لم يعد بالإمكان الاستمرار في التناثر على أروقة الخلافات السياسية التي يعيشها الوطن وما ينتج عنها من توترات وتصعيدات أمنية وعسكرية تلقي بظلالها الكئيبة على استقرار المواطن وشل مصالحه في حاضره ومستقبله.. هذا التناثر والاختلاف في المواقف المتشددة للقوى السياسية لا ينم عن نضج الرؤى ووضوح الأهداف سوى الولوج في مواقف صراعية دون النظر إلى ما قد تؤدي إليه تلك المواقف من دمار وتفتت لكل مكونات المجتمع اليمني وكل مجالات الحياة التي هي في الأساس مليئة بالسلبيات بل وهزيلة يصعب أن تتشافى إن قدر الله وشهد الوطن العبثية التي نحن في بداية إرهاصاتها المأساوية. السؤال الذي يفرض نفسه علينا جميعاً أحزاباً ومنظمات مجتمع مدني ومواطنين هو: ما هي مبررات الغياب الكلي للعقل والمنطق، وتوافر حالة اللاّ عقل واللاّ منطق، والاحتكام إلى مبدأ العنف والفوضى والدمار بدلاً عن التفاهم والحوار كضمان للجميع لتحقيق الأهداف دون اللجوء إلى ما لا يمكن تقبله من أي إنسان عاقل خاصةً أن خيار العنف والفوضى والتخريب والدمار لا تصاحب نتائجه البتة أية انتصارات لأي طرف كان ، ومن يذهب إلى ذلك الخيار الفوضوي فإن ما يريده هو السير بنفسه ومن على شاكلته إلى جهنم وساءت مصيراً. سبعة أشهر عجاف منذ بداية الأزمة التي عاشتها بلادنا ومازالت وأملنا أن تزول، عاش فيها المواطن في حيرة من أمره وكان أشد حيرة من عقلية ومواقف وسلوك غربان سود ظلوا ينعقون لكل ما هو كارثي بل ويسعون إلى تجسيد الكارثية الفوضوية بكل تفاصيلها على مدى أيام وساعات ولحظات تلك الشهور المريرة .. شهور طفت على سطحها شخوص ذات مواقف نتنة ظل نتنها مختبئاً في دهاليز الفتنة المتسترة بقمصان بيض فيما السواد يلف مكونات الجسد.. هذه الشخوص التي لن تستطيع أن تدرك حقيقة الواقع اليمني ومتطلباته هي من كان لها اليد الطولى في إماتة لغة الحوار والحكمة لأن فاقد الشيء لا يعطيه فديدنها دوماً كان الفكر الإيديولوجي المتطرف والمتشدد والمشدود إلى خلق الأزمات وتعكير صفو الحياة السياسية والسلم الاجتماعي منذ أن فضحتها أجندتها الحزبية غير المتوازنة مع سلوكيات أصحابها.. إنها لخسارة كبيرة أن يكون لتلك الأحزاب أنصار، كثيراً ما عمدت إلى استغبائهم والزج بهم في مستنقع الفوضى دون أن يدركوا حقيقة الأهداف الكامنة وراء تلك الدعوات الغوغائية المختزنة في الأنا العليا والسفلى لهؤلاء البشر إن جاز تسميتهم بذلك. الوطن ليس بحاجة إلى مثل تلك المواقف المرتهنة إلى الشخصنة وليس إلى الوطنية الحقة .. مواطنة لا خيار لها غير العقل والحوار في حل جل المسائل والإشكاليات الخلافية مع الطرف الآخر، كون الأحزاب السياسية من خلال انتهاجها لمبدأ الديمقراطية تحاول تحقيق طموحات ومتطلبات الشعوب وليس تواجدها مقتصراً على تحقيق مصالحها الشخصية الضيقة أكان في أوقات السلم أم في أوقات الأزمات. وهذا ما يجري وجرى على مرّ التاريخ ،وهناك أحزاب وقوى تصبح مفردة استثنائية بخروجها عن ذلك المبدأ نتيجة لمكامن الشر في نفسها تتزود منها وتنتصر لها مهما كانت النتائج كارثية على المجتمع بأكمله ،وهذا ما ينطبق على أحزاب (اللقاء المشترك) التي لم تغادرها الأنانية والارتماء في أحضان الأفكار الهدامة المنغلقة على نفسها والتي لا تنتمي إلى أي زمن سوى زمن الغاب والشتات. اليوم اليمنيون أحوج ما يكون إلى درء المخاطر المحيطة بوطنهم وهذا لا يتأتى إلاّ عن طريق السير في الحوار الوطني بجدية وصفاء نفوس من قبل الجميع، ولا يمكن تحقيق ذلك دون الاستفادة من المبادرة الخليجية التي مثلت أفضل وأرقى وأعقل الحلول للخروج من العاصفة التي توشك أن تغتال كل ما هو جميل في وطننا الأجمل.. نعم.. المبادرة الخليجية هي الحل الأنسب لتجاوز المسائل الخلافية العالقة، خاصة أنها حظيت بتأييد شعبي ورسمي ودولي. سؤالي: لماذا يذهب المتقوقعون في دهاليز الظلمة إلى جر البلد نحو ساحات الموت والتفتت والانحدار؟.. وما هي المكاسب التي سيحققونها جراء ذلك الدمار وتلك الفوضى التي باتت نذرها على الأبواب؟.. إنها لمصيبة حقة إن لم يعقل هؤلاء.