الحكومة تجدد دعمها لجهود ومساعي تحقيق السلام المبني على المرجعيات    حادث تصادم بين سيارة ودراجة نارية على متنها 4 أشخاص والكشف عن مصيرهم    نجوم كرة القدم والإعلام في مباراة تضامنية غداً بالكويت    أطفال يتسببون في حريق مساكن نازحين في شبوة بعد أيام من حادثة مماثلة بمارب    اشتباكات بين مليشيا الحوثي خلال نبش مقبرة أثرية بحثًا عن الكنوز وسط اليمن    كارثة وشيكة في اليمن وحرمان الحكومة من نصف عائداتها.. صندوق النقد الدولي يدق ناقوس الخطر    أسعار صرف العملات الأجنبية مقابل الريال اليمني في صنعاء وعدن    ماذا يحدث في صفوف المليشيات؟؟ مصرع 200 حوثي أغلبهم ضباط    لا نهاية للحرب.. الحوثي تعلن عن تجهيز مليون مقاتل لمعركة ''البحر الأبيض'' وتتوعد: هؤلاء سيكونون هدفًا لنا    ثعلب يمني ذكي خدع الإمام الشافعي وكبار العلماء بطريقة ماكرة    قطوف مدهشة من روائع البلاغة القرآنية وجمال اللغة العربية    كيف تفكر العقلية اليمنية التآمرية في عهد الأئمة والثوار الأدوات    الحرب القادمة في اليمن: الصين ستدعم الحوثيين لإستنزاف واشنطن    الأكاديمي والسياسي "بن عيدان" يعزّي بوفاة الشيخ محسن بن فريد    بمنعهم طلاب الشريعة بجامعة صنعاء .. الحوثيون يتخذون خطوة تمهيدية لإستقبال طلاب الجامعات الأمريكية    تفاصيل قرار الرئيس الزبيدي بالترقيات العسكرية    بعد خطاب الرئيس الزبيدي: على قيادة الانتقالي الطلب من السعودية توضيح بنود الفصل السابع    المشرف العام خراز : النجاحات المتواصلة التي تتحقق ليست إلا ثمرة عطاء طبيعية لهذا الدعم والتوجيهات السديدة .    شيخ حوثي يعلنها صراحة: النهاية تقترب واحتقان شعبي واسع ضد الجماعة بمناطق سيطرتها    الحوثيون يزرعون الموت في مضيق باب المندب: قوارب صيد مفخخة تهدد الملاحة الدولية!    أرسنال يفوز من جديد.. الكرة في ملعب مان سيتي    دعاء يغفر الذنوب والكبائر.. الجأ إلى ربك بهذه الكلمات    مارب.. تكريم 51 حافظاً مجازاً بالسند المتصل    الدوري الاسباني: اتلتيكو مدريد يفوز على مايوركا ويقلص الفارق مع برشلونة    مأرب تغرق في الظلام ل 20 ساعة بسبب عطل فني في محطة مأرب الغازية    " محافظ شبوة السابق "بن عديو" يدقّ ناقوس الخطر: اليمن على شفير الهاوية "    مقرب من الحوثيين : الأحداث في اليمن تمهيد لمواقف أكبر واكثر تأثيرا    ريال مدريد يسيطر على إسبانيا... وجيرونا يكتب ملحمة تاريخية تُطيح ببرشلونة وتُرسله إلى الدوري الأوروبي!    تكريم مشروع مسام في مقر الأمم المتحدة بجنيف    يا أبناء عدن: احمدوا الله على انقطاع الكهرباء فهي ضارة وملعونة و"بنت" كلب    الثلاثاء القادم في مصر مؤسسة تكوين تستضيف الروائيين (المقري ونصر الله)    الحوثيون يستعدون لحرب طويلة الأمد ببنية عسكرية تحت الأرض    #سقطرى ليست طبيعة خلابة وطيور نادرة.. بل 200 ألف كيلومتر حقول نفط    مكتب الأوقاف بمأرب يكرم 51 حافظاً وحافظة للقران من المجازين بالسند    آرسنال يُسقط بورنموث ويعزز صدارته للدوري الإنجليزي    صندوق النقد الدولي يحذر من تفاقم الوضع الهش في اليمن بفعل التوترات الإقليمية مميز    نقابة الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين تصدر بيانا مهما في اليوم العالمي لحرية الصحافة (3 مايو)    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و654 منذ 7 أكتوبر    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    الرئيس الزُبيدي : نلتزم بالتفاوض لحل قضية الجنوب ولا نغفل خيارات أخرى    من هي المصرية "نعمت شفيق" التي أشعلت انتفاضة الغضب في 67 بجامعة أمريكية؟    بدء دورة للمدربين في لعبة كرة السلة بوادي وصحراء حضرموت    تعز مدينة الدهشة والبرود والفرح الحزين    أفضل 15 صيغة للصلاة على النبي لزيادة الرزق وقضاء الحاجة.. اغتنمها الآن    تتقدمهم قيادات الحزب.. حشود غفيرة تشيع جثمان أمين إصلاح وادي حضرموت باشغيوان    بالفيديو.. داعية مصري : الحجامة تخريف وليست سنة نبوية    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    بعد إثارة الجدل.. بالفيديو: داعية يرد على عالم الآثار زاهي حواس بشأن عدم وجود دليل لوجود الأنبياء في مصر    لماذا يُدمّر الحوثيون المقابر الأثرية في إب؟    ناشط من عدن ينتقد تضليل الهيئة العليا للأدوية بشأن حاويات الأدوية    الارياني: مليشيا الحوثي استغلت أحداث غزه لصرف الأنظار عن نهبها للإيرادات والمرتبات    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    الصين تجدد دعمها للشرعية ومساندة الجهود الأممية والإقليمية لإنهاء الحرب في اليمن    ضلت تقاوم وتصرخ طوال أسابيع ولا مجيب .. كهرباء عدن تحتضر    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفن والأدب الألماني في حراك المسرح الوطني 2-1
نشر في 14 أكتوبر يوم 08 - 09 - 2011

من يقرأ تاريخ المسرح العالمي بإمعان سيجد بصمة الألمان، ومن يخوض في قراءة أدبه وفلسفته سيتوقف كثيراً أمام الفلاسفة والكتاب الألمان، ومن يدرس معارف علوم الثقافة والاجتماع سيشهد بحراً من الإبداع في مختلف العلوم الإنسانية والفنية الألمانية لذلك من الطبيعي والبديهي أن نجد ثقافة هذا البلد العريق والعظيم بأدبه وفنه وفلسفته منتشراً في كافة أصقاع العالم بما فيها بلدنا اليمن.
البعض يعتقد أن الأدب الألماني بمختلف فنونه قد عرفناه مؤخراً، بينما في حقيقة الأمر ان المثقف اليمني عرف الكثير عن الثقافة الألمانية في الجامعات والكليات والمعاهد العالمية خارج الوطن وداخله عبر مختلف الدراسات والمناهج العلمية وفي كافة التخصصات.
وعندما يأتي الحديث تحديداً عن المسرح اليمني وعلاقته بالأدب الألماني يتوجب علينا أن نشير إلى بعض الحقائق التاريخية المهمة في تاريخ المسرح اليمني والذي كان لألمانيا الريادة في صنع بدايات الحركة المسرحية الحديثة وتحديداً في منتصف السبعينات بعدن. ومن هذا المنطلق وقبل الخوض في الحديث عن هذه العلاقة لابد أن نعرج على بدايات المسرح اليمني الذي عرفه اليمانيون في عدن عام 1904م، بينما البداية الحقيقية لنشوئه عندما قدم طلبة المدرسة الحكومية في حي كريتر بمدينة عدن أول عمل مسرحي عام 1910م على خشبة مسرح صيفي في ملعب التنس وكانت بعنوان (يوليوس قيصر) وهي للكاتب العظيم وليم شكسبير وقدمت باللغة العربية.
ومن عدن سجلت الذاكرة الإنسانية والعالمية وحركة تطور شعوب العالم الميلاد الحقيقي والرسمي للمسرح اليمني وخلد في ذاكرة التاريخ ووثق في بطون الكتب القليلة للأسف الشديد! ومن أهم هذه الكتب (سبعون عاما من المسرح اليمني) الذي قدمه المؤلف والكاتب المسرحي اليمني المعروف سعيد عولقي عام 1983م.
وعودة إلى موضوعنا الذي نحن بصدده، فإن بداية العلاقة الحقيقية للأدب والفن الألماني بالمسرح اليمني الذي استعرضه (العولقي) في كتابه، كان بعد عودة المخرج اليمني الراحل الأستاذ فيصل عبدالله بعد ان اجتاز دورة تخصصية في القاهرة- الذي يعتبر أول مخرج يمني في تاريخ المسرح يعين مخرجاً كوظيفة رسمية في الدولة، وهو من حمل لواء المسرح الحديث وأدخل للمسرح (اسلوباً جديداً) يعتمد على هدم الحائط الرابع أو كسر الإيهام المتعارف عليه مسرحياً، بين المسرح والجمهور هذا الأسلوب أو المدرسة الفنية أو النظرية في الإخراج والتأليف، هي من قدمها للعالم وتبناها وأكدها الكاتب والمخرج الألماني الشهير برتولد بريخت، هذا في الجانب التقني والفني أما في الجانب الأدبي فالتاريخ يسجل أن أول عمل من الأدب الألماني مسرحية (الأم) لبرتولد بريخت وهي عن رواية (الأم شجاعة) للكاتب الروسي مكسيم غوركي، وأخرجها فيصل عبدالله عام 1976م ويمننها الأستاذ عتيق سكاريب حيث كتب الناقد حسين السيد عن المسرحية في مقال صحفي قائلاً: (المسرحية تعتبر قفزة غير عادية في مسار الحركة المسرحية اليمنية)، وقال: (إن كل العناصر التي اشتركت في تقديم هذا العمل أضفت على النص البريختي الملحمي لمساتها ورؤيتها الفنية اليمنية وشبعتها بروح التراث الفني اليمني على أساس من الفهم العميق للأبعاد الموضوعية والفنية لمنهج بريخت).
لم تتوقف حركة تدفق المعلومة والمعرفة من المنهل الثقافي والفني الألماني عند هذا الحد بل تجاوزت ذلك عندما تم تأسيس معهد الفنون الجميلة وتحديداً افتتاح قسم المسرح عام 1976م على يد الأستاذ والفنان المسرحي الكبير أحمد محمد الشميري الذي تميز في أعماله الفنية بالمدرسة البريختية واعتماده على أسلوب ونظرية برتولد بريخت في المنهج الدراسي التعليمي للطلبة، وأصبح لاحقاً عضو جمعية أصدقاء بريخت العالمية، كل ذلك حمل دلالات كبرى في دور أدب وفن وثقافة ألمانيا وتوافقها إلى حد ما في الطريقة المسرحية اليمنية وبخاصة المسرحيات الشعرية والثورية هي (القاعدة والاستثناء) التي أخرجها وقدمها عام 1978م الفنان الشميري ومن خلال هذه المسرحية سجل التاريخ بحسب كتاب سعيد عولقي (سبعون عاما من المسرح اليمني)، حيث يقول: (كان احمد الشميري قد نجح كمخرج نجاحاً مذهلاً في تصميم الأزياء وتنفيذ الماكياج وقدم أفضل وأدق تصميم في تاريخ العروض المسرحية المحلية في اليمن).
إن الفضل الذي ساعد الفنان اليمني في معرفة أدب وفن برتولد بريخت يعود للأستاذ أحمد الشميري من خلال الدراسة الأكاديمية بالمعهد وكذلك عن طريق أعمال بريخت، حيث أتاحت لنا أن نتبين الملامح الفكرية للمسرح التعليمي في مسرحية (القاعدة والاستثناء) وأصبح هذا المنهج أو الطريقة والأسلوب الجديد جزءاً لايتجزأ من اهتمام الجيل المسرحي اللاحق بهذه المدرسة الفريدة في العالم القادمة من ألمانيا العريقة.
لقد تعلم فنان المسرح اليمني من الأدب والفن الألماني الكثير، بغض النظر عن الاتجاه الفكري لهذا الكاتب أو ذاك كون الفن يبقى هدفاً إنسانياً نبيلاً وفيه اختلاف لوجهات النظر إلا أنه يظل رسالة سامية.
وقبل أن نعود إلى الحديث عن موضوعنا الرئيسي لابد من الوقوف أمام حملة طويلة في كتاب سعيد عولقي استفزني، فلابد أن نضع رؤيتنا أو وجهة نظرنا المغايرة حولها، والجملة تقول: (وبمراجعة الدراسة التي أعدها المسرحيون اليمنيون التي ترصد تطور حركة المسرح في بلادنا منذ مطلع القرن العشرين نستطيع أن نلاحظ وبوضوح أن الاستعمار البريطاني حاول بشتى الوسائل طمس الثقافة الوطنية ولم يعمل بأي شكل من الأشكال على تطوير حركة المسرح أو تقديم المساعدات له حتى يتسنى لهذا الفن الناشئ أن يقف على قدميه .. فلم تبن طوال هذه الفترة الطويلة دار للمسرح ولم تستخدم أية أدوات مساعدة أو يدرب أي كادر في الخارج .
إن هذا الطرح الثوري المتطرف نجد فيه بعضاً من الإجحاف والالتباس كون ما تناوله الكاتب خالياً من القوة الموضوعية وليس له ما يبرره، فإن وجهة نظرنا تنطلق من منطقة الأشياء وهي مغايرة لوجهة نظر الأستاذ سعيد عولقي، فالمعروف أن بدايات ظهور المسرح اليمني كانت في ظل الوجود البريطاني، والعصر الذهبي للمسرح كما يتناوله الكاتب أيضاً في الحقبة البريطانية والأعمال المسرحية التي قدمت في تلك الفترة هي من الموروث التاريخي والشعبي اليمني والعربي! وعلى هذا الأساس نعزز وجهة نظرنا أن الكاتب قد وقع في التناقض حينما يقول إن الاستعمار حاول طمس الثقافة الوطنية!.
كذلك الاستناد الآخر هو تاريخ المسرح العربي، حيث أن ازدهار المسرح في مصر وسوريا ولبنان والعراق كان في زمن المستعمرات الفرنسية والبريطانية بل تم بناء المسارح والقاعات الثقافية والفنية، والأوبرا في مصر ولبنان خير شاهد على هذه الحقبة ومهما اختلفت الأفكار والمسميات إلا أننا كمختصين في هذا المجال وبعيدا عن الشطحات السياسية والثورية نؤكد إنصافاً للتاريخ انه لولا الوجود البريطاني والفرنسي والأوروبي عموماً لما عرف العرب فنون المسرح والسينما الحديثة وغيرها وهذه حقيقة تاريخية لايمكن إغفالها، أما مسألة عدم بناء أو تأهيل المسرح في عدن فذلك يعود إلى ثقافة ووعي الشعوب آنذاك واختلاف مستوياتها الفكرية والتعليمية وما يعزز طرحي هذه النظرة القاصرة للكثير من شعبنا في اليمن اليوم إلى المسرح ناهيك عن وزراء في الحكومة لايفقهون أهمية المسرح في حياة الأمم، هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى فإنه لم تبث بريطانيا مسرحاً خلال ستين عاماً، ترى ماذا عملت الدولة إذا خلال خمسة وأربعين عاماً وعدن حتى هذا اليوم بدون خشبة مسرح؟!!!.
إن النظرة الضيقة للأمور تجعل الإنسان محصوراً بين الحقيقة التاريخية والواقع المفروض عليه نتيجة لآراء وتوجهات فكرية وإيديولوجية تأتي بنتائج عكسية لاتخدم التاريخ وتضع حوله الكثير من علامات الاستفهام .. فالمعروف أن الأوروبيين لهم اهتمامات بالغة بالفكر والعقل والأبعاد الإنسانية، واليوم ونحن نشهد المسرح اليمني والعلاقة الجديدة والقديمة بالألمان والفن والثقافة الألمانية لايمكن في تاريخ مسرحنا الحديث إغفال الدور الفعال لألمانيا في بناء شخصية الفنان اليمني المتنور والمتدرب علمياً عندما كان أوائل المتدربين من نجوم المسرح في عدن وعلى مستوى اليمن عموماً على أياد ألمانية في مدينة برلين ومنهم أبو المسرح اليمني الراحل عبدالله المسيبلي والأستاذ فيصل بحصو والفنان القدير سالم العباب وغيرهم أثناء إقامة دورات تدريبية لهم كانت بمثابة النواة الأساسية لتأسيس فرقة المسرح الوطني بعدن عام 1976م وأكثر من تألق فيهم هو عميد المسرح اليمني الفنان علي يافعي الذي يعتبر الرجل الثاني في تميزه بعلاقته الوطيدة بمسرح برتولد بريخت، ذلك عندما ذهب في دورة تدريبية لمدة عام إلى برلين عام 1978م واستطاع أن ينتزع شرف العمل كمخرج متدرب مع كبير المخرجين في مسرح برلين (انسامبل)، المسرح الذي أسسه شخصياً برتولد بريخت وشهد كافة أعمال بريخت وأفكاره في نظرية فن الإخراج (كسر الإبهام) والأسلوب الملحمي التعليمي لأدبه وفنه، وأثناء الدورة التدريبية آنذاك عمل اليافعي في هذا المسرح أثناء فترة تقديم مسرحيات (دائرة الطباشير القوقازية) و(بونتيلا وتابعه ماتي) وأخريات وكان يلعب فيها الأدوار الرئيسية ايكارشال صهر بريخت وبعد عودته إلى الوطن قدم المخرج علي يافعي عام 1980م بفكره ورؤيته الإخراجية مسرحية ( بونتيلا )، وحققت له نجاحاً كبيراً فنياً وذاتياً ودخل علي يافعي كاسم صعب ورقم جديد في معرفة خبايا نظرية بريخت والاستيعاب الرفيع جداً للفكر المسرحي الألماني في فن الإخراج المسرحي عموماً وبهذا سجلت مسرحية بونتيلا المسرحية (الثالثة) في تاريخ المسرح اليمني الحديث.
واليوم يشهد المسرح وتحديداً في عدن عودة حميدة وانبثاقاً جديداً للأدب الألماني وبفكر جديد، كما كان له في النصف الثاني من القرن العشرين إلا أنه يعود إلينا هذه المرة بثوب جديد وفكر جديد وبروح العصر بثنائية يفضلها المثقف والفنان الحر دائما وهي: (الحرية والليبرالية) البعيدة عن الثورية المزيفة والقريبة إلى الفكر والعقل الإنساني بمختلف اتجاهاته ومشاربه الثقافية، إنها ثقافة عصرية تتماشى مع العصر ومعاناة العصر وأفكار العصر بخاصة والعالم المفتح والمنفتح على الآخر زمن تربطه الاقتصاديات والسياسات والتكتلات والتواصل الاجتماعي الذي لابد من تقبله واستيعابه والتعايش فيه كوحدة واحدة تختلط فيه المشاعر الإنسانية (الأحزان والآلام والأفراح)، عالم القرية الواحدة والعلاقات الإنسانية الوجدانية المتبادلة بغض النظر عن الدين أو اللون أو الجنس أو اللغة .. عالم تذوب فيه الفوارق والمفاهيم التقليدية وتنتصر له لغة جديدة ومفاهيم جديدة بواسطة العلوم التكنولوجية والفضاء المفتوح في عالم الانترنت ومختلف وسائط الوسائل الإعلامية والتواصل الإنساني.
هذا التطور المتسارع الذي للأسف قد تأخرنا فيه كثيراً نحن المسرحيين اليمنيين لأسباب موضوعية وذاتية ولو سعينا لمعرفة الكثير من ثقافات وشعوب دول الأمم لوجدنا انهاراً من الأدب والفكر الألماني الإنساني، ومن هنا لابد أن نشيد بالدور الكبير الذي قدمه الأستاذ القدير مدير البيت الألماني للتعاون والثقافة في بلادنا جودو سبيتش عندما قدم لنا مخرجاً يمنياً شاباً كان بيننا واكتشف نفسه مجدداً كمخرج موهوب يحمل فكراً ورؤية عصرية حقيقية فيها الليبرالية الفنية والتجريبية من خلال إحياء مسرح يمني متجدد بمشاعر إنسانية العصر، تجمع العقل الألماني واللسان العربي والروح المشتركة ورؤية إخراجية للتوحد بين الألم والمشاعر وكسر الإيهام في الحياة بين المسرح والشعوب .. فلغة المسرح والموسيقى والأدب، لغة عالمية والجميع يفهمها بنظمها وقواعدها فلغة المشاعر والإحساس هي لغة العالم السائدة والمفترض أن تكون لنصرة الحب والسلام.
وبالحديث عن هذه اللحظة التاريخية يجبرنا المخرج والفنان اختر عبدالملك أن نسطر كلمات للتاريخ كما كتبت سلفاً عن الأساتذة فيصل عبدالله وأحمد الشميري وعلي يافعي لكن قبل الحديث عن ذلك لابد أن نشير إلى الفنان الشاب والمبدع عمرو جمال الذي عمل على إحياء النشاط المسرحي الجماهيري في عدن إلا أن المسرحية الأجمل التي لاقت انتشاراً واستحساناً جماهيرياً منقطع النظير، تلك المسرحية المأخوذة من المسرح الألماني بعنوان (خط رقم 1) التي قام بإعدادها وإخراجها الشاب عمرو جمال باسم (معك نازل) وذهب فيها إلى بلدها الأصل وفرقته خليج عدن بروحها ولباسها اليمني، ما فتح الباب مجدداً للاهتمام بقراءة الأدب الألماني وبالتالي نجد أحد هؤلاء المخرجين استطاع في فترة وجيزة أن يقدم أعمالاً فنية راقية اقرب إلى العروض الأكاديمية أو عروض للنخبة وتمتاز بالرقي والتهذيب الفني ويجب التوقف أمامها واحترامها كونها ليست بالأعمال الهينة كما قد يعتقد البعض إنما أعمال ترتقي إلى الفن الملتزم بأصول اللعبة المسرحية والرؤية المنهجية والأكاديمية ورغم بعض الهفوات هنا وهناك لأسباب موضوعية وتقنية إلا أنها لم تؤثر كثيراً على سير العمل الفني في جوهر الفكر والرؤية المسرحية بكافة أبعادها الفنية، حيث قدم لنا هذا المخرج ثلاثة أعمال جيدة من القصص والأدب الألماني الرفيع وللتاريخ فهو يعتبر المخرج اليمني الأول الذي يعمل على تحويل القصة القصيرة الألمانية إلى مسرحية يمنية.
فالمسرحية الأولى كتبها وأعدها عن قصة (ثلاث حكايات ورؤية تأملية) للكاتب باتريك زوسكاند وهي بعنوان (فقدان الذاكرة الأدبية) حيث كتبت عنها الصحفية المهتمة بالشؤون الفنية والمسرحية نادرة عبدالقدوس في صحيفة (14 أكتوبر) قائلة: (لقد كان عرض مسرحية فقدان الذاكرة الأدبية لها نكهة فنية جميلة افتقدناها في مثل هكذا عروض جادة تناقش قضية إنسانية نعيشها كثيراً في حياتنا اليومية) وتضيف أيضاً: (وقد أحسن المخرج اختر عبدالملك في اختيار النص للكاتب المبدع زوسكاند الذي يمتلك مفاتيح السرد والثقافة اللازمة والتجارب الكافية ليؤسس نصه المتامسك والذكي والإبداعي ويعرف كيف يجذب القارئ من بداية القصة حتى نهايتها دون أن ينتابه الشعور بالملل) طبعاً هذا العمل المسرحي الذي استطاع المخرج أن يعمل منه مسرحية مونو دراما ذات الممثل الواحد الذي ساعد إلى حد ما أن تصل إلينا هذه المسرحية وشعرنا أننا نحن المشاهدين نعاني معاً ونحس بنفس الألم والمعاناة نظراً للأسلوب المتميز في العملية الإخراجية الذكية والجميلة والمبسطة باستخدام السهل الممتنع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.