لا شك في أن سياسات النظام الحاكم في اليمن بزعامة الرئيس علي عبدالله صالح هي من يتحمل المسؤولية الأولى والأخيرة عن ارتفاع أصوات دعاة انفصال جنوباليمن عن شماله. فمطلب الانفصال غالباً ما يتغذى من تربة الأزمات، وتتناسب حدة المطالبة به طرداً مع فشل النظام في تحقيق العدالة والمساواة بين أبناء الوطن الواحد. ومن المعروف أن منذ حوالى العقدين، اتفق الحزبان الحاكمان في اليمن (الاشتراكي في الجنوب والمؤتمر في الشمال) على أن تكون هناك مرحلة انتقالية تمهد تدريجاً للوصول الى الوحدة الاندماجية الكاملة. وتم بالاستفتاء الشعبي إقرار دستور الدولة الموحدة الذي تضمن مبادئ الديموقراطية والتعددية الحزبية وتداول السلطة. وبالفعل، كانت نتيجة الانتخابات التي أجريت عام 1993، وشارك فيها أكثر من عشرين حزباً، فوز حزبي المؤتمر والاشتراكي، وتشاركهما في السلطة. لكن عام 1994 شكل مفصلاً في مسار هذه التجربة حيث اندلعت المواجهات العسكرية وتم اجتياح الشطر الجنوبي وأقصي الحزب الاشتراكي عن السلطة لمصلحة هيمنة حزب المؤتمر الشعبي بزعامة الرئيس صالح وحلفائه، لا سيما التجمع اليمني للإصلاح. ودخلت اليمن الموحدة مرحلة جديدة تميزت بإعادة صياغة الوضع بما يضمن هيمنة الرئيس اليمني، بل أكثر من ذلك تهيئة الظروف لتوريث نجله، وهو ما تطلب القيام بمجموعة من الإجراءات السياسية والإدارية والاقتصادية، بما في ذلك التعديلات الدستورية، واختيار المسؤولين المناصب الحساسة، لا على أساس الكفاية، بل تبعاً للولاء للنظام، والانتماء العائلي والعشائري. ترافق كل ذلك مع تفاقم الأزمات الاقتصادية واستشراء ظواهر الفساد والفقر والبطالة، ما أدى الى توسيع الشرخ بين النظام والمجتمع، وتفكك جبهة الحلفاء نفسها، وانطلاق تحركات احتجاجية مطلبية وسياسية وصلت الى حد مطالبة الجنوبيين بالانفصال، نتيجة شعورهم بالغبن والتمييز والتهميش بالمقارنة مع أشقائهم الشماليين. في هذا السياق، لا بد من الإشارة، الى الصراع المسلح الدامي الذي نشب منذ حوالى العام بين النظام ومن يطلق عليهم «الحوثيون»، والذي كاد أن يطيح بوحدة شمال اليمن. فإذا كان العنف الوسيلة الرئيسة التي واجه بها النظام اليمني معارضيه، فإنه لم يكن الوحيد: فجرياً على عادة الكثير من الأنظمة، استعان بنظرية المؤامرة الخارجية. وها هو اليوم يعود إلى الأسطوانة المشروخة نفسها، بحديثه عن مؤامرة تدار خيوطها من تل أبيب، وتستهدف زعزعة استقرار المنطقة، متناسياً، أن إسرائيل، تحديداً، قد تكون، من أكثر المتضررين مما تشهده المنطقة من ثورات شعبية وتحولات ديموقراطية. هكذا، وعلى رغم صحة الانتقادات التي يمكن أن توجه لطبيعة بعض القوى السياسية المعارضة وأهدافها، فإن شعار إسقاط نظام صالح، الذي ترفعه اليوم التحركات الشعبية الاحتجاجية في مختلف أرجاء اليمن، شعار صحيح، ليس فقط بسبب الحالة المحزنة التي وصل إليها «اليمن السعيد»، ولا بسبب مشروعية استبدال النظام الاستبدادي، بنظام ديموقراطي، بل أيضاً، لكون ذلك، هو الأمل الوحيد المتبقي للحفاظ على وحدة اليمن.