شهداء بغارات على غزة واستمرار المجازر بمراكز توزيع المساعدات    وفاة 19 فتاة "عاملات قُصّر".. مصر تنعى "شهيدات لقمة العيش"    الرئيس يعزي بوفاة الشاعر فؤاد الحميري ويشيد بمسيرته الحافلة بالعطاء    جريمة بشعة في صنعاء القديمة والضحية فتاة قطع جسدها لاخفاء الجريمة "شهادتان من سكان محليين"    هل يجب على مرضى السكري تناول البيض؟ وما الكمية المسموح بها؟    «الملعب الملعون» يهدد حلم ميسي أمام باريس سان جيرمان    فؤاد الحميري... حين تكون الكلمة وطناً    إصابة 4 مواطنين من أسرة واحدة برصاص مليشيا الحوثي الإرهابية في الضالع    وفاة وإصابة 6 مواطنين بينهم امرأة جراء صواعق رعدية في 4 محافظات    مات فؤاد    يا فؤادنا الذي تركنا نبكي الغياب    أثناء إشهاره إنذاراً.. القبض على حكم في مباراة كرة قدم    - اقرأ ماذا يحدث الآن في مدارس صنعاء الحكومية والأهلية من حزن؟! \r\nمطالبة الوزير الصعدي بسرعة انقاذهم    مفاجأة مدوية.. عرض "زيزو" على ناديين أوروبيين    خطأ شائع في طهي المعكرونة قد يرفع سكر الدم بسرعة    عام على الرحيل... وعبق السيرة لا يزول في ذكرى عميد الادارة الشيخ طالب محمد مهدي السليماني    بيان مهم للقوات المسلحة بعد قليل    الهلال في موقعة نارية ضد السيتي    تحديد موعد اختبارات الدور الثاني للشهادة الأساسية    الجنوب العربي كقوة صاعدة: قراءة استراتيجية في ملامح دولة تتشكل    - دكتور جامعي:صنعاء بدأت الدراسة بالهجري ويطالب بتعديل مسمى الإجازة الصيفي إلى شتوي    الرئيس الزُبيدي والعرادة يؤكدان ضرورة معالجة الأوضاع الاقتصادية في البلاد    كيف حول التحالف الجنوب إلى ساحة للموت البطيء    في الرياض.. نزالات «سماك داون» تمهد «ليلة الأبطال»    غزة مقابل التطبيع.. نتنياهو يناور لإبرام صفقة إقليمية شاملة    سيطرة مدريدية في مدرجات المونديال    دراسة حديثة.. الصوم قبل العمليات عديم الفائدة    "وثيقة".. عدن .. وزارة الداخلية تضع شرطا جديدا للحصول على جواز السفر    اليمن العلماني هو الحل والبديل عن الدولة الطائفية المذهبية    لامين يامال سيخلف فاتي بإرتداء القميص رقم 10    أتلتيكو مدريد يسعى لضم انجيلينو    رغم الهبوط التاريخي.. ليون يتلقى مفاجأة سارة من "اليويفا    تراجع كميات الهطول المطري المسجلة وتوقعات باستمرار التهاطل على أجزاء من المرتفعات    حادث مأساوي يهز مصر.. مصرع 18 فتاة تحت عجلات شاحنة وقود    90 % من مواليد عدن بلا شهادات ميلاد بسبب الجبايات المتوحشة    وصول أبراج المحطة الشمسية الإماراتية المخصصة لشبوة    إلى متى الرضوخ؟    "مسام" يتلف 4620 قطعة من الذخائر ومخلفات الحرب في ابين    صنعاء : تشييع جثمان شيخ قبلي بحضور رسمي كبير    من يومياتي في أمريكا .. أطرش في زفة    ليس للمجرم حرمة ولو تعلق بأستار الكعبة    حواري مع "أبو الهول الصناعي".. رحلة في كهف التقنية بين الحيرة والدهشة    خبير أثار يكشف عرض 4 قطع أثرية يمنية للبيع بمزاد عالمي    الوزير البكري يزور مسجد عمر بن الخطاب في عدن ويستنكر اقتحامه واعتقال إمامه    روسيا.. استخراج كهرمان بداخله صرصور عمره حوالي 40 مليون سنة    الحثالات في الخارج رواتبهم بالدولار ولا يعنيهم انهيار سعر الريال اليمني    عدن تشتعل بالأسعار بعد تجاوز الدولار حاجز 3 آلاف ريال    حقيقة "صادمة" وراء تحطم تماثيل أشهر ملكة فرعونية    التكتل الوطني يحذر من تفاقم الأوضاع ويدعو الرئاسة والحكومة لتحمل مسؤولياتهما    عن الهجرة العظيمة ومعانيها    من الماء الدافئ إلى دعامة الركبة.. دراسة: علاجات بسيطة تتفوق على تقنيات متقدمة في تخفيف آلام الركبة    طرق الوقاية من السكتة القلبية المفاجئة    من يدير حرب الخدمات وتجويع المواطنين في عدن؟    فعالية ثقافية في مديرية السخنة بالحديدة إحياءً لذكرى الهجرة النبوية    العيدروس يهنئ قائد الثورة ورئيس المجلس السياسي بالعام الهجري الجديد    تحذير أممي من استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية والإنسانية في اليمن    صنعاء .. البنك المركزي يوقف التعامل مع 9 منشآت وشركات صرافة وبنك وشبكة تحويل أموال خلال يونيو الجاري    كيف تواجه الأمة واقعها اليوم (4)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دراما اليمن

الثورة اليمنية هي أطول الثورات العربية زمنا، فقد بدأت عقب نجاح الثورة المصرية الأول في خلع مبارك، واتصلت فصولها إلى الآن في دراما باسلة متصلة، ومصممة على بلوغ أهدافها في خلع عائلة صالح، والتقدم إلى دولة ديمقراطية في يمن موحد .

أكثر الأشياء إثارة في ثورة اليمن هو تفوقها الأخلاقي، وعدم اللجوء لمقابلة العنف بالعنف، برغم أن اليمن بطبيعته مخزن سلاح هائل، فالسلاح زينة الرجال في اليمن، والوضع السكاني يغلب عليه التوزيع القبلي، ونظام صالح لا يتورع عن إقامة المذابح، ورغم كل هذه الظروف المغرية بمقابلة السلاح بالسلاح، ظل العنوان الرئيسي للثورة اليمنية سلميا صافيا، ووفيا بامتياز لأصل التكتيك الرئيسي للثورات العربية المعاصرة، وهو الاحتشاد السلمي المتصل في ميادين التغيير بالمدن الكبرى والصغرى، والتجديد في أساليب الاحتشاد، ودفع دواعي اليأس بعيدا عن القلوب والضمائر، وإلى أن تتحقق الأهداف، مهما طال الزمن، ومهما عظمت التضحيات.
وربما تكون المرأة الشابة توكل كرمان هي العنوان الساطع لثورة اليمن المعاصرة، ليس بسبب منحها جائزة نوبل للسلام بالمشاركة مع سيدتين ليبيريتين، فأنا لا أحب هذه الجائزة، ولا أطيق سيرتها، وقد منحت من قبل لمناحم بيجين سفاح الصهيونية الأشهر، وقيمة توكل كرمان ليست في نيلها للجائزة بالمشاركة، بل أن السيدة توكل هي جائزة في حد ذاتها، وتعبير عن يقظة النساء في مجتمع يوصف بالتخلف الاجتماعي التاريخي، وأمثالها بالآلاف في ساحات التغيير والتحدي، وبرغم أن توكل بنت لحزب الإصلاح اليمني، فإن أفكارها تبدو أكثر تطورا بمراحل من حزبها المحافظ بشدة، وفد خلعت عنها نقابا بدا متزيدا، وارتدت حجابها المميز، وسكنت في خيمتها الزرقاء بميادين الثورة، وبدت شروحها للإسلام وقضايا الثورة والتغيير أكثر نضجا من كلام مشايخ الذقون الثقيلة .
نعم، توكل كرمان عنوان مناسب لصمود الثورة اليمنية، كلامها الواثق، وحيويتها الشابة، ونظرة عينيها المتفائلة بالآتي، وصبرها المعتصم بنصر الله الذي وعد به جنوده المخلصين، كل ذلك وغيره جعل توكل كرمان أيقونة ثورة، وناطقة ضمير باسم عذاب اليمن وثورته معا، صحيح أنها لا تتحدث باسم حزب، وأنها أقرب لنسيج القيادات الشابة التي صنعت الثورة، وتنفر من تثاقل الأحزاب، لكنها أي توكل لا تقيم شقاقا في غير موضع، ولا تفرط في شئ من معنى الثورة، ولا تخرج عن الروح التلقائية المتحدية لشباب الثورة، وهم بطبائع الأمور أكثر حيوية من أحزاب اللقاء المشترك المساندة للثورة، وأعظم تصميما على خلع عبد الله صالح وعائلته، ومحاكمتهم كمجرمي حرب وناهبي ثروات، وبث روح جديدة في الجزيرة العربية توقظها من سباتها الأثيم .
ولا يصح لأحد أن يستهين بمبدأ 'السلمية' في تحرك الثورة اليمنية، فسلمية التحرك ضمان لسلامة الثورة، وعاصم من انزلاقها إلى حرب أهلية مفتوحة، والحروب الأهلية قد تخلع نظاما، لكن تكاليفها أفدح من إنجازاتها، فأي حرب أهلية، وفي بلد كاليمن لا قدر الله، سوف تستدعي بالضرورة تدخلا من خارج الحدود، وصدام الحوثيين مع قوات صالح ليس ببعيد، واستدعائه للتدخل السعودي المسلح لا يزال حيا ماثلا في الأذهان، ولم تكن النتيجة لصالح اليمن، ولا لصالح إنصاف الحوثيين، ولم تصل الحرب إلى غير الخراب المستعجل، ففي الحروب الأهلية تتحول الأوطان إلى غنائم للآخرين، وعلى طريقة ما جرى في ليبيا، والتي انحرفت الثورة فيها إلى اختيار السلاح ردا على دموية القذافي، فدخل الأجانب على الخط، وصاروا شركاء في ملكية ليبيا، وأضاعوا استقلالها الأول برغم رفع علم الاستقلال، وقد تكون ليبيا كسبت معركة الخلاص من القذافي، لكنها انتهت إلى مأزق لا نريده لأي بلد عربي، ولا لليمن بالطبع، خاصة أن اليمن مثقل بأوجاع إضافية لم تكن قائمة في ليبيا، فقد كان القذافي ديكتاتورا مجنونا نهب ثروة ليبيا، وترك غالب أهلها للفقر والعوز، لكن ليبيا ظلت بلدا موحدا بلا مخاطر تفكيك أو انفصال، وعلى العكس بالضبط مما جرى في اليمن تحت ديكتاتورية صالح، فقد تحول الكيان اليمني إلى دولة فاشلة تتناوشها مخاطر التفكيك في كل اتجاه، وكانت الثورة اليمنية المعاصرة خشبة خلاص وعنوان توحيد، واحتوت نزعات العنف في الشرق الحوثي والحراك الجنوبي، وصهرت الجميع في تحرك ثوري سلمي، وبالعنوان الجامع لليمن الموحد الديمقراطي العادل، وهو ما يعني أن مبدأ السلمية ليس مجرد تكتيك أنجح لكفالة انتصار الثورة، بل أن السلمية في حالة اليمن ضمان لوحدة التكوين اليمني، وإعادة بناء كيان الدولة بما يدفعها بعيدا عن دواعي التفكيك، ولإقامة تداول سلمي منظم للسلطة، وإغلاق ملف الحروب الأهلية .
نعم، الثورة اليمنية هي الطريق لصهر اليمنيين في وحدة لا تنفصم عراها، فقد توحد اليمن شماله وجنوبه بقرار سياسي ورضا شعبي، ثم جرت حرب أهلية لردع الانفصال في الجنوب، وظلت جمرة النار متقدة تحت الرماد، وصنعت ميلا مجددا لانفصال، وبأسباب مظالم نظام صالح، والتي أنهكت اليمن في مجمله، وأنهكت الجنوبيين أكثر، والفضيلة الكبرى للثورة اليمنية أنها جمعت مظالم اليمنيين جميعا في قبضة يد، لمت شتات النفوس، وخلقت شعورا موحدا هو القاعدة النفسية الأصلب لوحدة الكيان اليمني، وما من إمكانية لبناء على وحدة الشعور بغير شرطين، أولهما: الحفاظ على سلمية التحرك الثوري في عمومه، وثانيهما: التقدم إلى بناء نظام ديمقراطي يتحرى العدالة والإنصاف، بينما اللجوء إلى السلاح يفرق وحدة القلوب، ويلطخ المبادئ بالدم، وهنا تبدو المعادلة اليمنية غاية في التعقيد والحرج، فنظام صالح يلجأ إلى سلوك دموي وحشي.
ويستثير أعصاب القوى الثورية والعناصر المساندة لها، ويرغب في دفعها إلى التورط في الخطأ الدموي، وهو ما قد يصح أن نحذر منه، وأن تحذره الحكمة اليمنية التي نثق بسلامة أحكامها، أضف إلى ذلك حذرا من طلب التدخل الدولي بدعوى الحماية، خاصة أن المتدخلين المفترضين لهم نوايا ومصالح معروفة، وليس من بينها حرصا من أي نوع على استبقاء وحدة اليمن، ولا على تمكين ثورته من بناء الدولة الديمقراطية العصرية الموحدة، بل أن المصالح إياها تجري على العكس بالضبط، فأمريكا مع بقاء نظام صالح إن أمكن لذلك سبيلا، ومع حماية صالح من محاكمة لاحقة إن لم يكن لرحيله من بديل، وما يسمى 'المبادرة الخليجية' ليس إلا سلوكا سعوديا بتوكيل من واشنطن، فالرياض تخشى من نجاح حقيقي لثورة اليمن، وتريد إدخال اليمن في نفق مظلم، تريد أن تتوقى ثورة السعوديين بطمس إلهام ثورة اليمنيين، تريد تعميم ظلام الحرب الأهلية، وإطفاء نور الثورة اليمنية، وجعل صنعاء عاصمة للخراب بدلا عن كونها عاصمة للثورة .
' كاتب مصري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.