مازلت أقف مشدوهاً وأنا أسمع بشارات قتل عدد الأمريكان هنا وهناك في العراق أو في أفغانستان، وتتوالى الأخبار وتتصدر أخبارنا ليس كخبر وإنما كبشارة وفرحة وزغاريد تملأ المكان. .. ثم ماذا؟ ثم ماذا بعد أن يسقط اثنان أو ثلاثة أو عشرة قتلى منهم؟ فكم هي نسبة من يقتلون من شعوبنا في مقابل من يقتلون منهم؟ وكم هي نسبة ما يحققونه من تقدم استراتيجي نظير آحادهم أو عشراتهم من القتلى مقابل ما نحن متقوقعون عليه في المربع الصفر مع استشهاديينا أو انتحاريينا أو فدائيينا ومئات وآلاف الشهداء والصرعى والأسرى؟ وكم نسبة توسعهم السياسي والاقتصادي والمالي والفكري الموازي لعملياتهم العسكرية، في مقابل تجمد العمل السياسي وشلل التقدم العلمي الموازي لعملنا العسكري؟ وأقسى من هذا وأفظع كم نسبة المختلفون بين صفوفهم عند مواجهاتهم العسكرية والقتالية أمام ما تحتويه صفوفنا من عشرات الفصائل، والألوية، والكتائب، والأحزاب، والمذاهب، والعقائد والتي تقضي مستقطع أوقاتها واستجمامها في تنفيذ هجمة صغيرة هنا أو هناك ضد من هم ضمن منظومة عمل المقاومة معها إلا أنها تختلف عنها في المذهب والفكر والولاء.. أشك في أن ما يُعرض من أخبار في إعلامنا العربي حول انحدار مستوى ثقة الشعب الأمريكي برئيسه بوش هي محض فبركة إعلامية تكتيكية لتخديرنا أكثر مما نحن عليه من تخدير، وإلا كيف نفسر انخفاض نسبة المعارضين من الشعب الأمريكي لإرسال قوات أمريكية في العراق من 57% معارض إلى 46% في العام 2005 وهو العام الذي زادت فيه إحصائيات القتلى الأمريكان إلى 844 أمريكي مقابل 5 آلاف عراقي بينهم أكثر من 4 آلاف مدني، وتتالى الإحصائيات جميعها على هذا النسق مؤشراتها في صعود من عامٍ لآخر، وبغض النظر عن الدخول في تفاصيل أي الأرقام التي تعرض إعلامياً على حق، فقد تكون لكل جهة توجهاتها الخاصة بها إلا أننا نملك من العين ما نميز به ما يحصل على أرض الواقع دون الحاجة لمؤسسات إحصائية.. نحن نفرح نعم، ويفترض أن نشعر بالسعادة نعم أمام أرقام نشعر فيها أن العدو يتكبد خسائر نتيجة وقوعه فيما أحببنا تسميته مجازاً (المستنقع العراقي) كنوع من إضفاء نكهة الارتياح النفسي والكذب المباح لإذكاء روح الحماس، ولكن ما قيمة الأرقام في حالٍ كهذه، وأمام انكسارات عديدة نطير بها انتشاءً، هل هي القشة التي يتعلق بها الغريق ليصل إلى شاطئ يلقي عليه جسده حتى ولو كان شاطئاً موغلا بالوحل والطين؟ هل وصلنا إلى درجة أن تكون الأمة كلها رأسها كالنعامة مدفونٌ في الرمل؟ فالعهدة إذن ليست على أرقام قتلاهم يا سادة فالقتلى من أي الفريقين هي أساس قواعد لعبة الحرب .. ولكن العهدة يجب أن تكون على ما تحقق من مكاسب على باقي الأصعدة الموازية لهذه الحرب منذ بدأت.. فالحال المشاهد أننا في ذبول وانحدار من سيء إلى أسوأ اقتصادياً، وسياسياً، وفكرياً، وتنموياً .. ولم نحقق شيئاً يذكر أكبر من مصطلح: "جاءنا البيان التالي". [email protected]