تعج الساحة الأدبية الجزائرية بالكثير من الأقلام السردية الجديدة والمتميزة في الكتابة الروائية ممن دخلوا عوالم هذا الجنس الأدبي وغاصوا في أعماقه وتفاصيله المستمدة من عمق الواقع المعاش، بكل تناقضاته وتراكماته، للتعبير عن متغيرات حياتية ومنعطفات اجتماعية بالدرجة الأولى، حيث لاتزال مختلف التجارب الإبداعية التي تشهدها الساحة الروائية في الوقت الراهن تسعى إلى تحقيق الفرادة والتميز الجمالي في هذا الجنس الأدبي، لمعانقة الحداثة والتشبث بها حتى لاتقع في فخ النمطية و التكرار والاجترار، فأدبيات القيرع الصادرة ضمن فعاليات الجزائر عاصمة للثقافة العربية 2007 بمؤسسة الفنون المطبعية وحدة الرعاية، بومرداس الجزائر، وصدر جزء منها بجريدة القادسية، تصب في صلب هذا القالب من الحداثة و الرواية الجديدة المعاصرة، المتطرق إليها حالياً، بغض النظر عن أعماله الأدبية القصصية الرائعة الأولى (جنون في منتصف الذاكرة).وقصص ( رائحة الوشم ) وهما المجموعتان اللتان تطرقت لهما مجلة الفينيق عام 1999 فالنص الروائي القيرع بالدلالات العفوية يمتاز بتميز أسلوب الكاتب الخاص ويوحي بمعلم كبير مستقبلاً في الكتابة الأدبية لأنه يملك حسا فنيا عظيما وهو ما استشفه منه الروائي جيلالي خلاص بجريدة الخبر سنة 1999 وكذلك الناقد الأكاديمي بالإمارات العربية المتحدة عبدالقادر فيدوح و الناقد البشير بويجرة. وأذكر أن هذه الرواية هي طعم لشتى الأجيال. وأستغرب كثيراً بعض الأقلام النقدية الجزائرية عندنا كيف أنها تغفل عملا إبداعياً مثل هذا ولم يذكر قصصه الناقد إبراهيم صحراوي في مؤلفه حول القصة الجزائرية رغم إعجاب الروائي الراحل الطاهر وطار بما يكتب وهذا ما أشار إليه مراراً، أم أن الأديب بعيد كل البعد عن الأضواء والعلاقات المحاباتية مع دور النشر، فمثلاً مجلات فرنسا كانت دائماً تشطب من صفحاتها الروائي جان جنيه فلما مات تأسفت على أنها فقدت أديباً راقياً كانت تهمله طوال السنين. فنقادنا في الجزائر الكثير منهم يلجأ إلى دراسة الأعمال الأدبية الهشة أو التي سيدتها بعض الدراسات وتبنتها بعض دور النشر دون تمحيص نقدي أو لحاجة في نفس يعقوب أو للمحاباة وأما لضعف في التكوين الأكاديمي، وهي أعمال لا تشرف الأدب الجزائري إطلاقاً ولا نفحة فنية فيها، وأؤكد بين قوسين انه لو شارك بها صاحبها في جائزة مالك حداد للرواية لما نازعه فيها أحد وهذا دون الاستخفاف بالخطابات الروائية التي تحصلت عليها، وهؤلاء المغبورون في صحرائنا القاحلة البعيدون عن الصحف والوسائل الإعلامية لا أحد يتطرق إليهم إلا من رحم ربي ولكن للزمن مصفاته الحقيقية لغربلة الركب الأدبي على مر العصور. فأحداث الرواية على ما أظن تدور في فضاء غرائبي مستحوذة عليه رؤى شاعرية اللغة ولغة الرواية الجديدة فلما تقرؤها منذ البداية تغمرك المتعة شأنها شأن مؤسسي الرواية الجزائرية أمثال الطاهر وطار و جيلالي خلاص و واسيني الأعرج و أحلام مستغانمي والجيل الجديد مثل حسين علام وعزالدين جلاوجي وخليفة قرطي والخير شوار ومن ساهموا في تغيير مسار الرواية عندنا وهناك شباب روجت لهم بعض دور النشر دون أن يستحقوا تلك المقامة معتقدين أن الإبداع يكمن في كثرة النصوص...الخ. إذن فلا يمكن الوقوف على دلالات أعماله الكبيرة إلا بالقراءة المتأنية لخفاياها ولأبعادها البنائية فهو يتطلب قارئا نوعيا،ً قارئاً غير عادي، فمنظوره متشابك الرؤية يتلاعب بالمكان كما يتلاعب بالزمان كيف ومتى شاء صاحبها مستنداً على لغتها السردية. إن رواية القيرع للزين نورالدين رواية كونية استطاعت أن تعبر عن مرحلة ناضجة من السرد الأدبي، ويتجاوزها فنياً، إلى تشكيل نص جمالي بعيد المدى، فلكون الأعمال المذكورة سلفا هي أدبيات جادة يمكن أن تترجم إلى لغات أخرى وتتحول إلى مسرحيات وسيناريوهات سينمائية وأن تحتفي بها الدراسات الجامعية للنهوض بالنص الجزائري بدل نصوصيات الأخويات والمصالح والعلاقات الفاسدة والبزنسة.