عاشت ساحة التغيير أمام جامعة صنعاء يوماً مختلفاً جعل اليمن الخبر الأول في وسائل، ذلك اليوم الذي قررت سلطات صالح فيه استخدام الورقة القمعية التي فشلت قبل ذلك في مصر وتونس.. آلاف العناصر الأمنية تجمعوا منذ مساء الأمس وظلوا يناورون الشباب حتى الفجر، إذ كان الأمن يعتقد أن محاصرة الساحة من جميع مداخلها المتمثلة في أكثر من ستة شوارع رئيسية، سيفرق الشباب على جميع هذه المداخل ويكونوا قلة في المنطقة الرئيسية المقصود اقتحامها، لا جرم إن أصيب بعضهم.. لكنه تفاجئ أن الآلاف من الرجال على جميع المداخل.. فظل يناورهم حتى الفجر أملاً بانخفاض عددهم.. عاشت الساحة ليلة تاريخية للشباب مع الجنود، ففي حين كان الشباب يوجهون خطاباً عاطفياً ووطنياً بمكبرات الصوت وبدونها، ويرددون الهتافات الوطنية والمناصرة للشرطة والجيش.. كان القائم على مكرفون الأمن يردد بين فينة وأخرى عبارات التهديد والاستعطاف والحرب النفسية، ومن غرائب ما قال هذا الضابط، أنه قال (I Love you).! وكان ذلك في جوار سيتي مارت في جولة القادسية.. وكان واضحاً أن المنطقة الأهم التي يريدها الأمن هي جولة القادسية، ومنها يتم التفكير في البقية... فكانت معركة القادسية.. التي واجه الشباب قوات الأمن المدججة بالنار والغاز بصدورهم العارية وأجبروها على الفرار.. ففي حوالي الساعة الخامسة فجراً، أطلقت قوات الأمن المركزي ويقال بوجود وحدات القوات الخاصة، نيرانها وغازاتها باتجاه الشباب الذين أرعبوا الأمن بوقوفهم أمامه منذ المساء، ولم تحركهم كل محاولات الحرب النفسية والتهديدات خطوة واحدة إلى الوراء.. ولما تقدم بقواته من جميع المداخل وسقط المئات من أولئك الواقفين في الصفوف الأمامية خنقاً تحت تأثير غازات الأعصاب والمسيلة للدموع.. تفاجأ بأن الصفوف الخلفية ومن يقيمون في الخيام لا يقلون عزيمةً عمن كانوا في الصفوف الأمامية فواجهوه ببطولة فريدة بهروا فيها قوات الأمن، وبهر كل شاب بينهم الآخر.. وتحولت هتافات التحدي إلى واقع يقول إن من ساحة الجامعة هم شباب اليمن الذي يريد أن يصنع ثورته اللائقة بتاريخه والمخيبة لظن الفاسد، وهم مستعدون للموت فعلاً. أثناء تلك الهجمة كنا نظن أن جولة القادسية وما وراءها باتجاه الدائري سقطت لا محالة، ونتساءل فيما إذا كانت الساحة ستبقى أم لا، خصوصاً أن الغازات وصلت إلى جميع المناطق، والجنود بالآلاف.. لكن الشباب وقفوا بوجه الأمن بالحجارة والعزيمة والإيمان وأعادوه إلى شارع هائل.. من ناحية شارع الرباط حيث كان محدثكم يقف ساعة الاقتحام قبل أن ينقل إلى المستشفى الميداني مختنقاً من أوائل 8 مصابين إلى المستشفى.. ولم يكن الأمن ليتراجع لولا المقاومة الشديدة من قبل المعتصمين، لأن سيطرته على جولة القادسية وكذلك ساحة الفرقة الأولى مدرع كان هدفاً لابد منه، بإمكانه أن يحد من تطور ساحة التغيير، ولهذا كانت العملية كما يرى الكثيرون.. من الناحية السياسية كشفت الحادثة عن أن الشعوب تستفيد من دروس الشعوب الأخرى، لكن الحاكم لا يستفيد من دروس غيره، وهو يعتقد أن خصوصية ما يمكن أن تنقذه، لكنه لم يستفد أيضاً من الهجوم الأمني الأسبوع الماضي في ساحة التغيير وأدى إلى استشهاد نجل عميد في الجيش، وجعل قبيلة همدان تنضم بشكل كلي إلى الثورة.. إذ من الطبيعي أن يؤدي مثل هذا الاعتداء والذي أصاب أكثر من ألف يمني من مختلف المحافظات إلى المزيد من الثورة، والمزيد من الاستقالات من الحزب الحاكم، والمزيد من المنضمين إلى الثوار.. فبعد وأثناء المواجهات على جميع المداخل دامت لساعات وسقط فيها المئات من الجرحى وشهيد من مأرب، حصل صالح على إدانات واسعة داخلية وخارجية، ووصلت العشرات من سيارات الإسعاف من المستشفيات الخاصة وبعضها حكومية تعلن تأييدها للثورة وإسعاف المصابين.. وأثناء ذلك كان العشرات من ضباط الجيش والأمن يعلنون على منصة ميدان التغيير انضمامهم لشباب الثورة، وتأييد مطالبهم.. وكذلك فعل العديد من المشايخ والشخصيات الاجتماعية والحزبية انضمامهم للثوار.. ورفع نفسيات المعتصمين داخل الساحة الذين توقعوا الموت أن وصل الآلاف من الشباب وطلاب المدارس الثانوية لمساعدتهم من شارع الرباط الحصبة ومختلف المناطق، وكذلك وصل وتحولت المأتم إلى عرس والخوف إلى أمن.. وكادت الساحة أن تمتلئ بالآلاف دون موعد أو دعوة.. بالإضافة إلى أن العملية جعلت اليمن الخبر الأول عربياً وعالمياً.. وأخرجت بقية المحافظات اليمنية إلى الشوارع للتضامن مع ميدان التغيير وعلى رأسها مدينتي عدن وتعز.. أمام ذلك عاد الحاكم إلى البلطجة مرة أخرى، ووزع عصابات الحارات على جميع حارات وشوارع الدائري وشارع العدل وتفرعاته محملة بالأسلحة النارية والعصي لمنع الناس من الوصول إلى الجامعة.. وأثناء التقاط "نشوان نيوز" لصورة لتلك العصابات المسلحة قام البلطجية بالاعتداء على المصور وصادروا ذاكرة الكاميرا والتي تحتوي على صور نادرة من ليلة أمس أيضاً.. كل ذلك جعل اليمن أمام مرحلة جديدة، ووضع صالح في المرحلة وزاد الناقمين عليه حسب ما يرى الكثير من المراقبين.. فالبلاطجة الواقفون على الشوارع والذين يعتدون على الناس ثمار فعلهم عكسية، والاقتحام من جديد دليل تخبط.. والأيام القادمة تحبل بمزيد من المفاجأت..