عندما يقع الكاتب في غرام المكان المرتبط بفضاء الحرية المراوغ، فإنه تصبح بينه وبين هذه الثنائية اللصيقة، علاقة/ علامة ما تؤرقه وتشعل في ضميره الإبداعي تلك الرغبة المتواصلة في التماس مع المعنى والمبنى من خلال تلك التركيبة/ المزيج المرتبط دوما بمعنى الانتماء والهوية. وعندما تكتب الأنثى بهذه الروح الشفيفة فإن كتاباتها تكتسي بهذه الشاعرية المتدفقة التي تحيل كل المعطيات المادية التي يفرضها المكان، إلى دفقات من الشعور بالمعاني السامية مثل (الحرية) في أسمى صورها ومعانيها؛ فقضية الحرية التي تشغل مساحات كبيرة من إبداعات غادة السمان الروائية والقصصية وأدب الرحلات من خلال مشاهداتها المتعددة وجولاتها في مختلف الأماكن سواء على أرض الوطن أو خارجه، فإن أطياف المكان تحاصرها ككاتبة وكإنسانة مؤرقة بهم الهوية والانتماء، ومن ثم الحرية التي تلاحق المبدع أينما كان لتؤرقه من خلال معادلاتها وإحداثيات وجودها على خريطة الحياة عموما، على نحو ما نجده في نص قصصي فارق من نصوصها التي تنشد تلك المعادلة بين كل تلك العناصر الملتحمة، وهو (يدعون: الشمس تشرق من إسرائيل) لتنقل لنا عبر أسطر قليلة معاناة مبدع. وأقول مبدع وليس مبدعة، لوقوع الطرفين عامة تحت تأثير الفن الجميل، والعدسة الفنية الراصدة اللاقطة التي لا تختلف فيها المرأة المبدعة عن الرجل المبدع. تعبر الكاتبة عن معاناة أمة بأكملها في مواجهة آلة إعلامية تكرس لوجود غير شرعي على أرض عربية مسلوبة، بحيث يمنح هذا الوجود حق الكينونة للمغتصب، ويمنعه عن صاحب الحق. هنا يتحرك فضاء الحرية المسلوب ليشكل حنينا ناعما ومتأسيا لتلك الأرض التي تتوق إلى الحرية، ذلك القطاع الأفقي الذي تمتد على طول أفقه الآمال والأحلام، ارتفاعا نحو أفق رأسي متعال نحو تحقيق الحرية التي ينشدها الجميع كضرورة من ضرورات الوجود الإنساني، وهي التي تنشدها الكاتبة وغيرها كمطمح أصيل من مطامح الإبداع، تتوازى معه في موسيقى حزينة تطل من داخل نفوسنا على هذا المعنى المتجذر فينا.. ذلك الحس الذي تثيره دلالات الكتابة عند الكاتبة الكبيرة ومفرداتها المستمدة من شعور جارف بالحنين إلى تجسيد الهوية والانطلاق في سماوات الحرية من خلال معانقة المكان وإن كان أثيريا مشتهى، ولكنه يسطر سطورا من التاريخ الذي يتجسد من لُحمة هذه الأحداث والمشاعر الجارفة التائقة دوما إلى معانقة الحرية التي هي مناط حلم كل مبدع.