سنتان اثنتان وبضعة شهور خلت من يوم أن رحل عنا إلى دار البقاء أستاذ من أساتذة الإعلام الفني المسموع والمرئي ورائد من رواد الصحافة الفنية ظل متوجاً على عرشها مايقرب من ثلاث وأربعين سنة، قضاها كأنما كانت ومضة لم ندركها وهي تخبو إلا حين وافاه الآجل . انه الراحل الحاضر الأستاذ عبد القادر خضر طيب الله ثراه وعطر ذكراه، والذي لا أخال أن زمناً في ظل هذا التردي الفني والثقافي قادر على أن يجود لنا بشخصية مثله عطاء وثقافة وموهبة ومحبة. وهو الذي لم تكن الابتسامة تفارق شفتيه ومحياه، رغم ماكان يثقل ظهره وكاهله من المعاناة، ومن ظلم الآخرين ممن كانت الغيرة تملؤهم حقداً لنجاحاته وتألقاته على امتداد تلك السنين بطولها وعرضها حتى أذن له الرحمن للقائه، التي كان قد قدمها من عمره للصحافة راضياً مرضياً. كانت كلها بذل واجتهاد وإبداع وروح مغامرة .ولا أبالغ قولاً بأن تلك العطاءات إنما كانت مداميك راسخة وأحجار زوايا ساهمت في ارتقاء تقاليد وحرفية الصحافة الفنية من بعد ظهور مجلة (أنغام) التي أصدرها الشاعر الغنائي والصحافي الكبير الأستاذ علي أمان- أطال الله في عمره- في النصف الثاني من خمسينات القرن الفارط. عرف الراحل الحاضر عبدالقادر خضر بمقدرته في فهم وتأصيل صحافتنا الفنية وتثبيت أعرافها وتقاليدها الخبرية والجمالية، وكيف عليها أن تواكب ماكان يصلنا من الصحافة العربية في هذا الميدان منذ بداياته المهنية مع ( أنغام) حتى اصدر مجلته الخاصة به الأولى عام 1966(مجلة الفنون) ومن بعدها مجلته الثانية ( نجوم)عام 1990 في حين لم يكن غيره قادراً على مثل هذه التجارب لان ذلك بمثابة مغامرة خطيرة وعظيمة ويصعب أن يتحمل نتائجها احد. كما كان يوازي مع إصدار مجلتيه عبر هذه السنوات الطول بأن يساهم دون تحرج في تحرير العديد من المجلات والصفحات في صحف عنيت بالأنشطة والحراك الفني فاكتسبت سبق بصماته عليها لتنم عن شخصيته القوية الصلدة لأنه كان يمتلك خبرة الحرف وعقل الثقافة ووعي الأخلاق .. فحين كان يكتب يحس المرء انه يملك في رأسه خلية محتدمة من الصور والألفاظ والمعاني والتاريخ والدراية المهنية، فيكتب الكلمة الواضحة في معانيها غير المبهمة، سواء أكان نقداً فنياً أو استطلاعاً أو محاورة، أو وقفة في عالم الفن والموسيقى، فأصبح بذلك أستاذاً يلقن الآخرين تعاليم الصحافة الفنية وأسسها لأنه مارسها بكل خصائصها منذ مطلع شبابه، فأصبح بها خبيراً يعلم ماتحتاجه الصفحات وما تعوزه الخبرات مع كل إطلالة أو إصدار لمجلة أو صحيفة ترى النور خاصة الفنية منها. كل ذلك في دأب متواصل وانزياح متعمد عن دوائر الضوء عكس خلالها صحفياً وناقداً فنياً ناجحاً. وغير ذلك فقد كان رحمه الله معداً متفرداً لبرامج تلفزيونية وإذاعية عديدة لم تنس ولم تلفظ من الذاكرة . كما كان فيها مقدم برامج له خصائص متميزة فعلاً في أسلوب التقديم، جمعت بين البساطة في المحاورة ودماثة الخلق وهو يبث روح الطمأنينة ،ويذكي عناصر التشويق، غير متصنع ولا متكلف، بل يخلق روح الألفة بين الضيف والمضيف نازعاً جو الهيبة من محيط الكاميرا والأضواء أو الميكرفون لنجد برنامجاً ناجحاً يظل في الذاكرة . فكان من القلائل الذين أتفق الجميع حوله بأنه كان رائداً من رواد الصحافة الفنية إن لم يكن في مقدمتهم ونجماً مضيئاً في البرامج الفنية والمنوعات في التلفزيون وصاحب مدرسة متفردة في التقديم لم يستطع أن يقلده أو يسايره احد وكذلك في الإذاعة . كما لا يمكن أن يغفل احد عن انه كان الرائد في اكتشاف المواهب وصاحب الحدس والرؤية الثاقبة في التنبؤ لها ليدفعها نحو دائرة الضوء والنجومية، حتى أننا نجد أن غالبية من هم اليوم في الساحة الفنية من الموسيقيين والمطربين وأشهرهم في محافظة عدن بالذات كانوا يوماً ضيوفاً في احد برامجه اذكر منهم الفنانة الكبيرة أمل كعدل. قر عيناً أبا مجد في رحاب الخلود وطب نفساً وأنت مع الصديقين من أحباب الله.