يتطاير الشرفاء من حول الرئيس علي عبدالله صالح مثل تطاير النسيم العليل.. وآخرون يتساقطون عنه كما تتساقط أوراق الخريف. وفقا لتشبيه الرئيس نفسه. لكن عبد الغني الشميري كان أسبقهم جميعا في تقديم استقالته، بل قدمها وصالح في عنفوان جبروته. ويومها، فقط، شعرنا بالامتنان للسياسات الخاطئة التي أجبرت الشميري على إخلاء عهدته من دوامة العته الممض لأن ذلك، ربما، كان سببا في ظهور منبر إعلامي يمني مشرف هو قناة "السعيدة". الشميري الذي ظهر مذيعا في تلفزيون اليمن في النصف الثاني من الثمانينيات بمعية الراحل يحيى علاو مكونيْن ثنائيا دخل إلى قلوب الشارع اليمني ورفض المغادرة. وفي العام 94 كان عبدالغني الشميري يعادل ألوية بحالها، كان جيشا كامل العدة والعتاد وهو يغطي ملاحم ارتفاع علم الوحدة وانتصار ارادة الشعب جنوبا وشمالا، بصرف النظر عن ملابسات الأسباب التي أدت يومها الى الأزمة والحرب إلا أن الشميري كان حلما يتحدى الرصاص ويزف بشائر الخلود لوحدة سكنت أحداق العيون. ومثل سواه، عانى من الإدارة الخاطئة بعد الحرب، وحاول بروحه القوية الناصعة أن يزيح غبار الفوضى ولكنه كان غبارا كثيفا وعنيدا وأرعن. عمل رئيسا لقطاع التلفزيون في عدن ثم في صنعاء تاركا في كلا المرفقين أثرا طيبا وعيونا دامعة لذهابه، ومصارعا أمواج الرغبات الفوقية الرامية، بوعي أو بدونه، لإفقاد الرسالة الإعلامية الرسمية عنصر النبل والأناقة والحصافة.. عمل على تعزيز المؤسسية، وتجديد الدماء، وإيقاف سيل التدخلات المضرة بالمهنية.. وكان رأسه شامخا وصدره يجيش بالشجاعة.. ثم استقال مفسحا الطريق لكي يكمل الغثاء دورته. وكمستشار في قناة السعيدة التي يرأسها شقيقه الدكتور حامد؛ صنع عبدالغني الشميري نموذجا إعلاميا مشرفا خطف الأبصار والألباب والقلوب، وذلك بأقل الإمكانيات، ورغم صعوبات لا تعد ولا تحصى. اليوم، قامت عناصر من الجهاز سيئ الصيت (الأمن القومي) باختطاف الشميري من شارع حدة، واقتياده إلى مكان مجهول.. والنظام بهذا الفعل الإرهابي، غير القانوني وغير المبرر، يثبت أنه ينسج أخر خيوط كفنه، ويدق آخر مسمار في نعشه الضيق. ولسان حاله يقول: "إذا أنت رايح كثّر القبايح".. أما الأستاذ الشميري فلعل لسان حاله الآن ينطق: قالوا سُجنتَ فقلتُ ليس بضائري = سجني.. وأيُّ مهنّدٍ لا يغمدُ؟! كل ما في الأمر أن ثمة حربا على الشرفاء في اليمن، وأن هناك غيظاً وغيرة من أي نجاح خارج مظلة النظام ومباخر السلطة باعتبارها الراعي الرسمي لكل بزوغ منزوع الكرامة.. الأمر وارد بعد رفض الرجل حقيبة الإعلام في حكومة تطبخ حاليا في الكواليس.. ولهؤلاء نقول: كلنا عبد الغني الشميري.. ومهزوم من أمر باختطافك أيها الأستاذ القوي.. مهزوم وفاشل ومفلس ومودِّع. كتبها: عادل الأحمدي