للعلوم الاقتصادية (لندن سكول اوف ايكونوميكس): "بينما ينعم التونسيون والمصريون بحرياتهم التي اكتشفوها من جديد، واخذوا يشكلون أحزاباً سياسية جديدة ويجرون مناقشات عميقة بشأن مستقبل بلديهم، فان الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي تشهد ثورة مضادة تدفع إلى الوراء ضد الربيع العربي وتكتسب زخماً مضطرداً. ويشدد الحكام المستبدون قبضتهم داخل بلدانهم ويغلقون المجال السياسي في محاولة لعزل مواطنيهم عن ضغوط التغيير التي تجتاح بقية أنحاء الشرق الأوسط. ومن المأمون القول –على الأقل في الوقت الحاضر- أن منطقة الخليج أخذت تصبح أكثر، وليس اقل، قمعاً ما ينذر بعواقب يمكن أن تكون خطيرة على المدى الطويل ليس فقط بالنسبة إلى الملكيات الغنية بالنفط، وإنما أيضاً بالنسبة لحلفائها الغربيين. ويمثل إعلان المملكة العربية السعودية يوم 29 نيسان قيوداً جديدة كاسحة على الإعلام مجرد الحلقة الأخيرة في جهد هدفه الحد من آفاق النقاش السياسي المشروع. يحظر المرسوم الذي أصدره العاهل السعودي الملك عبدالله والذي يعدل قانون النشر الصحافي للعام 2000 على وسائل الإعلام نشر أي شيء يتعارض مع الشريعة الإسلامية أو "يخدم المصالح الأجنبية ويقوض الأمن القومي". ومثل هذا التعريف الغامض، ولكن الذي يمكن أن يكون شاملا، يضيق إلى حد كبير خناق الرقابة الذاتية في المملكة العربية السعودية. وهو يتضمن أيضاً نصوصاً لإغلاق دور النشر وحظر الكتاب الذين ينتهكون المرسوم ويحرمهم من نشر أي مواد في أي وسائل إعلام مدى الحياة. ومع كون القوات السعودية مشاركة في قمع المتظاهرين في البحرين المجاورة على نحو مثير للحساسية فإن وضع هذه الخطوط الحمراء الجديدة إشارة قوية إلى انه لن يجري التسامح مع التقارير الإعلامية المنتقدة أو وجهات النظر المخالفة. وفي آذار الماضي قمعت المملكة العربية السعودية جهداً من جانب مجموعة من المثقفين لتأسيس ما كان سيصبح أول حزب سياسي في المملكة: حزب الأمة الإسلامي، ومن الواضح أن دعوتهم إلى الإصلاح السياسي السلمي أثارت ذعر السلطات، كما يتبين من اعتقال خمسة من المؤسسين بعد أسبوع من ذلك. غير أن موجةً من العرائض – بما فيها إعلان للإصلاحات الوطنية يدعو إلى ملكية دستورية وكذلك "عريضة ضد الإصلاح" تحذر من الليبرالية الزاحفة – توحي بأن المسؤولين السعوديين لم ينجحوا في قمع النقاش الداخلي. وليست المملكة العربية السعودية وحدها التي تقمع الأصوات المعارضة فقد قمع النظامان الملكيان المحاصران في البحرين وعمان التظاهرات بعنف، بينما صعدت الإمارات العربية المتحدةوالكويت الإجراءات القمعية. ولكن الأمر ليس مجرد ردة فعل على الأحداث في تونس ومصر – اذ أن جذور الانطواء السلطوي والانكفاء للداخل كانت مرئية قبل مدة طويلة من اندلاع الربيع العربي. وفي الأشهر الأخيرة من 2010، جوبه السخط الساخن في الكويتوالبحرين بعروض للقوة فظة بصورة غير معتادة. ففي البحرين احتجزت قوات الأمن 20 من نشطاء المعارضة وحقوق الإنسان البارزين قبل الانتخابات البرلمانية في تشرين الأول. وفي الكويت بلغت سلسلة مجابهات بين الأسرة الحاكمة والمعارضة السياسة ذروتها في كانون الأول باستخدام قوات الأمن القوة لتفريق مظاهرة تعرض فيها أربعة من النواب للضرب وأصيبوا بجروح وتوفي فيها مواطن كويتي بعد أن نه عذب وهو محتجز لدى الشرطة في كانون الثاني. لذا فإن درجة لحرارة السياسة في الخليج كانت آخذة في الارتفاع حتى قبل بداية انتشار المظاهرات في الشرق الأوسط. وتبين حالة البحرين، وهي أول بلد خليجي يشهد احتجاجات واسعة النطاق، مدى عمق بعض المظالم الشعبية هناك. وأدى التضخم السريع للاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية في البداية وتحولها إلى حركة عابرة للطائفية الدينية ومطالبة بالإصلاح السياسي الجوهري إلى إثارة ذعر نظام حكم آل خليفة الذي "دعا" قوات سعودية وإماراتية لاستعادة النظام في آذار تحت ستار قوة درع الخليج. وقد صاحب التدخل الأجنبي تصعيدٌ في عمليات القمع، اذ أخذت قوات الأمن في القضاء بصورة وحشية على كل أشكال التمرد على بقاء آل خليفة في الحكم. بل إن الاطباء الذي قاموا بعلاج المحتجين المصابين خضعوا للاحتجاز والمحامين الذين قاموا بتمثيلهم للاعتقال. كما احتجز نشطاء المعارضة وحقوق الإنسان، وقيل أنهم تعرضوا للتعذيب والوفاة في أوضاع غامضة أثناء اعتقالهم لدى الشرطة ومن بينهم احد مؤسسي صحيفة "الوسط" المستقلة الواسعة الانتشار في البحرين والتي أعلنت إغلاقها المتوقع في 2 أيار. وما بدا من اهتزاز لمكانة العائلة الحاكمة في البحرين أثار الرعب لدى حكام الخليج الآخرين، ما دعاهم إلى استخدام القوة ضد المتمردين من مواطنيهم. وتركز معظم تلك الأعمال في دولة الإمارات العربية المتحدة حيث القي القبض على اثنين من المنادين بالديمقراطية، هما ناصر بن غيث، وهو أستاذ الاقتصاد في فرع أبوظبي لجامعة السوربون الشهيرة، وأحمد منصور، الذي أسس منتدى "حوار الإمارات" على الكومبيوتر للأبحاث السياسية. وكان غيث ومنصور من بين 133 من المثقفين الإماراتيين الذين وقعوا عريضة في آذار يطالبون فيها بانتخاب جميع أعضاء المجلس الوطني الاتحادي مباشرة، وإدخال تعديلات دستورية لتحكم سلطاته التشريعية والتنظيمية. ولم يلبث أن تبع عمليات الاحتجاز هذه ملاحقة المنظمات الاجتماعية المدنية. وقامت وزارة الشؤون الاجتماعية في الإمارات بحل مجلسي جمعية المحامين وجمعية المدرسين، وعينت موظفين حكوميين بدلاً منهما. وجاء الدليل المبكر للأثر المذهل لهذه الإجراءات في 2 أيار عندما أصدر أكثر من 200 محام بيان الولاء لحكام الإمارات منددين ب"البيانات الكاذبة" التي أصدرها "أشخاص ضالون ومخدوعون". وزيَن حكام الخليج هذه التكتيكات التعسفية بسلسلة من الخداع الاقتصادي، كالإعلان عن مزيد من الوظائف في القطاع العام، وزيادة الرواتب والمكافآت. وقد أفسحت هذه الخطوات المجال للعائلات الحاكمة مساحة مؤقتة للارتياح. ويتوقع بعض المحللين أن يتطور الوضع إلى شيء يماثل ما جرى في مصر أو تونس. غير أن الدول الخليجية بإغفالها الأبعاد الاجتماعية الحيوية للربيع العربي ورفض تعديل الهياكل السياسية التي يبدو يوما بعد يوم أن الزمن قد عفا عليها، إنما تحاول السباحة عكس التيار في الشرق الأوسط. والتقهقر في أوضاع الخليج يثير تساؤلات حرجة للشركاء الغربيين لهذه الملكيات. فقد تسبب وضع البحرين التي تعتبر حليفاً رئيساً لا ينتمي إلى حلف ال"ناتو" وتمنح الأسطول الخامس الأميركي قاعدة رئيسية في أراضيها، في أن تبقى الولاياتالمتحدة صامتة بشأن ما يجري من أعمال قمع هناك، وهو ما لا يتفق وشعارات الدعم الأميركي للحركات المؤيدة للديمقراطية والحق في الاحتجاج في أماكن أخرى. ولم يقتصر الأمر على صانعي السياسة وحدهم في وضعهم في موقع حرج بسبب أعمال الكبت في الخليج: فجامعات مثل جامعة نيويورك وجامعة السوربون وغيرهما من المؤسسات الغربية مثل "غوغنهايم" استثمرت كثيراً في مشاريع فروعها داخل دولة الإمارات في السنوات الأخيرة. وحتى الآن فإنها على وجه العموم اختارت أن تلتزم الصمت التام بشأن حالات حقوق الإنسان التي تزداد سوءاً، ما يجعلهم عرضة للاتهام بالبلادة أو حتى بالتآمر. فجامعة نيويورك تواجه الآن ردود فعل عنيفة متزايدة من الموظفين والطلبة في ما يتعلق بما إذا كانت مبادئ الحقوق والحريات وأساليب التواصل السياسي التي يتوقعونها من جامعة أميركية تطبق في دول الاستبداد الخليجية. ولا يمكن للمرء أن يتوقع انتهاء هذا التوتر من تلقاء نفسه في وقت قريب. وطالما أن دول الخليج تظل حصوناً للاستبداد في أجواء إقليمية متغيرة بصورة راديكالية، فان الحكومات والمؤسسات الغربية ستظل تجد أنها بين فكي القيم التي تؤمن بها والمصالح التي تسعى إليها. وما لم تدرك العائلات الحاكمة أن عليها اتخاذ إجراءات لحل شكاوى مواطنيها المستعرة اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، فان الانفجار التالي في الخليج يمكن أن يكون أشد.