وقعت عيني على عناوين إخبارية متناثرة لبعض صحفنا ومواقعنا الإخبارية فاقرؤوا معي مفارقات ما نعيشه؛ الخبر الأول: (قتل خمسة جنود أمريكيين في هجمات بالعراق خلال اليومين الماضيين كما قتل أكثر من 20 عراقياً وجرح العشرات) هنا وعند هذا الخبر تجدر الإشارة إلى أن إحصائية قتلى الأمريكان منذ إعلان انتهاء الحرب في العراق قبل ثلاثة أعوام بلغ أكثر من 33500 قتيل، وإذا ما نظرنا إلى هذا الرقم وقارناه بإحصائية قتلى الأمريكان في فيتنام في الأعوام (67، 68، 69) فسنجد أن تقارب ملموس وواضح في عدد القتلى إذ بلغ عددهم في حرب فيتنام خلال تلك السنوات الثلاث أكثر من 39 ألف قتيل وجرح أكثر من 230 ألف، وما يرجح صحة هذه الإحصائيات الواردة من العراق هو التصريح الذي أطلقه الرئيس بوش في منتصف شهر رمضان من العام الحالي 1427 وهو الشهر الذي سقط فيه أعلى معدلات القتلى الأمريكان وفيه أقر بوش للمرة الأولى عن وجود تشابه بين غزو بلاده للعراق والحرب في فيتنام.. ويقول خبر آخر: (كشف سفير الجامعة العربية بالأممالمتحدة عن أن العرب سيتوجهون للجمعية العامة للأمم المتحدة لإصدار قرار يدين مجزرة بيت حانون، إذا استخدمت واشنطن الفيتو لإسقاط مشروع القرار المنتظر أن يصوت عليه مجلس الأمن اليوم). كنت قد وضعت خطاً تحت كلمة "قرار يدين" ولكني بعد برهة وضعت عشرين خطاً تحت كلمة "إذا". يدعي عمرو موسى في لقائه المتلفز مساء الجمعة أن درس لبنان أثبت أن العرب يمكن أن يجتمعوا معاً لإصدار قرار موحَّد، رغم أن المذيع يكرر عليه دائماً "ولكن بعد ماذا؟ بعد أن تهدمت لبنان" نعم .. بعد أن تهدَّمت لبنان، وشرِّد أهلها، وقتِل أطفالها ونسائها وشيوخها في أبشع مجازر الآلة الصهيونية، وها هو السيناريو يتكرر في بيت حانون مع فارق الصمت الإعلامي الرهيب والخطير على ما يحدث في هذه البقعة من فلسطين والتي خرجت فيها النساء يكشرن بأنيابهن ليخطوا في أجساد المحتل ولو علامة تنبئ عن وجود إنسان مقهور في تلك الأرض لتحرِّك الضمير العربي والإسلامي ولكن دون جدوى .. مازال العرب يريدون إصدار (قرار يدين) مشروطاً في نفس الوقت ب (إذا) في الوقت الذي يطالعنا الخبر التالي: (نظم آلاف من مثليي الجنس ومؤيديهم مسيرة حاشدة في القدس تحت حراسة مشددة من قوات الأمن الصهيونية وكان شعارهم فيها "حب بلا حدود" وقدم المشاركون إلى التجمع حاملين يافطات خط عليها "القدس فخورة وحرة) فعن ماذا أو ماذا سيطالب العرب من الأممالمتحدة؟ هل التصدي لفريق الحب بلا حدود، أم لفريق الدم بلا حدود؟! ما يؤلم حقاً أن الزعماء العرب رغم مخابراتهم التي تستطيع أن تصل إلى الشخص لتعرف بماذا يحلم في منامه لم تستطع أن تنبئهم بما على الأرض من دماء كالأنهار وأصبح تحركهم هو رد فعل لما ينقله الإعلام ويكشف عنه.. فحتى المسيرات الشعبية المنددة أصبحت همًّا مؤرقاً لبعضهم. كل ذلك التردي الرسمي العربي أليس كفيلاً أن يعطي غطاءً شرعياً لأي تنظيمات أو جماعات هنا أو هناك؟.. إذا كان قد عاف هذا التخبط الرسمي العربي حتى أقرب الناس إليه ومنتسبيه كما طالعنا الخبر التالي: (سيف الإسلام الابن البارز للزعيم الليبي معمر القذافي الذي وجه انتقادا علنيا نادرا للنظام السياسي في بلاده في أغسطس/ آب الماضي سيغادر البلاد للعمل في الخارج, دون أن يقدم تفسيرا لرحيله) .. فهل بعد أن يشهد شاهد من أهلها متسع لأي شهادة؟! * كاتب وصحفي www.shahari.net