* يستغل رجال الدين مقولات مثل: حكم الله.. وقول الله.. والحاكمية لله.. ولا حكم إلا لله.. وهي مقولات مؤثرة في ضمائر المسلمين وخاصة العامة منهم.. يستغلون هذه المقولات لكي يمرروا عن طريقها أحكامهم ووجهات نظرهم الخاصة، ويحلون أنفسهم محل الناطقين باسم الله.. ويقررون باسم الله أحكاماً وقرارات في أمور لم يأت بشأنها حكم من الله. ففي القرآن مثلاً ليس لله حكم في كل شيء قابله الأولون ويقابله المتأخرون. رجال الدين هؤلاء يقررون أموراً من شؤون الدنيا وفي مقدمتها السياسة، يقررون ذلك من عند أنفسهم ويقولون: هذا حكم الله.. هذا شرع الله.. هذا قول الله.. وهي ليست كذلك.. وببساطة فإن الله ترك أمرها للناس يقررون بشأنها ما هو صالح لهم حسب البيئة والزمان المتغيرين بحكم سنن الله في الكون. * هذا من جهة.. ومن جهة أخرى كيف و لماذا يستسلم المسلم العاقل لمثل هذه المقولات وهو يقرأ في ذات الوقت أن الرسول يأمر قائد سرية أن لا يستجيب للأعداء إذا طلبوا منه النزول عند حكم الله، وقال له: أنزلهم عند حكمك.. فللبشر حاكمية غير حكم الله.. ولما قال الرسول لمعاذ بن جبل حين أرسله إلى أهل اليمن: بماذا ستقضي فيهم؟ قال بكتاب الله وسنة رسوله.. فقال له: فإن لم تجد ؟!! قال معاذ: اجتهد برأيي ولا آلو.. فأقره الرسول على ذلك وأثنى عليه.. وهذا الإقرار يعني أن للبشر آراء فيما ليس لله فيه نص أو حكم.. وهذه الآراء قد تصيب وقد تخيب. المسلمون أنفسهم اتخذوا من أحاديث الرسول مصدراً للتشريع باسم الله.. وحكم الله.. والحاكمية لله.. بينما رسول الله نهاهم عن ذلك.. نهاهم عن كتابة أحاديثه وحفظها.. ومع ذلك بنوا عليها أحكاماً باسم الله رغم ما فيها من تضارب وضعف وخلافات دارت بسببها عند أهل الجرح والتعديل. *حكم الله.. وقول الله.. وحاكمية الله.. ولا حكم إلا لله.. مقولات صحيحة فيما يتعلق بما هو دين كأركان الإيمان والإسلام والإحسان التي لا تتغير بتغير الأزمنة والأمكنة.. أما في شؤون الدنيا وخاصة السياسة فلا حكم لله لأنه تركها للناس.. وليس من حق إنسان حتى لو كان أعلم خلق الله أن يضفي على حكمه الخاص أو اجتهاده أو رأيه مسحة مقدسة ويقول: هذا حكم الله أو كلام الله، حتى لو استدل بنص كيفه على هواه.. فالمعروف أن كلام الله لا يطبق عملياً على الأرض إلا من خلال بشر، وهذا البشر غير معصوم ولا مأمون من الأهواء الذاتية. لما أشهر الخوراج في وجه الإمام علي مقولتهم الاستبدادية: لا حكم إلا لله. قال الإمام: هذه كلمة حق يراد بها باطل.. نعم لا حكم إلا لله (في أمور الدين)، لكن الخوارج أرادوا أن يقرروا أمراً باسم الله في شأن سياسي هو الإمارة أو الولاية السياسية. وقال الإمام: لابد للناس من أمير بر أو فاجر.. فالناس يقررون بهذا الشأن.. بر أو فاجر فالحكم لهم.. بر أو فاجر.. حسب اختيارهم.. وليس "بحكم الله" لأن الله لا يمكن أن يساوي في حال اختياره بين البر والفاجر.