الإرشاد الديني المأزوم هو ذلك الخطاب الذي لا يستوي على قوائم صحيحة من العقل والمنطق والضمير .. وهو خطاب يزداد اليوم هبوطاً وتأخراً «!» .. يتجلى ذلك اينما قلبت نظرك بين الخطباء والوعاظ وكتاب الفكر الإسلامي باتجاهاته المختلفة ! معظم الخطباء إلاَّ ما ندر منهم، يزبد زبد السيل الجارف ، أو يخور خوار البقر «!» وهو يخطب بتشنج عصبي يوحي بخلل نفسي يستوجب عرضه على الطبيب المختص للمعاينة «!» فضلاً عما يسببه هذا الصنف من أذى للسامع بتوتير اعصابه، وإزعاج للقابعين في بيوتهم من النساء والأطفال والمرضى والمعذورين «!» .. ومنهم من يتناول الساسة والسياسة بأقذع الألفاظ الممجوجة فالحاكم الفلاني ضال وأبو مازن بهائي.. والمالكي شيعي.. وبقية الحكام العرب والمسلمين ما يستر الله من الأوصاف الممقوتة.. وحكام الداخل أشد سوءاً وأقبح حالاً من هؤلاء جميعاً ( ! ) .. وكل ذلك في منبر للإرشاد ينبغي ألا يصدر منه إلا دين وإيمان «!!» وكل مساجدنا اليوم لا تخلو من التقسيم الحزبي والمذهبي وربما العرقي في القريب اللاحق «!» فهذه مساجد للصوفية .. وتلك للسلفية أتباع الحجوري الذين انقسموا مؤخراً إلى «شمال وجنوب» !! .. وتلك للسلفية أتباع أبي الحسن المصري ! .. وتلك للجمعيات بأنواعها وأشكالها وألوانها وأحزابها «!» . فتلك لحزب الإصلاح «الإسلاماوي» .. وتلك للشيعة وأخرى للبهرة وأخرى وأخرى وأخرى ولله في مذاهب خلقه شؤون!! . إن تمييع رسالة المنبر والمسجد لتصبح مجيرة لخدمة أحزاب وأفكار ومذاهب ضيقة بعيدة عن تهذيب النفوس وتنقية الضمائر وبناء الإيمان هو ما جعل الوعاظ والخطباء مادة للتندر والنكتة والسخرية بل والخصومة «!» وأفرغها من أهدافها المطلوبة شرعاً وإنساناً وحالاً وزماناً !! . فليس من أمانة هذه الرسالة الإيمانية الكريمة محاكمة آراء الآخرين على المنابر .. واستخدام المنابر بديلاً عن كرسي القضاء للقول الفصل في أحكام القتل «!» .. وليس من الأمانة كذلك تمرير برامج الأحزاب «الإسلاماوية» من خلالها كعوض عن القرآن ومعقول صحيح المنقول .. لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم داعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا .. لم يكن فظاً ولا غليظاً !! وقال للذي سأله في الإسلام قولاً لا يسأل عنه أحداً أبدا ، قال له : قل آمنت بالله ثم استقم !! وأظنني محقاً لو قلت : إن مسؤولية الدولة عن الوعظ والمساجد في حالة غيبوبة عميقة ومرقدة في تابوت التحنيط ( !! ) وكل ما يقال عن برامج ودورات وندوات ومحاضرات وفعاليات هو للاستهلاك السياسي وللتغطية على الحقيقة المرة والواقع المؤلم بدليل غياب كل ما يقال من إصلاح إرشادي وديني عن الواقع، وحضور الصارم المنكي مما نشاهد ونسمع ونحس في كل مساجد البلاد !! خذ مثلاً على ذلك، خطباء يدعون في كل جمعة في الخطبة: اللهم انصر المجاهدين في العراقوالصومالولبنان وأفغانستان «!» أليس مثل هذا الدعاء المبرمج يوحي بأن مقاتلي القاعدة المحسوبين على الجهاد الإسلامي في الصومال ونهر البارد بلبنان والقاعدة في العراق وأفغانستان هو جهاد مقدس؟! وما على الشباب إلا الإسراع في المبادرة للانخراط فيه تلبية لدعوة صارخة من هؤلاء : حي على الجهاد!! ومع ذلك لم تقم الجهات المسؤولة بردع مثل هؤلاء الخطباء رغم علمها بهم أو إيقافهم كعلامة على غياب الدولة والنظام والقانون في مشهد من مشاهد الحياة ( ! ) وخطباء آخرون يصفون «فتح» بأنها حليف الشيطان وان «حماس» هم أنصار الله وحزبه الذين يقيمون كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ويحكمون بما أنزل الله ! وكأنهم أنهوا بذلك الجدل الدائر في مؤسسات العالم العربي والإسلامي حول رأب الصدع بين الفريقين .. ويجمعون التبرعات ليل نهار للمجاهدين في فلسطين ، وربما يعنون قطاع غزة « ! » ذلك لو كانوا صادقين !! .. ولا ندري كيف تخترق الحصار وتصلهم ؟ !! وآخرون وصفوا جيش لبنان بالكافر الصليبي ( ! ) ومقاتلي نهر البارد بالمجاهدين المقاتلين ضد نصارى لبنان «!» عندما تفجرت مشكلة تمرد سلفي في نهر البارد وكأن هذا هو الحل للأزمة اللبنانية المعقدة والمتشابكة بينما لم تستطع الحرب الأهلية على مدى خمسة عشر عاماً أو أكثر قليلاً ترجيح كفة أحد من فرقاء القتال في لبنان حتى فيما بين المسلمين والنصارى فيه ولم يجن لبنان منها غير الدمار والخراب والضعف !! أن الوقوف على الواقع .. وفقه متغيراته .. ومواصلة استكشاف الجوهر التقدمي في الدين الاسلامي .. وتنمية القيم الانسانية ومعاني الحياة الكريمة هو اعظم اهداف الاسلام الذي بعث الله به رسوله محمداً - صلى الله عليه وسلم - الى الناس كافة سراجاً منيراً .. أما التركيز على المظاهر الصورية الغشاشة وتنمية نزعات العدوان والمقت والتكفير في أبناء الاسلام فهي المعول الذي اصاب الاسلام وأوجع المسلمين !! .. ولن يكون المستقبل معنا ما لم نستقبله بعقل ونور وعمل وإيمان !! .