رغم تفشي الأمية وارتفاع نسبتها في اليمن الشقيق، إلا أن الشعب اليمني أثبت مؤخرا أنه واحد من أكثر الشعوب العربية وعيا. الأمية لا تفضي دائما إلى الجهل.. والجهل ليس في كل الأحوال، لازمة من لوازم الأمية، وليس انعكاسا لها أو مجرد مظهر من مظاهرها كما يعتقد الكثيرون. الجهل لا ينتج إلا عن عملية منظمة لتشويه الإنسان لا على مستوى الوعي وحسب، وإنما على مستوى الوجدان والضمير أيضا. الجهل هو نتاج طبيعي للتجهيل .. والتجهيل عملية منهجية الهدف الأول منها تشويه فطرة الإنسان نفسها. وعندما يلحق التشويه بالفطرة اسوية التي فطرنا الخالق سبحانه وتعالى عليها، يتحول الإنسان إلى كائن مدمَّر ( بفتح الميم ) ومدمِّر ( بكسر الميم ) معا. التشويه الذي يلحق بالفطرة، هو المسئول عن القضاء على ما كل هو جميل وأصيل في طبع الإنسان.. وإنسان بلا جمال ولا أصالة هو مخلوق غير قادر على إنتاج الحب والألفة ، وغير مؤهل لتقبلهما. الجهل يوصل الإنسان إلى فقدان القدرة على التسامح نهائيا، مما يجعله في حالة تحفز دائم لإدانة كل من يختلف معه . وهذا ما يجعل المرء مستعدا لممارسة أقصى درجات العنف النفسي واللفظي، عندما يصطدم مع ما أو من يمكن أن يشكل تحديا لقناعاته. الجهل هو أن تصل القناعات الشخصية - بما فيها تلك المتعلقة بالتفاصيل وصغائر الأمور - إلى مرحلة القداسة . وهذا بالتحديد هو ما يجعل الجاهل عدوانيا بطبعه. الجهل يجعل الإنسان مشحونا بدرجة من الكراهية قادرة على تدميره وتدمير من حوله . وما شاهدناه في يمننا الحبيب يؤكد على أن الشعب اليمني العظيم ، بريء من الجهل وما يفضي إليه من كراهية وتعصب. لقد مارس الشعب اليمني الذي اتهم بأنه يشكل الرافد الرئيس لما يسمى بتنظيم القاعدة، العمل السياسي ضمن أطر فنية وجمالية تعكس مدى رقي هذا الشعب وتحضره . ولعل الأغنية الجماعية التي تم تسجيلها من إحدى الساحات الشعبية وتم بثها على موقع اليوتيوب ، هي أحسن دليل على ما أقول. اليمنيون أثبتوا أن كل ما كان يقال عن جهلهم ، هو محض افتراء.