حقيقة قد أكون تأخرت كثيرا للتعليق على المبادرة الخليجية ولكن موقفي كان واضحا في لقائي التلفزيوني في برنامج المشهد في 29 أبريل 2011، حتى من قبل أن تظهر هذه المبادرة على العلن. لكن لا بأس أن نراجع ما ورد في هذه المبادرة، ومدى قدرتها على تحقيق آمال وتطلعات الشعب اليمنى وكذلك إمكانية نجاحها في حل الإشكال الذي حصل نتيجة نزول القوى المعارضة بكافة أطيافها إلى ما يعرف بساحات التغيير. لنراجع الأسس والمبادئ التي نصت عليها المبادرة الخليجية: 1- المبادرة تؤكد على أن الحل هو في الحفاظ على الوحدة اليمنية 2- انتقال السلطة بشكل سلس وآمن يجنب اليمن الفوضى والعنف. 3- إزالة عناصر التوتر سياسيا وامنيا. 4- عدم الملاحقات لكل الأطراف. لنناقش هذه المبادئ في ضؤ التطورات الحاصلة خاصة بعد تشكيل ما يعرف بالمجلس الثوري (أو الوطني أو الانتقالي) سموه ما شئتم لأني شخصيا تهت من كثيرة التسميات في فترة وجيزة. أنا صراحة اسميه "المجلس الى مش عاجبه" أي حاجة.
المجلس الي مش عاجبه لا يرى بُدا من استمرار الوحدة بشكلها الراهن، ويعتبر هذا خروجا عن أهم أساس من أسس المبادرة الخليجية. حيث أننا نرى أطروحات تعيدنا بصورة أو بأخرى إما إلى ما قبل الوحدة أو إلى ما كان سببا في حرب 94. فهناك من يرى من ضرورة تقسيم اليمن كجنوب وشمال ومحاصصة 50% لكل منهما، بمعنى عودة إلى وضع الانفصال. ومثل هذا الطرح يخالف روح المبادرة الخليجية التي جعلت الوحدة اليمنية (اللحمة اليمنية) هي أساس أي حل. كما أن المجلس الي مش عاجبه يطرح الفيدرالية كبديل عن الوحدة الاندماجية. وهذا الخيار طرح قبل ذلك وتسبب في حرب 1994. أي أن طرح كهذا لا يحافظ على الوحدة كما نصت عليها المبادرة الخليجية (الوحدة التي نعرفها نحن ونص عليها دستور الجمهورية اليمنية) كما أن هذا الطرح يضعنا من جديد على شفا حرب أخرى بين قوى الوحدة وقوى الانفصال. حقيقة أنا لا أعرف ما هو الوضع الخاص لأبناء الجنوب ولا لأبناء صعدة الذي يروج له المجلس إلى مش عاجبه. فلماذا أبناء الجنوب ولماذا أبناء صعدة؟! ولماذا لا يكن أبناء حضرموت وأبناء مأرب؟ ولماذا لا يكن أبناء سقطرة.
إذا فالأساس الذي قامت عليه المبادرة الخليجية هو ضمان بقاء الوحدة وكافة المؤشرات التي لحقت هذه المبادرة تقول أن استمرار الوحدة يعتبر من المحال في ضل وجود مجلس مش عاجبه أي حل واقعي ويعمل على إرضاء الأطراف التي معه بشكل لا معقول ويهدد وحدة اليمن. مجلس غلب عليه الكذب والمداهنة وكان يجب عليه اقناع أصحابه بكافة فصائلهم بان الوحدة اليمنية خط احمر على الجميع احترامه. أما أن يجعل من رحيل الرئيس على عدالله صالح هو بداية تنفيذ رغبات انتهازية وانية وضيقة قابلة للنقاش بما فيها وحدة الشعب فيعتبر خيانة للأمة اليمنية.
لذلك على الإخوة السعوديين أن يقنعوا المجلس الى مش عاجبه، بالحفاظ على الوحدة قولا وفعلا وعدم كسب الناس على الأسس الباطلة. بل يجب على هذا المجلس أن يقولها صراحة للشعب اليمنى وللسعوديين هل هو مع الوحدة أم لا، وحسب دستور الجمهورية اليمنية. حيث أنهم يقولون أن المشكلة الرئيس وليس الوحدة.
لنأتي الآن إلى المبدأ الثاني من المبادرة الخليجية الذي ينص على الانتقال السلمي والسلس للسلطة. فالمؤتمر الشعبي يرى أن الطرق الديمقراطية عبر الصندوق هو أسلس وأسهل واسلم طريقة لنقل السلطة. ليس سلطة الرئيس فقط بل سلطات الحكومة والسلطة التشريعية أيضا. واعتقد أن خيار الصندوق خيار معقول وسهل التنفيذ وسهل الضمان من الأشقاء الخليجيين والعالم. ووجود شخص الرئيس لن يغير في النتائج شيء.
أما خيار التصعيد والحسم واغتصاب السلطة من 143 شخص دون أي حق شرعي هو قمة الإسفاف والتحقير لخيار الشعب اليمنى. فعلى الأقل من في مجلس النواب الحالي انتخبهم الشعب. اما ال 143 شخصية فما انزل الله بهم من سلطان غير الوصاية الغير مفهومة.
وكان الاجدر بهؤلاء ال 143 أن يدخلوا فى انتخابات برلمانية وتنافسية كي يكون لهم قيمة وشرعية تمثيلية للشعب. فإذا كان التغير الذى ننشده سيجلب لنا أوصياء وليسوا ممثلين فالعن أبو تغيير.
كما أن انتقال السلطة لا يعنى تغيير أو تبديل شخص الرئيس أو غيره. فالسلطة مجموعة صلاحيات. كما أن نقل صلاحيات سلطة إلى أخرى يتم عبر حوار وتوافق. فلماذا نربط التغيير بوجود شخص قد تنازل أو نقل صلاحياته لنائبه. لماذا الإصرار على الشخصنة. إن الإصرار على الشخصنة وتنحى الرئيس أمر مزعج لكل من انتخب الرئيس أو أيده ويؤدى إلى المكابرة ورفض القادم من الطرف الآخر كائنا من يكون. بل أن التنازل من قبل المؤتمر عن رئيس الجمهورية هو اهانة للمؤتمر حيث اصبح يُفرض عليه من يراسه ومن يكون مرشحه للرئاسة. وبالتالي فإن الإصرار على شكلية انتقال السلطة بتنحي شخص الرئيس وليس بجوهر نقل صلاحياته يعتبر شيء خطير وفيه اهانة بالغة ليس لشخص الرئيس بل لكل من يحب الرئيس.
ولهذا أرى انه على الإخوة السعوديين أن لا يغضبوا جزء من الشعب قد يكون الأغلبية من اجل إرضاء جزء آخر. وبالتالي فالضغط على رئيس الجمهورية في هذا الاتجاه ليس عادلا. فلا يعقل أن من فشلوا في تنحيته بالطرق الديمقراطية يقومون بتنحيته عنوة بالفوضى والشوارعية. لان نهج القوة لن يصيب الرئيس بل كل من لا يعجبهم مستقبلا. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الضغط في هذا الاتجاه قد يجر إلى حرب أهلية لا قدر الله وهذا سيجعل الأساس الثاني للمبادرة الخليجية غير متحقق. فالرئيس اليمنى ليس كأي رئيس، فهو لم يأت من السماء ولم يورث الحكم بل انتخبه الشعب الذي لن يسمح بتخليه عن السلطة خارج الأطر الدستورية.
أما عن الأساس الثالث للمبادرة الذي ينص على إزالة التوتر فأرى أنه يجب المصارحة فيه. فسبعة أشهر في الشارع وحتى ثمانية وحتى 2013، لن يزيد اليمن إلا سوءا وتوترا. وبالتالي ما أسهل أن يعود الجميع إلى بيوتهم ويفسحوا للعمل الدبلوماسي والمؤسسات كي تقوم بواجبها نحو تهيئة الأجواء لانتخابات برلمانية تحت إشراف عربي ودولي، يليها انتخابات رأسية في 2013. فالتوتر هم من صنعوه بالنزول الغير مدروس والغير مبررإلى الساحات وفى غير أوانه رغم أننا كنا داخلين على انتخابات نيابية، ربما أزالت هذا التوتر المصطنع. ولهذا على الأخوة السعوديين أيضا أن يقنعوا المجلس الى مش عاجبه بأن عليه الالتزام بالدستور والانتقال السلمي للسلطة.
إن تجنب حرب أهلية سيوفر لدول الخليج الكثير فبمساعدات 1-3 مليار دولار تسلم إلى السلطة الحالية ستساعد في حل كثير من القضايا وستحسن كثير من الخدمات وستساعد كثيرا في تلطيف الأجواء وتحسين الظروف المعيشية. كما أن ضمان عملية انتخابية ستكلف القليل. أما أن ندخل في معمعة الرحيل وما قد يترتب عليه من مشاكل وتهديم لروح وأسس المبادرة الخليجية سيجعل اليمن ودول الجوار تخسر الكثير. ومثل هذا التغير المخسر الذي حتى الوحدة اليمنية لم تسلم منه لا نريده ويلعن أبو تغيير.
لن أناقش هنا آلية المبادرة الخليجية. فإذا كانت أسس المبادرة في مهب الريح فلا داعي نناقش الآلية. ولهذا أرى أن هناك أساسا واحدا هو عودة الشرعية والمصارحة لجميع الأطراف بأن أسلوب التازيم المصطنع لن ياتى بنتيجة.