دعوات العلماء واحتجاج الرئيس محمد مرسي وكل ردود الأفعال المتشنجة ليس لها مبرر منطقي لو أنهم حسبوها جيداً.. وما هدف الإساءة إلا إثارة ردود الفعل.. والجريمة التي تدمي القلب وتخجل الإنسان هي قتل السفير الأمريكي في بنغازي.. وإن من فعلوا تلك العملية لا يقلون خطراً عمن أنتجوا الفيلم إن لم يكونوا هم.. إن الإساءة للإسلام أو للنبي صلى الله عليه وسلم لا تفعل بالمسلمين ولا بالإسلام شيئاً، غير أن ردود الفعل التي تقوم بها الجماهير بتحريض من بعض الهيئات والجماعات هي نفسها الإساءة والخسارة، وما جرى في ليبيا لهو أكبر دليل.. ليس بغريب أن تتزامن هذه التطورات والفيلم الذي تم أعداده خصيصاً للإساءة، واقتحام السفارة الأمريكية في ليبيا وقتل سفيرها، مع ذكرى ال11 من سبتمبر التي أعادت أمريكا بعدها رسم خارطة العالم وأحكمت السيطرة على الدول العربية وغيرها من الدول وكذلك مع اقتراب الانتخابات الأمريكية.. غير أن هذا كله لا يبرر على الإطلاق الغباء الأعمى في الانجرار لتحقيق أهداف هذه الحملات أو للإساءة إلى الإسلام والمسلمين.. ماذا نفعل لهم إذا كانوا لا يؤمنون وأظهر البعض حقده، إلا التجاهل والابتعاد عما لا حل له إلا التجاهل.. ولن تعدم الأرض من يسيء إلى الإسلام وإلى الإنسان، لكن الفارق هو أن البعض يختار متى شاء القضايا ويبثها عبر الإعلام ليبتلعها المسلمون بعاطفة عمياء .. لقد مات النبي صلى الله عليه وسلم قبل مئات السنين، بعد أن أدى رسالته رحمة للعالمين، وليس بجديد أن يسيء له أو للإسلام مبطل، ذلك أنه في الأصل، كل من لا يؤمن برسالته يعتبره "كاذبا"، وبالتالي لا جديد أبداً في أن يأتي أي فيلم، إلا أن من يسيطرون على الإعلام الدولي، يصنعون قضايا وهمية للتغطية على أحداث وحقائق يتم صرف الجماهير عنها لأهداف خاصة.. لست مع أي احتجاج أو مسيرة أو حتى صرخة غضب تذهب الناس عن القضايا الهامة، ذلك أن الرسول عليه الصلاة والسلام أوصانا "ألا نغضب".. ومن لم يغضب لمشاهد قتل الأطفال والنساء وأعمال الإبادة في سوريا وبورما وغيرها.. فلا حاجة له أن يغضب أبداً، وليت كان فهمه لمصلحة الإسلام والمسلمين بقدر الغباء.. فخير نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم هي الانتصار للقيم التي جاء بها وعلى رأسها تحريم القتل، ونصرة المظلوم.. إن عملية قتل السفير الأمريكي في بنغازي هي جريمة سوداء يندى لها الجبين الانساني لا علاقة لها بمسلم يؤمن بقيم الإسلام ويدرك مصالح الأمة ومقاصد الشريعة الإسلامية، ولا يباركها إلا جاهل.. وأفضل انتصار للإسلام هو تجاهل الفيلم.. أمريكا دولة تحكم العالم وبيدها الإعلام ، وتعرف كيف تلعب بعواطفه شرقاً وغرباً وتعرف كيف تجعله يفجر نفسه معتقداً أنه قتل أمريكا.. وعليها أن لا تبالغ في ردة الفعل، لأنها تعرف ونحن نعرف ، أن ذلك عمل إرهابي لا يمت إلى الشعوب العربية أو الإسلام بصلة، إلا كما هو حال الجرائم الموجودة في كل المجتمعات والبلدان والتي تتخذ أسباباً مختلفة.. إن الواجب على وسائل الإعلام العربية ألا تنجر أبداً لتناول قضية الفيلم المسيء ولا ردود أفعاله، وعلى جميع المثقفين أن يوضحوا للناس ولبعض الدعاة والعلماء الذين ينجرون وراء هذه الحملات والأهداف المعادية من خلال الدعوة لردود فعل.. ذلك أن لا معنى لوجود الفلم من عدمه، والمؤمن القوي لا يضره من أساء إليه، ولا الإسلام بدين مجموعة نخاف عليه، ذلك أنه دين الحق الذي ارتضاه جبار السموات والأرض وهو عليه خير حفيظ، ولن يضر الإسلام من تأثر سلباً بأي إشاعة أو إساءة.. ولا شيء يضره إلا ردود الفعل الهوجاء، كقتل دبلوماسي معاهد في بنغازي عاصمة الثورة الليبية.. في السابق كانت الرسوم الدنمركية وكان المسلمون يتظاهرون ويغضبون لأجلها، بينما كانت تجري أكبر المجازر لإبادة الشعب العراقي بواسطة الميليشيات الطائفية الإيرانية، التي قتلت مئات الآلاف.. وهاهي سوريا تنزف فيأتي هذا الفيلم لحرف أنظار الناس عن تلك الثورة العظيمة والشعب الشهيد الذي يسطر أروع البطولات في مجابهة إحدى أكبر المنظومات الإرهابية المعادية للإسلام والمسلمين والإنسانية جمعاء.. يقول الله جل وعلا في محكم آياته: "من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا".. ولكم أن تبحروا في هذه الآية العظيمة.. والله المستعان..