مفاجأة وشفافية..!    تحرك نوعي ومنهجية جديدة لخارطة طريق السلام في اليمن    الدوري الايطالي ... ميلان يتخطى كالياري    "هذا الشعب بلا تربية وبلا أخلاق".. تعميم حوثي صادم يغضب الشيخ "ابوراس" وهكذا كان رده    فوضى عارمة في إب: اشتباكات حوثية تُخلف دماراً وضحايا    شاهد.. شخص يشعل النار في سيارة جيب "جي كلاس" يتجاوز سعرها مليون ريال سعودي    القوات الجنوبية تصد هجوم حوثي في جبهة حريب وسقوط شهيدين(صور)    عاصفة مدريدية تُطيح بغرناطة وتُظهر علو كعب "الملكي".    الدوري المصري: الاهلي يقلب الطاولة على بلدية المحلة    الحوثيون يطورون أسلوبًا جديدًا للحرب: القمامة بدلاً من الرصاص!    أفضل دعاء يغفر الذنوب ولو كانت كالجبال.. ردده الآن يقضى حوائجك ويرزقك    بعد فوزها على مقاتلة مصرية .. السعودية هتان السيف تدخل تاريخ رياضة الفنون القتالية المختلطة    بلباو يخطف تعادلًا قاتلًا من اوساسونا    نهاية الحوثيين : 4 محافظات تُعلن تمردها بكمائن قبلية ومواجهات طاحنة !    كوابيس أخته الصغيرة كشفت جريمته بالضالع ...رجل يعدم إبنه فوق قبر والدته بعد قيام الأخير بقتلها (صورة)    إطلاق سراح عشرات الصيادين اليمنيين كانوا معتقلين في إريتريا    أطفال غزة يتساءلون: ألا نستحق العيش بسلام؟    الاحتجاجات تتواصل في الحديدة: سائقي النقل الثقيل يواجهون احتكار الحوثيين وفسادهم    شاهد:ناشئ يمني يصبح نجمًا على وسائل التواصل الاجتماعي بفضل صداقته مع عائلة رونالدو    مصر تحمل إسرائيل مسؤولية تدهور الأوضاع في غزة وتلوح بإلغاء اتفاقية السلام    احتكار وعبث حوثي بعمليات النقل البري في اليمن    بالفيديو...باحث : حليب الإبل يوجد به إنسولين ولا يرفع السكر ويغني عن الأطعمة الأخرى لمدة شهرين!    المبيدات في اليمن.. سموم تفتك بالبشر والكائنات وتدمر البيئة مميز    السلطة المحلية بمارب: جميع الطرقات من جانبنا مفتوحة    هل استخدام الجوال يُضعف النظر؟.. استشاري سعودي يجيب    سلطة صنعاء ترد بالصمت على طلب النائب حاشد بالسفر لغرض العلاج    توقعات بارتفاع اسعار البن بنسبة 25٪ في الاسواق العالمية    مقتل شاب برصاص عصابة مسلحة شمالي تعز    اختتام دورة مدربي لعبة الجودو للمستوى الاول بعدن    قل المهرة والفراغ يدفع السفراء الغربيون للقاءات مع اليمنيين    اليمن يرحب باعتماد الجمعية العامة قرارا يدعم عضوية فلسطين بالأمم المتحدة مميز    القيادة المركزية الأمريكية تناقش مع السعودية هجمات الحوثيين على الملاحة الدولية مميز    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل الأمني بمحافظة أبين    في لعبة كرة اليد: نصر الحمراء بطل اندية الدرجة الثالثة    أمين عام الإصلاح يعزي رئيس مؤسسة الصحوة للصحافة في وفاة والده    مثقفون يطالبون سلطتي صنعاء وعدن بتحمل مسؤوليتها تجاه الشاعر الجند    تأملات مدهشة ولفتات عجيبة من قصص سورة الكهف (1)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    مقتل وإصابة 5 حوثيين في كمين محكم شمال شرقي اليمن    قوات دفاع شبوة تضبط مُرّوج لمادة الشبو المخدر في إحدى النقاط مدخل مدينة عتق    تعرف على نقاط القوة لدى مليشيا الحوثي أمام الشرعية ولمن تميل الكفة الآن؟    هل الموت في شهر ذي القعدة من حسن الخاتمة؟.. أسراره وفضله    25 ألف ريال ثمن حياة: مأساة المنصورة في عدن تهز المجتمع!    اكلة يمنية تحقق ربح 18 ألف ريال سعودي في اليوم الواحد    الذهب يتجه لتحقيق أفضل أداء أسبوعي منذ 5 أبريل    وفاة وإصابة أكثر من 70 مواطنا جراء الحوادث خلال الأسبوع الأول من مايو    في رثاء الشيخ عبدالمجيد بن عزيز الزنداني    بسمة ربانية تغادرنا    بسبب والده.. محمد عادل إمام يوجه رسالة للسعودية    عندما يغدر الملوك    قارورة البيرة اولاً    رئيس انتقالي شبوة: المحطة الشمسية الإماراتية بشبوة مشروع استراتيجي سيرى النور قريبا    ولد عام 1949    بلد لا تشير إليه البواصل مميز    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل بوزارة الخارجية وشؤون المغتربين    الدين العالمي يسجل مستوى تاريخيا عند 315 تريليون دولار    وزير المياه والبيئة يبحث مع اليونيسف دعم مشاريع المياه والصرف الصحي مميز    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دراما اليمن

الثورة اليمنية هي أطول الثورات العربية زمنا، فقد بدأت عقب نجاح الثورة المصرية الأول في خلع مبارك، واتصلت فصولها إلى الآن في دراما باسلة متصلة، ومصممة على بلوغ أهدافها في خلع عائلة صالح، والتقدم إلى دولة ديمقراطية في يمن موحد .

أكثر الأشياء إثارة في ثورة اليمن هو تفوقها الأخلاقي، وعدم اللجوء لمقابلة العنف بالعنف، برغم أن اليمن بطبيعته مخزن سلاح هائل، فالسلاح زينة الرجال في اليمن، والوضع السكاني يغلب عليه التوزيع القبلي، ونظام صالح لا يتورع عن إقامة المذابح، ورغم كل هذه الظروف المغرية بمقابلة السلاح بالسلاح، ظل العنوان الرئيسي للثورة اليمنية سلميا صافيا، ووفيا بامتياز لأصل التكتيك الرئيسي للثورات العربية المعاصرة، وهو الاحتشاد السلمي المتصل في ميادين التغيير بالمدن الكبرى والصغرى، والتجديد في أساليب الاحتشاد، ودفع دواعي اليأس بعيدا عن القلوب والضمائر، وإلى أن تتحقق الأهداف، مهما طال الزمن، ومهما عظمت التضحيات.
وربما تكون المرأة الشابة توكل كرمان هي العنوان الساطع لثورة اليمن المعاصرة، ليس بسبب منحها جائزة نوبل للسلام بالمشاركة مع سيدتين ليبيريتين، فأنا لا أحب هذه الجائزة، ولا أطيق سيرتها، وقد منحت من قبل لمناحم بيجين سفاح الصهيونية الأشهر، وقيمة توكل كرمان ليست في نيلها للجائزة بالمشاركة، بل أن السيدة توكل هي جائزة في حد ذاتها، وتعبير عن يقظة النساء في مجتمع يوصف بالتخلف الاجتماعي التاريخي، وأمثالها بالآلاف في ساحات التغيير والتحدي، وبرغم أن توكل بنت لحزب الإصلاح اليمني، فإن أفكارها تبدو أكثر تطورا بمراحل من حزبها المحافظ بشدة، وفد خلعت عنها نقابا بدا متزيدا، وارتدت حجابها المميز، وسكنت في خيمتها الزرقاء بميادين الثورة، وبدت شروحها للإسلام وقضايا الثورة والتغيير أكثر نضجا من كلام مشايخ الذقون الثقيلة .
نعم، توكل كرمان عنوان مناسب لصمود الثورة اليمنية، كلامها الواثق، وحيويتها الشابة، ونظرة عينيها المتفائلة بالآتي، وصبرها المعتصم بنصر الله الذي وعد به جنوده المخلصين، كل ذلك وغيره جعل توكل كرمان أيقونة ثورة، وناطقة ضمير باسم عذاب اليمن وثورته معا، صحيح أنها لا تتحدث باسم حزب، وأنها أقرب لنسيج القيادات الشابة التي صنعت الثورة، وتنفر من تثاقل الأحزاب، لكنها أي توكل لا تقيم شقاقا في غير موضع، ولا تفرط في شئ من معنى الثورة، ولا تخرج عن الروح التلقائية المتحدية لشباب الثورة، وهم بطبائع الأمور أكثر حيوية من أحزاب اللقاء المشترك المساندة للثورة، وأعظم تصميما على خلع عبد الله صالح وعائلته، ومحاكمتهم كمجرمي حرب وناهبي ثروات، وبث روح جديدة في الجزيرة العربية توقظها من سباتها الأثيم .
ولا يصح لأحد أن يستهين بمبدأ 'السلمية' في تحرك الثورة اليمنية، فسلمية التحرك ضمان لسلامة الثورة، وعاصم من انزلاقها إلى حرب أهلية مفتوحة، والحروب الأهلية قد تخلع نظاما، لكن تكاليفها أفدح من إنجازاتها، فأي حرب أهلية، وفي بلد كاليمن لا قدر الله، سوف تستدعي بالضرورة تدخلا من خارج الحدود، وصدام الحوثيين مع قوات صالح ليس ببعيد، واستدعائه للتدخل السعودي المسلح لا يزال حيا ماثلا في الأذهان، ولم تكن النتيجة لصالح اليمن، ولا لصالح إنصاف الحوثيين، ولم تصل الحرب إلى غير الخراب المستعجل، ففي الحروب الأهلية تتحول الأوطان إلى غنائم للآخرين، وعلى طريقة ما جرى في ليبيا، والتي انحرفت الثورة فيها إلى اختيار السلاح ردا على دموية القذافي، فدخل الأجانب على الخط، وصاروا شركاء في ملكية ليبيا، وأضاعوا استقلالها الأول برغم رفع علم الاستقلال، وقد تكون ليبيا كسبت معركة الخلاص من القذافي، لكنها انتهت إلى مأزق لا نريده لأي بلد عربي، ولا لليمن بالطبع، خاصة أن اليمن مثقل بأوجاع إضافية لم تكن قائمة في ليبيا، فقد كان القذافي ديكتاتورا مجنونا نهب ثروة ليبيا، وترك غالب أهلها للفقر والعوز، لكن ليبيا ظلت بلدا موحدا بلا مخاطر تفكيك أو انفصال، وعلى العكس بالضبط مما جرى في اليمن تحت ديكتاتورية صالح، فقد تحول الكيان اليمني إلى دولة فاشلة تتناوشها مخاطر التفكيك في كل اتجاه، وكانت الثورة اليمنية المعاصرة خشبة خلاص وعنوان توحيد، واحتوت نزعات العنف في الشرق الحوثي والحراك الجنوبي، وصهرت الجميع في تحرك ثوري سلمي، وبالعنوان الجامع لليمن الموحد الديمقراطي العادل، وهو ما يعني أن مبدأ السلمية ليس مجرد تكتيك أنجح لكفالة انتصار الثورة، بل أن السلمية في حالة اليمن ضمان لوحدة التكوين اليمني، وإعادة بناء كيان الدولة بما يدفعها بعيدا عن دواعي التفكيك، ولإقامة تداول سلمي منظم للسلطة، وإغلاق ملف الحروب الأهلية .
نعم، الثورة اليمنية هي الطريق لصهر اليمنيين في وحدة لا تنفصم عراها، فقد توحد اليمن شماله وجنوبه بقرار سياسي ورضا شعبي، ثم جرت حرب أهلية لردع الانفصال في الجنوب، وظلت جمرة النار متقدة تحت الرماد، وصنعت ميلا مجددا لانفصال، وبأسباب مظالم نظام صالح، والتي أنهكت اليمن في مجمله، وأنهكت الجنوبيين أكثر، والفضيلة الكبرى للثورة اليمنية أنها جمعت مظالم اليمنيين جميعا في قبضة يد، لمت شتات النفوس، وخلقت شعورا موحدا هو القاعدة النفسية الأصلب لوحدة الكيان اليمني، وما من إمكانية لبناء على وحدة الشعور بغير شرطين، أولهما: الحفاظ على سلمية التحرك الثوري في عمومه، وثانيهما: التقدم إلى بناء نظام ديمقراطي يتحرى العدالة والإنصاف، بينما اللجوء إلى السلاح يفرق وحدة القلوب، ويلطخ المبادئ بالدم، وهنا تبدو المعادلة اليمنية غاية في التعقيد والحرج، فنظام صالح يلجأ إلى سلوك دموي وحشي.
ويستثير أعصاب القوى الثورية والعناصر المساندة لها، ويرغب في دفعها إلى التورط في الخطأ الدموي، وهو ما قد يصح أن نحذر منه، وأن تحذره الحكمة اليمنية التي نثق بسلامة أحكامها، أضف إلى ذلك حذرا من طلب التدخل الدولي بدعوى الحماية، خاصة أن المتدخلين المفترضين لهم نوايا ومصالح معروفة، وليس من بينها حرصا من أي نوع على استبقاء وحدة اليمن، ولا على تمكين ثورته من بناء الدولة الديمقراطية العصرية الموحدة، بل أن المصالح إياها تجري على العكس بالضبط، فأمريكا مع بقاء نظام صالح إن أمكن لذلك سبيلا، ومع حماية صالح من محاكمة لاحقة إن لم يكن لرحيله من بديل، وما يسمى 'المبادرة الخليجية' ليس إلا سلوكا سعوديا بتوكيل من واشنطن، فالرياض تخشى من نجاح حقيقي لثورة اليمن، وتريد إدخال اليمن في نفق مظلم، تريد أن تتوقى ثورة السعوديين بطمس إلهام ثورة اليمنيين، تريد تعميم ظلام الحرب الأهلية، وإطفاء نور الثورة اليمنية، وجعل صنعاء عاصمة للخراب بدلا عن كونها عاصمة للثورة .
' كاتب مصري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.