لن تنسى عواطف ( 16 عاماً) ذلك اليوم الذي سمعت فيه ان مدرسة جديدة فتحت أبوابها في قريتها بني شعران في مصر والتي تظهر فيها الأمية بشكل جلي, تقول: "جاء شخص الى المنزل يطلب أسماء الأطفال الذين لا يذهبون الى المدرسة, وأعطتهم والدتي اسمي, وشعرت بسعادة كبيرة". كانت حياة عواطف قبل ذلك اليوم موزعة بين العمل الشاق في حقول القمح والبقاء في المنزل. لكن العم فاروق التاجر المسن في القرية تبرع بمبنى قديم يملكه ليكون مدرسة. وبعد 8 سنوات اتسع المبنى من غرفة واحدة الى ثلاث غرف دراسية ينظر اليها أهل القرية باعتبارها استثماراً لقناعتهم بأن تعليم الفتاة من شأنه ان يحدث فارقاً كبيراً في نوعية حياة البشر وأعمالهم. تجربة عواطف بعد ثماني سنوات تبشر بنتائج مبدئية ايجابية لجهود وكالة "يونيسف" التي تبلورت قبل عام حينما أطلقت "حملة تعليم الفتيات بحلول 2005". وقد صدر تقرير "يونيسف" السنوي عن "وضع الأطفال في العالم - 2004" الذي حمل الكثير من الانجازات والكثير من التحذيرات. وبعيداً من الشعارات الجوفاء الشاكية من تعرض النساء للظلم والفقر وغيرها, فإن التقرير أتى بمثابة شهادة بالوقائع والإحصاءات على التباين السائد بين الجنسين, وعلى الثمن الباهظ الذي تدفعه الفتيات وأسرهن ومجتمعاتهن ودولهن نتيجة لاستبعادهن من المدرسة. وتسلم "يونيسف" بإحدى الحقائق المرة, وهي أن أنظار العالم لن تلتفت الى 65 مليون فتاة محرومات من التعليم التفاتها الى نشوب حرب ما, لكن المطلوب - كما توضح المديرة التنفيذية السيدة كارول بيلامي, هو تطبيق نهج التنمية المتعددة القطاعات بناء على حقوق الانسان, وذلك لضمان حق الفتيات في التعليم. ويضيف التقرير ان تعليم الفتيات كأكثر القضايا التي يواجهها مجتمع التنمية الدولي حرجاً, هو أشبه بنداء عمل موجه من 121 مليون طفل خارج المدارس في العالم منهم 65 مليون فتاة. فالتحاق فتاة عمرها 9 سنوات بالمدرسة اليوم من شأنه ان يغير حياتها إذ يتيح لها فرصة التعليم وتعظيم إدراكها لطاقاتها وزيادة ثقتها بنفسها وبمهاراتها الاجتماعية والتفاوضية وقدرتها على الكسب وحماية نفسها من العنف واعتلال الصحة, فإن ظلت أبواب المدرسة مغلقة لتمنع هذه الفتاة من الالتحاق بها, فإن الفجوة بينها وبين المرأة التي كان يمكن أن "تصبحها" ستتسع مع كل شهر يمر وهي خارج منظومة التعليم. وليس من المبالغة القول ان الآثار السلبية لعدم الالتحاق بالمدرسة تكون أفدح بالنسبة الى الفتيات عنها بالنسبة الى الفتيان, ويمتد أثرها إلى الجيل الثاني للفتيان والفتيات. وسواء حصلن على التعليم ام لا, فإن الفتيات أكثر عرضة من الفتيان لمخاطر مرض نقص المناعة البشرية المكتسب (ايدز) والاستغلال الجنسي والاتجار بالأطفال, وتتضاعف تلك المخاطر في غياب المعرفة والمهارات المعيشية التي تتيحها المدرسة. وتدعو "يونيسف" القادة من جميع المستويات في المجتمع الى الآتي: 1- جعل تعليم الفتيات مكوناً أساسيا من جهود التنمية وحماية صلب مبادئ حقوق الانسان وحماية الحقوق المحددة للفتيات. 2- خلق شعور وطني لتعليم الفتيات من طريق حملات توعية جماهيرية كبرى ومحاسبة الحكومات على التقدم في هذا المجال. 3- إلغاء كل التكاليف المدرسية بأنواعها كافة إذ يجب ان يكون التعليم الأساسي مجانياً ومعمماً. 4- إدراج سياسات التعليم في الخطط الوطنية للحد من الفقر وتعميم البرامج العاملة. 5- تأسيس المدارس كمراكز لتنمية المجتمع, وخصوصاً للأطفال في مناطق الصراعات والطوارئ. 6- تكامل الاستراتيجيات المتعلقة بالاستثمار والسياسات التعليمية والمؤسسات مع تلك المعنية بتقديم الخدمات والأطر الفكرية. 7- رفع معدلات التمويل الدولي لمصلحة التعليم بتخصيص نسبة مئة في المائة من الدعم الرسمي للتعليم الأساسي, وينبغي على الدول الصناعية الالتزام بمنح 7,0 في المائة على الأقل من إجمالي الناتج القومي للمساعدات ونسبة 15,0 في المائة على الأقل للدول الأقل نمواً.