يجتمع قادة دول مجلس التعاون الخليجي الست (السعودية، قطر، البحرين، الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمانوالكويت) خلال الشهر الجاري لبحث إنشاء اتحاد أوثق بين دول المجلس. عُرضت لأول مرة فكرة تعزيز التكامل الخليجي في ديسمبر 2011 من قبل الملك عبد الله وأبرزه مؤخرا وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل في خطابه الأخير. ويجري الحديث عن إنشاء منطقة اقتصادية خليجية مشتركة بقيمة 1.4 تريليون دولار لحوالي 42 مليون شخص، وكذا التعاون الوثيق والتنسيق في مجال الدفاع والسياسة الأمنية. وفي حين، تبدو هذه الخطوة منطقية في ظاهرها، فإنه من الصعب أن نرى كيف يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي أن تتحد في تكتل. في ضوء الربيع العربي وانعكاساته على منطقة الخليج، من الممكن أن نفهم رغبة المملكة العربية السعودية للمشاركة في إقامة مثل هذا الاتحاد، وخاصة مع ما تشهده البحرين من احتجاجات منذ فبراير 2011. المخاوف الكامنة في البحرين بالنسبة لآل خليفة وحلفائهم من آل سعود في أن ما يجري من احتجاجات مدعومة بشكل أو بآخر من إيران، وذلك باستخدام الأغلبية الشيعية في البحرين ل"تصدير الثورة". في حين لا يمكن العثور على أي دليل يعزز مثل هذا الادعاء (كما جاء في تقرير رئيس اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق القانوني شريف بسيوني)، فإنه لا يمكن إقناع الرياض والمنامة بخلاف ذلك. ولعل هذا ما يفسر اتخاذ المملكة العربية السعودية خطوة مستغربة بإرسال عدة ألاف من القوات السعودية ومجموعة من الأسلحة إلى البحرين لإظهار الدعم والتحدي في مارس 2011. وقد أسهمت الإمارات العربية المتحدة أيضا في هذا الإسناد بالجنود، في الوقت الذي ترددت فيه الكويتوقطر وسلطنة عمان وتغلبت عليها حالة من الغموض. وتجري مناقشة فكرة إقامة شكل من الاتحاد بين السعودية البحرين تمهيدا لاتحاد دول مجلس التعاون الخليجي. ومن شأن هذا الاتحاد الثنائي تسويغ الإجراء العسكري الذي اتخذته السعودية في البحرين، لتمهيد الطريق لاحتمال نشر قوات دائمة من دول "مجلس التعاون الخليجي" في البحرين، وكذا تعزيز النفوذ القوي للسعودية داخل المجلس. ويبدو أن البعض من حكام آل خليفة على استعداد لإقامة مثل هذا الاتحاد تعبيرا عن مخاوفهم المتزايدة. ونظرا لعدم وجود موارد النفط والغاز في البحرين وعمق المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تغذي المشاكل السياسية في البحرين وتصلب الأزمة، فإن هناك مخاوف من عدم إمكان البحرين (على المدى الطويل) المحافظة على كيانه الاقتصادي المستقل. وقد أسندت المملكة العربية السعودية حكام البحرين بدعم كبير، وليس هناك ما يشير إلى إمكانية الانقلاب على هذا الوضع في الوقت القريب. ومن وجهة نظر آل خليفة، إذا كان حكام الرياض ليسوا على استعداد لمواصلة الدعم الاقتصادي من دون تقديم تنازلات سياسية أعمق، مع عدم وجود نهاية في الأفق للازمة السياسية والاقتصادية، فإن تأمين دعم الرياض على المدى الطويل للحفاظ على الوضع قد لا يبدو منطقيا. وبشكل عام، ترى المملكة العربية السعودية في البحرين بلدا غير مستقر سياسيا مع تنامي قلق الأغلبية السكانية الشيعية، لذا فإنه من الأفضل أن تبحث لها عن بديل، خاصة مع امتداد القلق والاحتجاجات للمناطق الشرقية السعودية المجاورة للبحرين، والتي تضم أيضا معظم حقول النفط في المملكة. أما بالنسبة لاتحاد دول مجلس التعاون الخليجي، فإن السعودية حاولت مرارا فرض خط سياسي معادي داخل المجلس تجاه إيران، وفشلت في ذلك، حيث تبنت عمان ودبي وقطر، خصوصا، في كثير من الأحيان سياسات أكثر تصالحا مع طهران وأثار هذا استياء الرياض. وترى السعودية في الاتحاد، والذي يعني في بعض جوانبه سياسة خارجية مشتركة تأسيا بأنموذج الاتحاد الأوروبي، خطوة حاسمة لتعزيز الهدف المركزي السعودي وهو التوحد ضد إيران. حتى الآن، فإنه من الصعب على الرياض إقامة اتحاد خليجي لتوحيد السياسة الخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي، خاصة مع انتهاج قطر لسياسة خارجية شبه مستقلة ما أثار حساسية في العلاقة مع السعودية. وقد تولى حكام قطر مقاليد السلطة في العام 1995، واستغرق الأمر 13 عاما مع عودة السفير السعودي إلى الدوحة في عام 2008م بعد أن غادرها في سنة 2003م، لتدرك الرياض أن قطر دولة ذات سيادة مع سياسة خارجية مستقلة. ومثل هذه الاستقلالية لن يستسلم لها بسهولة، خاصة مع تنامي الدور المحوري للدوحة في المنطقة والطفرة المالية والاقتصادية التي حققتها. وعلاوة على ذلك، ماذا ستكسب قطروالإمارات العربية المتحدة أو الكويت، على سبيل المثال، من اتحاد خليجي؟ فدخل الفرد، مثلا، في قطر الأعلى في العالم، وعليه، فليس ثمة ما تستفيد منه الدوحة من الاتحاد في أي شكل من الأشكال. والأمر نفسه بالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة. كما أن السبب الرئيس لانسحاب الإمارات من مشروع العملة الموحدة لدول مجلس التعاون الخليجي، هو أن الحكام في أبو ظبي رفضوا فكرة تثبيت مقر البنك المركزي في الرياض. بينما تواجه الكويت مشاكلها الخاصة مع تجربتها البرلمانية المثيرة للجدل والانقسام. الشيء الوحيد المؤكد بالنسبة للكويت هو أن أي اتحاد لدول مجلس التعاون الخليجي من شأنه أن يعقد ويفاقم مشاكلها الداخلية المستعصية. عمان، وباعتبارها الأكثر فقرا، قد ترحب ببعض التكامل، حيث ترى فيه إسنادا ضد عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي مستقبلا. وثمة مشكلة أخرى أساسية مع أي تحالف أو اتحاد، هو أن الهيمنة عليه ستكون للمملكة العربية السعودية. جغرافيا السعودية هي أكبر خمسة أضعاف من مساحة جميع دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى معا وعدد سكانها أكبر بحوالي 10 ملايين نسمة. على مدى عقود، تطلعت السعودية، من الناحية الجغرافية السياسية، لقيادة ليس فقط منطقة الخليج، ولكن يمكن القول على نطاق أوسع منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي. وهذا المزيج من التطلعات والمكانة الدينية والتاريخية، يعزز وجهة نظر الرياض أنه "من الطبيعي" أن تأخذ زمام المبادرة في أي اتحاد من هذا القبيل. وسيكون هذا غير مقبول بشكل كبير بالنسبة للكويت وقطر ودولة الإمارات العربية المتحدة، وجميعهم انتهج سياسات مستقلة في السنوات الأخيرة. وعلاوة على ذلك، فإن كل دولة لها سوابق لإجراءات غير ودية مع المملكة العربية السعودية. وأما السبب الأساس في أن التعاون العسكري بين دول المجلس لا معنى له، هو أن الولاياتالمتحدة تضمن الأمن في الخليج. ديفيد روبرتس / نائب مدير المعهد الملكي للخدمات المتحدة لدراسات الأمن والدفاع في دولة قطر