استحوذ مشهد محاكمة الرئيس المصري السابق حسني مبارك الأربعاء على اهتمام المصريين والعرب فبعد أن كان زعيما للعالم العربي لثلاثة عقود بات الآن أول رئيس يحاكم منذ بدء الثورات العربية، التي عرفت إعلاميا باسم الربيع العربي ودخل الى قفص الاتهام على سرير طبي متحرك لحضور الجلسة الاولى في محاكمته. خارج قاعة المحكمة شاهد مصريون على شاشة كبيرة الرئيس السابق الذي تجاوز الثمانين من عمره راقدا على سرير طبي ويزود بالمحاليل وهو ينفي ضلوعه في قتل متظاهرين في الاحتجاجات التي أطاحت به. وقال احمد عامر "30 عاما" وهو موظف في شركة للمياه خارج المجمع الذي توجد به المحكمة "لا أصدق هذا... أن أرى رئيسا يحاكم... لم اتخيل قط. أشعر أن غدا سيكون افضل وأن الرئيس القادم يعلم ماذا قد يحدث له اذا انقلب على شعبه". وتكدس المصريون في المقاهي وعند الأكشاك وفي اي مكان به جهاز تلفزيون لمتابعة المحاكمة. وخفت الحركة المرورية في شوارع القاهرة المزدحمة مع متابعة المصريين للحظات رأوا أن التاريخ يكتب فيها. وخاطب ناشط بحريني يستخدم الاسم المستعار "اونلاين بحرين" الحكام الشموليين الآخرين في العالم العربي قائلا "اعزائي الحكام المستبدين العرب القوا نظرة جيدة على مبارك. كان قويا مثلكم. اذا لم تتغيروا فإن وقتكم ينفد". ويعتقد البعض أن محاكمة مبارك ستلهم محتجين في دول أخرى يحاولون الاطاحة بزعمائهم مثل الرئيس السوري بشار الأسد الذي يقمع احتجاجات على حكمه بالقوة. وقال عماد الدين الرشيد أستاذ القانون الإسلامي الذي فر من سوريا إن المحاكمة تلهم السوريين دون شك وتزيد آمالهم في انتصار قضيتهم من أجل الحرية حتى يروا الضالعين في إراقة دماء السوريين وسرقة ثروات سوريا يقفون في قفص الاتهام. وتزامنت الجلسة الأولى لمحاكمة مبارك مع توغل للجيش السوري في قلب مدينة حماة. وفي اليمن تسمر المحتجون أمام شاشات تلفزيون صغيرة جلبوها إلى خيام اعتصامهم في العاصمة صنعاء. ولم يكن مبارك أول زعيم عربي تطيح به احتجاجات شعبية لكنه أول من يمثل للمحاكمة منهم. وفر الرئيس التونسي زين العابدين بن علي الذي أطيح به قبل مبارك إلى السعودية وتمت محاكمته غيابيا. وتختلف محاكمة مبارك عن محاكمة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الذي أطيح به في غزو قادته الولاياتالمتحدة وليس عقب ثورة شعبية. واذا أدين مبارك فقد يواجه عقوبة الإعدام شنقا غير أن قلة تتوقع هذه النتيجة على الرغم من رغبة بعض المحتجين في هذا. وكان بداخل قفص الاتهام مع مبارك ابناه جمال الذي كان ينظر اليه بوصفه الرئيس القادم وعلاء الذي كانت له مصالح تجارية. ونفى ثلاثتهم الاتهامات الموجهة إليهم وكان الى جانبهم وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي ومسؤولون آخرون. واستنكر البعض محاكمة مبارك وانتقد مستشار حكومي في السعودية إحالة مبارك للمحاكمة وقال "هؤلاء الأغبياء سيدمرون ما تبقى من الدولة المصرية. إنها حفلة تنكرية.. إنها مسرحية مهينة للجميع ولا يوجد ما يدعو للفخر.. والوقت سيثبت ذلك". لكن صور المحاكمة حازت إعجاب بعض المصريين الذين كانوا قد شعروا بالاحباط بسبب الاحتجاجات التي أعاقت حياتهم. وقال علي عبد الله وهو صاحب متجر في منتجع شرم الشيخ الذي كان مبارك يقيم به ثم بأحد مستشفياته بعد تنحيه "كنت أعارض الثورة في البداية. انتقدت الشبان في ميدان التحرير ومن احتجوا. لكن بعد أن رأيت أن جهودهم جاءت بهذا الفرعون الى المحكمة في النهاية يجب أن اقول إنني أحيي الثورة وشباب مصر". وينحي المصريون باللائمة على مبارك في سياسات اقتصادية يقولون إنها زادت الأغنياء ثراء بينما كافح كثيرون من ابناء مصر البالغ عددهم 80 مليون نسمة لإطعام أسرهم. كما غضبوا من قمعه لأي معارضة. وتبادل مبارك الحديث مع ابنيه داخل القفص وكان يرفع رأسه من وقت لآخر ليتابع وقائع الجلسة. ويرى كثير من المصريين أن مرضه حيلة لكسب التعاطف واعتقدوا أن الجيش قد يستغلها لتفادي إحضاره ليمثل شخصيا امام المحكمة. وقال محمد نجيب "32 عاما" في شرم الشيخ "لماذا كان على سرير طبي؟ هل هو عاجز؟ هذا لعب بمشاعر الناس حتى نبدأ البكاء على رجل عجوز". لكن صور الرئيس المصري والقائد العسكري السابق الذي كان يقدم نفسه دائما كأب يحمي الأمة اكسبته بعض التعاطف. وقال خالد حسن "41 عاما" وهو سباك "انا حزين حزين فعلا. في النهاية هو رجل مسن ... يجب أن تكون هناك رحمة. لكن لا يهمني ابنيه يمكنهم أن يفعلوا بهما ما يريدون". وكان مؤيدون ومعارضون لمبارك قد اشتبكوا خارج قاعة المحكمة وتبادل البعض من المجموعتين التراشق بالحجارة. وتدخل المئات من أفراد الشرطة لفض الاشتباكات. ورددت مجموعة صغيرة من الرجال والنساء والأطفال مؤيدة لمبارك هتافات تدعو الرئيس السابق الى ان يرفع رأسه عاليا. "رويترز"